منذ وقت ليس بالقصير وجريدة (الصباح) العراقية، تطلق دعوتها التي تتضمن المطالبة بعودة الشاعر العراقي الكبير مظفر النواب الى العراق من غربته، وبدأت بجمع تواقيع المثقفين العراقيين من اجل ذلك، وبقدر اعتزازنا الكبير بهذه الدعوة والمطالبات المشروعة، الا ان السؤال الذي يطرح نفسه، ولا اعتقد ان احدا من الذين وقعوا على مطلب العودة قد فكر فيه، هو : اين سيستقر النواب اذا ما عاد الى العراق؟ هل سيبحث عن شقة للايجار، او يذهب ليطرق ابواب الوزارات من اجل تقرير درجة وظيفية له، او من اجل احتساب راتب له؟

ولنا في الفنان حمودي الحارثي اسوة حسنة، فالرجل لبى نداء الذين دعوه بالعودة الى العراق ومنهم اعضاء في مجلس النواب، ومضت الشهور والحارثي يدور هنا وهناك بحثا عن سبيل من اجل منحه درجة وظيفية في وزارة الثقافة ولم يبت بها احد حتى شعر باليأس، وامضى هذه الشهور الطويلة ضيفا في بيت ابنة شقيقته او عند احد اقاربه بعيدا عن اسرته التي ما زالت موجودة في هولندا، ولا يعرف الحارثي متى يستقر، وظل يرسل نظراته الحائرة الى حيث تقطن اسرته، ونظرات حزينة الى وجوه المسؤولين من اجل ان يجد الاستقرار، وكذلك الحال بالنسبة للكاتب ياسين النصير الذي تعب من زيارة هذا المسؤول وذلك المسؤول، والتوسط عند هذا وذاك من اجل ان تكون له وظيفة ويشعر بالاستقرار داخل بلده الذي عاد اليه بعد غربة وبعد دعوات عديدة تلقاها للعودة والمشاركة في بناء الوطن، وهناك الكثيرون من امثال الحارثي والنصير من الكفاءات العراقية التي عادت الى الوطن ومن ثم غادرته بعد ان وجدت نفسها تدور في حلقة مفرغة من بؤس الحال والبحث عن فرصة لمقابلة مسؤول يحترم هذه العودة.

اذن عودة مظفر النواب .. كيف ستكون؟، هل ستجدي هذه التواقيع والمطالبات العديدة بتأمين سكن له وراتب ووظيفة؟، ام انه سيسكن الفنادق ويتم الاحتفاء به لاسبوع او اسبوعين ومن ثم يبتلعه النسيان ويرفع الجميع ايديهم عنه بحجة : نحن لا نعلم !!، او ان دعوتنا كانت انسانية وانه شاعر كبير ومشهور و .. و ..، ليظل يعاني باحثا عن الاستقرار ايضا، العواطف ايها السادة ليسن بذي فائدة، العواطف وحدها لاتكفي لضمان حياة مطمئنة لمبدع عراقي كبير عانى ما عانى من الغربة.

على الحكومة .. وقد تبنت دعوة الكفاءات ان تضع برنامجا متكاملا لتهيئة كل مستلزمات وحاجات هذا الانسان الضرورية له ولعائلته كي يستطيع ان يخدم الوطن بروح مطمئنة وعقل لا تشوبه شوائب القلق والتحسر على ما فات.

عبد الجبار العتابي