لا أظن أن أي رئيس أمريكي سابق حظي بكل الترحاب والتقدير والتفاؤل في منطقتنا مثل الذي حصده الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما، خاصة وهو يتنقل بين عدد من العواصم العربية والإسلامية، مبدياً كثير من التقارب والاحترام والتقدير بين إدارته وقادة وشعوب المنطقة، وأنا هنا أختلف ndash; مؤقتاً- مع كثير مما ذكره الكاتب المصري محمد حسنين هيكل، وقوله في تحليله لشخصية أوباما بأن أمريكا في حاجة إلى تغيير أكثر من مجرد انتخاب رئيس أسود، أو أنه يذكره بقصة ( الشيخ هتلر) التي أطلقها المصريون في ذروة حماسهم وميلهم للجانب الألماني في الحرب العالمية الثانية، وبأنه اعتنق الدين الإسلامي في إشارة إلى الحب الجارف لهذه الشخصية التي كانوا يرون وهماً أنها ستكون سفينة نوح التي ستنقذهم من الكثير من مشاكلهم الداخلية، وهو وصف من وجهة نظري يختزل كثير من الأمور الإيجابية في صعود أوباما وتوليه قيادة العملاق الأمريكي، فهو وإن كان ليس بـ( الشيخ أوباما) وإن كان ليس روزفلت الذي سيقود الولايات المتحدة لمجد إنساني كبير، إلا أنه على الأقل ليس مثل سلفه بوش الابن، ولم يكن مجبراً أو مضطراً لزيارة عواصم مثل الرياض، والقاهرة، وأنقرة، ليقول للعالم العربي والإسلامي أنه رئيس يحمل في جعبته الكثير من السلام والاحترم لنا ولديننا وقيمنا، بل إنه تجاوز ذلك في أول خطاب له موجه إلى المسلمين باقتباس أجزاء من بعض آيات القرآن الكريم، كأول رئيس أمريكي يقوم بذلك على ما أعرف.


لكنني ومع كل هذه الإيجابيات التي طرحها أوباما في خطاباته وتحركاته، إلا أنني أعيب عليه اتجاهه نحو ترسيخ صورة بدت تتبلور في أذهان كثير من المتابعين والمثقفين العرب الذين يبدون خوفهم من أن يتحول تدريجياً إلى مجرد ( ظاهرة صوتية) لاتمت بأي صلة للواقع، فما زالت كثير من القضايا التي تهم العرب والمسلمين عالقة، ولم يتم حيالها اتخاذ أية خطوات فعلية من شأنها التمهيد على الأقل لحلها،أو حتى ري التفاؤل المزروع في نفوسنا بقطرات من مياه التحركات الأمريكية، فمازالت القضية الفلسطينية كما هي، تتراوح بين تلاعب الإدارة الإسرائيلية وخلافات الأشقاء في فلسطين، ومازالت قضايا الاستيطان قائمة، دون تدخل حازم أو حاسم من جانب الولايات المتحدة لحلها، ومازال الخلاف السوري الأمريكي قائم على الرغم من الخطوات الكبيرة التي تتخذها دمشق، من أجل إكمال هذا التقارب بما يضمن لها في الأخير حقوقها، والحفاظ على صورتها كدولة رئيسية ومحور مهم في المنطقة، ومازالت الأزمة الإيرانية مشتعلة، مهددة جيرانها واستقرار المنطقة باسلحتها النووية، وتصريحات قاداتها التي تأخذ الطابع الهستيري أحياناً، والمصحوب بمرض جديد أصاب العقلية الإيرانية بلوثة القوة النووية، والقوة العظمى في المنطقة، ومازالت أزمة الأشقاء في السودان، والجزائر، وليبيا، لم تراوح مكانها، وكثير من الأزمات التي تعهد أوباما ضمناً بأنه سيجتهد في حلها، لم تراوح مكانها، بل إن بعضها زاد تعقيداً، والبعض الآخر تحول القائمين عليها إلى حالة من الحنق المصحوب بحالة غليان داخلي، لإصابتهم بخيبة أمل في التحركات الأمريكية البطيئة، وسياسة السلحفاة التي تعتمدها مع قضايا المنطقة.


نعم نحن بالتأكيد لانرغب ولا نود في أن تتعامل الولايات المتحدة مع قضايانا من منظور الأم الرؤوف، لتي تهدهد وتربت على أكتافنا، بل إننا فقط نطالب الرئيس أوباما ببعضاً من تعهداته، نريد أن نتلمس شيئاً من التدخل في كثير من الأمور العالقة التي لايمكن حلها دون وجود أمريكي قوي ومؤثر، نريد أن يكون تحركها ملموساً، ومؤثراً، نريد أن يقوم العملاق الأمريكي بدوره الواجب والمفروض عليه، قبل أن تتحول صورته الجديدة والجميلة التي زرعها أوباما خلال الفترة الماضية، إلى صورة قاتمة مهزوزة باهتة غير معروفة الأبعاد والأسس.


مساعد الخميس
[email protected]