تشهد كردستان يوم 25 تموز الحالي انتخابات برلمانية و رئاسية يتنافس اربعة متنافسين للفوز بأصوات الناخبين، مسعود ملا مصطفى البارزاني احد المتنافسين الاربعة، والبقية يمثلون مختلف تشعبات الطيف السياسي وحتى الاجتماعي في اقليم كردستان العراق، فيما يخلو هذا السباق الرئاسي في الاقليم من ترشح أي عنصر نسائي لهذا المنصب.

وقد كان لوجود الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا في العراق ساهم بالتاكيد في دخول مرشحين بارزين في العملية الانتخابية، وفتح المجال واسعا لإنتعاش حالة الديمقرطية والتعددية السياسية، حيث توصف هذه الانتخابات بالفريدة. فهي الأولى من حيث نشاط للقادة السياسيين واهتمام الناخبين من خلال إقبال قياسي ضمن ساحة تعج بالحراك السياسي في اقليم لايتجاوزعدد سكانه بضعة ملايين نسمة. كما أن انتخابات 2009 تأتي بعد اتفاق التحالف الاستراتيجي بين الحزبين الرئيسيين الذي مكن من تجاوز منطق المواجهة السياسية الذي دام في منتصف التسعينيات بين الحزبين الرئيسيين، وسهل الطريق أمام إعادة صياغة المشهد السياسي الكردستاني على أساس الحوار وبناء جسور الثقة بين مختلف الفاعلين السياسيين. وهو ما عبرت عنه مواقف الاحزاب الرئيسة من خلال التنازلات المتبادلة والحوارات الوطنية الهادفة، والتي كان هدفها إنقاذ مستقبل شعب مسالم وعدم الخوض في خلافات الماضي.

قطع اقليم كردستان اشواطا مهمة منذ انفصال الاقليم عن حكومة المركز في بغداد عام 1991 وحتى إقرار قانون الاحزاب من قبل برلمان كردستان في الاعوام الاخيرة في الذي سمح بالتعددية الحزبية في الاقليم، لكنه بالمقابل طرح العديد من التساؤلات في واقع سياسي يستند إلى بنية اجتماعية تقليدية، فمن حكم الحزب الواحد إلى وجود العشرات من الاحزاب السياسية اليوم، حيث تشهد الساحة السياسية الكردستانية نشاطا غير مسبوقا، وموجات من الجدالات السياسية بين مختلف المترشحين للانتخابات الرئاسية.
لكن أبرزعوائق العمل السياسي في اقليم كردستان يتمثل في المعوق الاجتماعي، حيث يتجذر النظام التقليدي، مما يحول بين الأفراد وبين الولاء الكامل لسلطات الدولة المختلفة.
وهذه الظاهرة تؤدي إلى تشتت الولاء وتضعف الأداء السياسي، وتخلق ثنائية على مستوى الشخصية السياسية. ورغم مضي نحو 18 من الزمن على ما يوصف بالتجربة التعددية، يجمع الاكراد العراقييون على أن التحالفات العشائرية أقوى تأثيرا من نظيراتها السياسية. وتنشط الظواهر السلبية في مثل هذه المواسم، حيث تعمد على إذكاء الانتماءات العشائرية والمناطقية وابرازالدور المحوري للزعامات العشائرية خاصة في الارياف والمناطق الصغيرة.

ويعتقد متابعون أن العشيرة لا تزال المحرك الأساسي للأحداث السياسية في اقليم كردستان، والفاعل في الصراعات الدائرة بين الأقطاب السياسية في الوقت الحاضر.أما الأحزاب الكردية فتبقى غالبا في واجهة الأحداث، وهي بمثابة الغطاء الخفي والأساسي للعشائر في صناعتها للأحداث. ويبقى تأثير العشائر متفاوتا بحسب وزنها، وامتدادها الجغرافي وحجمها. وتتشابه العشائر إلى حد بعيد مع جماعات الضغط القوية التي تصنع الحدث دون أن تتبناه، وتؤثر في القرار دون أن تعلن عن نفسها.

ومن المفارقة أن تعميق الولاء العشائري والمناطقي في اقليم كردستان وتزايد الدور السياسي للعشيرة قد استفحل بعد قدوم ما يسمى بالمسلسل الانتخابي الكردستاني، حيث ترسخت الولاءات العشيرة لأسباب سياسية، واستخدمت العشيرة لجمع الولاء للنظام السياسي القائم. وإذا كانت هذه الولاءات في المجتمعات غير الحديثة تتركز على رابطة الدم، إلا أن عوامل أخرى مثل الادراك السياسي، وطبيعة النظام المسيطر قد تخفف من وطأة هذا الانتماء. وهو ما يتطلب مراجعة سياسية تضع العشيرة في إطارها الاجتماعي البحت بعيدا عن المعترك السياسي، وإلا فإن التجربة الكردستانية ستبقى تراوح مكانها، ولن تتجاوز عتبة الانطلاق.
واضافة الى المعوق السيسولوجي توجد المعوق الدستوري في الاقليم الذي يعكسه عدم التطبيق الصحيح لمبدأ الفصل بين السلطات، مما يضع سلطتي البرلمان و القضاء في الاقليم في وجه تأثيرات ضغوط السلطة التنفيذية، واريد ان اشير الى معوق سياسي بالغ الخطورة ايضا يتمثل في ضعف أداء المعارضة الكردية وعدم قدرتها على التوحد، وفشلها في طرح برنامج سياسي بديل وغياب التحالفات السياسية الإستراتيجية بين احزاب المعارضة والتي تعتبر عاملا في إضعاف النشاط السياسي الهادف إلى إدخال الإصلاح والغيير، إضافة إلى عقبة كبرى وهي الفساد الإداري والمالي التي لها تأثيرها المباشر وغير المباشر في ممارسة العمل السياسي على مختلف مستوياتها.

راوند رسول
[email protected]