الضعف والقوة كلمتان متضادتان في المعنى طبقاً لكل قواميس اللغة. وتعلمنا منذ نعومة أظافرنا أن الضعف صفة غير مرغوبة ويجب أن نكون أقوياء في كل شيء. فما هي العلاقة بين الضعف والقوة من وجهة نظر علم الرياضيات؟ وكيف تنعكس هذه المفاهيم على الواقع الاجتماعي الذي نعيشه؟ وهل الضعف صفة من صفات الأقلية، والقوة هي من نصيب الأكثرية؟


في علم الرياضيات تعرف القوة على أنها كائن يتكون من ثلاثة عناصر: مقدار معين، واتجاه ثابت ومحدد ومجال تأثير. وهنا يجب الإشارة إلى أن اتجاه القوة لا يتأثر بمقدارها ... فمهما تناقص المقدار أو تزايد يظل الاتجاه ثابت ومحدد، فالقوة تتحرك موازية لنفسها فقط.


أما مجال تأثير القوة فهو بالطبع يعتمد على مقدارها فإن كبر المقدار كبرت منطقة النفوذ وإن صغر المقدار صغرت منطقة التأثير.
إذن كيف يمكن تعظيم وزيادة مقدار قوة ما؟ الإجابة بسيطة وهي بأن تتحد هذه القوة مع قوى أخرى بشرط أساسي أن يكون لهم جميعاً نفس الاتجاه.
فماذا عن الضعف؟ وكيف يمكن تمثيله رياضياً؟ الضعف من وجهة نظر رياضية يمكن اعتباره قوة مقدارها صغير بالنسبة للقوى العظمى وذو تأثير محدود بيد أن له اتجاه واضح ومحدد.


حتى إذا ما اقترب مقداره من الصفر ـ بسبب مقاومته من قبل قوى أخرى كبيرة المقدار ومعاكسة له في الاتجاه ـ فإنه فهذه الحالة وإن تأثر بتناقص مقداره ـ الصغير أصلاً ـ يمكن تمثيله بما يسمى quot;المتجه الصفريquot; فلا يكون له اتجاه معين وتصبح كل الاتجاهات (الخيارات) متاحة طبقاً لنظريات علم الرياضيات. وهنا مكمن الخطر من القوى الصغيرة المقدار أو ما نسميه بالقوى الضعيفة وذلك لأنه بالنسبة لهذه القوى كل الاتجاهات (الخيارات) تكون متاحة فيمكنها أن تتحد مع أية قوى أخرى وتأخذ اتجاهها.


أيضاً هناك مفارقة أخرى مدهشة فالقوى العظمى أو الصغرى المؤثرة بذاتها إذا ما تلاقت مع قوى عظمى (صغرى) أخرى عندئذ يمكن لها أن تتزايد أو تتناقص في المقدار من حيث المحصلة النهائية طبقاً لاتجاهات القوى المتصارعة وتقاطعاتها ومقاديرها، وبالتالي يمكن أن تتلاشى وتصبح قوى ضعف كما يمكن أن تتبدل اتجاهاتها أو تنعكس. بيد أن القوى الضعيفة في حالة اتحادها مع قوى عظمى مؤثرة فإنها أي قوى الضعف سرعان ما يصبح لها نفس مقدار واتجاه القوى العظمى التي اندمجت معها ويكون لها نفس التأثير.
فإذا جاز لنا أن نعتبر الأقليات العرقية، أو الدينية، وغيرها ، .. من القوى الصغرى أو الضعيفة (قوى الأقليات) عندئذٍ يجب علينا وبإصرار أن نتعامل معها بكل الحذر والحيطة خوفاً من سهولة اندماجها مع القوى العظمى المؤثرة وفي هذه الحالة يمكن لها أن تتفوق في المقدار والتأثير عن القوى العظمى الأخرى (قوى الأغلبية) بحيث تكون قادرة على التأثير في فضائها ـ هذا الفضاء يتمدد بقدر ما يزداد مقدار القوة ـ وتكون قادرة على إحداث التغيير وأحياناً الهيمنة على القوى العظمى الأخرى. حقاً أنه جبروت الضعف أو إن شئت حكم الضعيف على القوي!


فكم من فئة قليلة (قوى صغرى أو ضعيفة) انتصرت على فئة كبيرة (قوى عظمى) لأنها اتحدت مع قوى عظمى فكان النصر حليفها، وكم من قوى عظمى اتحدت مع قوى عظمى أخرى فتعاكست الاتجاهات أو تفرقت خطوط العمل ونقاط التأثير فكانت المحصلة صفر وتلاشتا معاً وللتاريخ قصص كثيرة في هذا الشأن. فالأمر لا يتعلق بمقدار القوة بقدر ما يتعلق بفن إدارة القوة.


إذا أردنا الخروج من النفق المظلم لنرى نور الحضارة والحرية والكرامة علينا أن نصارح أنفسنا ـ مهما كانت هذه المصارحة مؤلمة ـ بحقيقة أن القوى التي نعتبرها قوى صغرى أو قوى ضعيفة تستطيع إن أحسنت إدارة قوتها أن تدمر قوى الأكثرية (القوى العظمى).


فكما أنه من العبث أن تتصارع الدول الصغرى مع الدول العظمى فمن العبث أيضاً بل ومن المستغرب أن تتصارع الدول مع قوى الأقليات أو القوى الضعيفة لأن النتيجة الحتمية لمثل هذه الصراعات تؤدي إلى ضعف الدول وفقدانها لهيبتها بل وشرعيتها. أنظروا إلى الولايات المتحدة الأمريكية وكيف استطاعت أن توحد الأقليات العرقية والدينية في اتجاه واحد محدد تحت مبدأ المواطنة فأصبحت القوة العظمى الأولى في العالم وبلا منازع.


لذلك وجب علينا أن نفسح المجال لقوى الأقليات أن تندمج وتتحد في مجتمعاتها مع قوى الأغلبية في الوطن الواحد وهذا لن يحدث إلا بتحديد اتجاه توافقي ثابت ومحدد (مبدأ المواطنة) يكون اتجاهاً عاماً لكل قوى المجتمع السياسية والدينية، والاجتماعية، وغيرها .. فتتعاظم المحصلة في المقدار وتقوى سلطة الدولة ونفوذها الأمر الذي يضمن الرخاء والسلام لكل أبناء الوطن الواحد حيث يتمتع الجميع بكامل الحقوق استنادا على مبدأ المواطنة الذهبي والذي هو نتاج خبرات البشرية على اختلاف أجناسها ودياناتها وحضاراتها على مر السنين وهذا لن يأتي إلا بالفصل الكامل للدين عن الدولة دستورياً وتشريعياً فلا يكون هناك أقلية ولا أكثرية بل شعب واحد في وطن واحد.

د. إميل صبحي شكرالله
[email protected]