آخر بدع وإبداعات الأحزاب الدينية في العراق أن أحدها أصر على تعيين سفيرة دخلت على لجنة المقابلة في البرلمان برفقة محرم، قد لا يحدث هذا إلا في برنامج تلفزيوني اسمه صدق أو لا تصدق،أو الكامرة الخفية، هذه المرأة لا تحمل أية شهادات عالية أو كفاءة خاصة أيضاً، كل شهاداتها وكفاءاتها،بضعة وريقات من معهد ديني ربما في قم أو غيرها، وأنها من عائلة وأقارب قادة في ما يدعى بالمجلس الإسلامي الأعلى بزعامة عبد العزيز الحكيم! عضوة في البرلمان قالت أن هذه المرأة ينبغي أن تكون قعيدة البيت فخروجها وكلامها على ما يبدو يحدث إحراجاً ومتاعب للآخرين!
سألتها اللجنة ماذا تعرف من معاهدات واتفاقيات العراق مع دول العالم؟ فأجابت باعتداد وثقة أنها لا تعرفها، ولا تعترف بها!
لم يسع اللجنة إلا رفضها، لكن قادة الحزب الديني أصروا على قبولها وتعيينها سفيرة، وكان جوابهم متوقعاً وواضحاً :وهل مرشحو ومرشحات الأحزاب الدينية وغير الدينية الأخرى أفضل منها؟
وهذا صحيح،فهذا الكعك من هذا العجين، ولم المفاضلة؟
وهم محقون بهذا التساؤل،أليس الكثير من السفراء والمستشارين والوزراء والمدراء العامين اليوم قد جعلتهم ثرواتهم المتهاطلة عليهم يصلون السقف الشرعي الأعلى ويقترنون بأربع زوجات ويدخلون في مرحلة وما ملكت أيمانكم؟ أليس هذا مثل ذاك؟ وثمة نساء اليوم كثيرات،موظفات،وبدرجات، لا حرية لهن بالسفر أو حتى بالخروج للتبضع أو قيادة السيارة ولا حركة ولا بركة لهن إلا مع محرم؟ أو زوج غيور هصور؟ ويبدو مثلما فرض على العراقيين هضم الحجاب والتلفونات التي تدق على الطقوس الدينية سيكون عليهم أن يهضموا ويقبلوا أن تكون المرأة دائماً مع محرم، الشك في المرأة صار عرفاً وتقليدا وعبادة فهي في رأي كثير من الرجال الحاكمين اليوم ناقصة عقل ودين،ومن الغريب أن ثمة نساء يدافعن عن وصمة العار هذه،ويخرجن على الفضائيات ليقلن أنهن راضيات سعيدات بأدائهن هذا الواجب الديني!
لم يجد البرلمان مناصاً من التصويت على قبولها سفيرة، فهو نفسه متورط وغارق حتى أذنيه الطويلتين بالمحاصصة واقتسام الوظائف العامة على عدد رؤوس النواب،ولا يخطر بباله شيء اسمه حقوق المواطنة واستحقاق الوظيفة أو معايير النزاهة والقدرة على تحمل المسؤولية ودعك من الإبداع فيها وكسب حب الناس ورضاهم!
قد لا يبدو ذلك عجيباً في بلد وصل فيه عدد الجثث التي تلقى في الشوارع المئات كل يوم وحتى عهد قريب، وما يزال مهدداً بدوران طاحونة الدم فيه بنفس مستوياتها السابقة،وربما أكثر، إذا ما اندلعت حروب طائفية أو قومية، والوزير والموظف الفاسد فيه هو القاعدة والنزيه هو الاستثناء،وتصل فيه هبرة السرقة مئات الملايين من الدولارات في ضربة واحدة،وما تزال فيه الكهرباء والماء النظيف والوقود والغذاء الصحي والكاف من الأحلام المستحيلة! ولكن من الحق تفهم القشعريرة التي تعتري المرء وهو يسمع بهكذا عجائب! فهو يرجع القتل والتدمير للإرهابيين وأعداء العهد الجديد، ولكن أن يرى من ادعوا أنهم بناة العراق الجديد يبنون بهذا الشكل وهذه الطريقة يحس بنقمة عليهم تساوي نقمته على الإرهابيين فهؤلاء أنفسهم هم من يسهل عمل الإرهابيين ويعطيهم المبررات للهدم والتدمير بحجة أنهم يتصدون لواقع بلغ فيه الفساد والخراب درجة فظيعة، رغم أن أيدلوجية الإرهابيين الدينية هي ذات أيدلوجيتهم! ومرة أخرى :هذا الكعك المسموم من هذا العجين!
طبعاً سيرافق المحرم هذه السفيرة العتيدة حين تقدم أوراق اعتمادها لملك السويد أو ملك الأردن أو رئيس جمهورية مصر، حيث ستتولى تمثيل العراق والمرأة العراقية أيضاً ولا يعرف كيف ستتحمل خزينة الدولة العرقية نفقات المحرم وربما عائلته أيضاً بعد أن استنزفها الفساد، وكم سيكون راتبه ومخصصاته؟ومع ذلك تدبر.لها حلاُل.، ولكن ماذا سيقول الناس في البلد الذي ستمثل العراق فيه هكذا سفيرة؟هل خلا العراق من نساء جديرات كفوات؟
العراق الذي كان في طليعة الدول العربية في نشاط النساء المتحررات منذ مطلع القرن الماضي،والذي نبغت فيه نساء في العمل العام وفي السياسة والثقافة وفي الشعر والرواية وفي المسرح والغناء وتخرجت من معاهده عشرات الآلاف من الطبيبات والمهندسات والعالمات؟ ومن ترابه نهضت أسطورة عشتار، إلهة الآلهة،وتبغددت وشدت شهرزاد ونازك الملائكة؟
لا يجدي الحنين إلى الماضي نفعاً ولا يجدي التذكير أن النساء الأرامل،والأطفال اليتامى بلغن في العرق نسباً مخيفة تنذر بانهيار اجتماعي مريع،وإن الأمر بلغ من الخطورة ما يقتضي أن تتصدى لقيادة الدولة والمجتمع وتمثيلهما في العالم نساء بعقول وأحاسيس تعي واقع العراق ومتطلباته، لكن السادة القائمين على مقاليد الأمور سادرون في غيهم مصرون على تقديم الوشيجة الطائفية والحزبية على الكفاءة والإخلاص والجدارة، مصرون على تحطيم طاقات وكفاءات النساء العراقيات والرجال العراقيين ممن لا يريدون الانضواء تحت عباءاتهم السود والبيض وتقديم هذه الوجوه التي لا تذكر بحضارة العراق وأهله الطيبين الجميلين الذين كانوا وما زال الكثيرون منهم صامدين، بل بأشباح العالم السفلي،ورماد الجحيم!
إبراهيم أحمد
التعليقات