لکل بلد عربي خصوصيته و اوضاعه المميزة التي تجعلها مختلفة عن غيرها، مثلما لکل انسان طبعه و ميله الخاص به، وليس صحيحا ان نعتبر البلدان العربية کلها(للسبب القومي)متشابهة و متطابقة مع بعضها وان مايصح على تطوان في المغرب يصح على اللاذقية في سوريا أو المنامة في البحرين، إذ أن لکل مدينة من هذه المدن خصوصياتها و اوضاعها المختلفة عن الاخرى کما وليس من الصحيح أيضا ان نقول بأن العراقي واللبناني و الليبي و الجزائري مثلا متشابهين تماما، وذلك أمر يدرکه أبسط الناس.


نحو توازن استراتيجي إقليمي ودولي لصالح العرب 2-5

المد القومي الذي اجتاح الوطن العربي في عهد الرئيس جمال عبدالناصر، صحيح جدا انهquot;أي التيار الناصريquot; وحد الاحساس القومي لدى العرب من المحيط الى الخليج العربي، لکنه لم يتمکن من توجيه و تقنين هذا الاحساس بإتجاه علمي و موضوعي مبني على اساس متين يخدم قضايا و امور الامة العربية وانما ابقى الامر ضمن النطاق العاطفي الانفعالي من دون أن يدرکوا أن الهيجان العاطفي و الحماس غير العادي ليسا بکافيين لکي يرسما أو يضعا الخطوط العريضة لبرنامج يؤسس لمشروع قومي واضح الاهداف و الرؤى. ولو ألقينا نظرة على مافعله بسمارك رئيس وزارء بروسيا من أجل توحيد المقاطعات الالمانية او ما فعله غاريبالدي مع أتباعه من أجل الوحدة الايطالية، لتيقنا من أن القائد صاحب الرؤية و الذهنية الثاقبة هو من يوظف الحماس الجماهيري و القومي بإتجاه يخدم مشروعا متکاملا و واضحا وهذا مافعله کل من بسمارك و غاريبالدي في حين أبقاه عبدالناصر غير مکتملا.


الاشکالية الکبيرة التي وقع فيها التيار الناصري، کانت تتجلى بکونه يرى کافة أقطار الوطن العربي إمتداد للحالة المصرية ومن هنا فقد جائت الاخطاء الفادحة التي صنعها لنفسه ومنها تدخله في الصراع اليمني و کذلك تإييده لثورة 14 تموز 1958 في العراق ومن ثم إختلافه مع الرئيس العراقي آنئذ الزعيم عبدالکريم قاسم و کذلك تإييده لإنقلاب 18 تشرين في العراق أيضا و الذي دبره المشير عبدالسلام عارف ضد البعثيين في عام 1963، وهي مواقف إنعکست بصورة سلبية على مصر و رسم علامات استفهام حول نظام الرئيس جمال عبدالناصر کما انه من المفيد الوقوف عند الوحدة المصرية السورية في عام 1958 و تنصيب جمال عبدالناصر رئيسا لدولة الوحدة لکن الوحدة تمزقت عام 1961 بعد أن رفض السوريون زعامة عبدالناصر و اعتبروه کأمر مفروض من الخارج! وکل هذه الحالات تدل على أن التيار الناصري کان يراهن على الاحساس القومي و الاندفاع و الحماس للمسألة القومية من دون أن يعي أن هذا الاحساس امر يفقد بريقه و اهميته من دون صهره داخل أبعاد عقلية و منطقية مناسبة وهو ماتجلى واضحا في مواقف السوريين و اليمنيين و العراقيين مثلا من آراء و مواقف جمال عبدالناصر.


لکننا، لسنا نقف عند هذا الحد، وانما نلوم التيار الناصري لکونه لم يسعى لصياغة نظرية عمل تمهد لمشروع واقعي يخدم القضية العربية وانما بقى متقوقعا في بوتقة حماسية إنفعالية يقودها و يسيرها فهم عسکري من اساسه.


وفي عام 1963، الذي شهد تسلم حزب البعث العربي الاشتراکي لمقاليد الحکم في بلدين عربيينquot;العراق في 8/2/1963، و سوريا في 8/3/1963quot;، إندفع نظامي الحکم الجديدين في کل من بغداد و دمشق بإتجاه القاهرة و ووقعت البلدان إتفاقية 17 نيسان للوحدة بين البلدان الثلاثة وهو إتفاق حمل بذور الفشل منذ اللحظة الاولى لتوقيعه حيث إنه کان من الهشاشة بحيث لم يرقى الى مستوى الوحدة بين سوريا و مصر عام 1958 والتي طبقت على الاقل على أرض الواقع أما هذه الاخيرة فقد ظلت حبرا على ورق. وقد يتسائل البعض عن جدوى إسهابنا في طرح موضوع الوحدة و ما علاقة ذلك بقضية التوازن الاستراتيجي التي نحن في صددها في هذه السلسلة من المقالات، فإننا نقول ان هنالك علاقة قوية و وثيقة بين الامرين لأن البلدان الثلاثة التي تحدثنا عنها کانت تمثل الزوايا الثلاثة الاساسية لمثلث العروبة و للواقع العربي ولازالت تؤثر بصورة أو بأخرى على الواقع العربي وان هذه البلدان الثلاثة کانت من البلدان العربية المهمة و صاحبة الشأن في مضمار العلاقات السياسية و الاقتصادية و العسکرية على الصعيد الدولي وکانت لها تأثيراتها القوية(سلبا او إيجابا)في صياغة التوازن الاستراتيجي الاقليمي و الدولي بسياق يخدم الامن القومي العربي و المصالح العربية العليا وقطعا ان هذه البلدان الثلاثة و بسبب من مواقفها الفکرية السياسية المناهضة للولايات المتحدة الامريکية و اسرائيل، فقد کان على الدوام مستهدفة من قبل دول الغرب بشکل عام و الولايات المتحدة بشکل خاص وهذه البلدان مع إحترامنا الشديد و تقديرنا العميق لما قدمته من جهد لخدمة المشروع القومي العربي، لکنها للأسف لم تکن موفقة في التخطيط لسياسية تستند اساسا على منهج علمي واقعي و تحاول تخطي بعض الحالات الشاذة في العلاقات الدولية(کعلاقات دول الغرب بإسرائيل) من أجل ذلك، بل وانها و بخلاف ماکان مطلوبا منها بحکم المنطق و الواقع سارت بطريق معاکس الاتجاه وهو مااوقعها في اخطاء و جعل العرب هم الذي يدفعون ثمن تلك الاخطاء من خلال منح العرب مرکزا ثانويا في التوازن الاقليمي(من منظور الرؤية الدولية) وهنا تجدر الاشارة الى أن الدول العربية التي کانت تحتفظ بعلاقات حسنة مع الغرب وبحکم التشتت العربي الرسمي و تبعثره على جبهتين متباينتين، ولکون هذه الدول لم تکن موافقة إطلاقا و بأي شکل من الاشکال ان تفرط بالحق العربي ولا بشبر من أرض فلسطين(کما کانت تحاول دولا أو احزابا عربية ان توحي بذلك) فإنه لم يکن من السهل عليها فرض أجندة أو مجرد رؤى عربية على الخطوط العامة و الاساسية للسياسة الدولية خصوصا وان الغرب و من خلفه صنيعته اسرائيل کان يدرك جيدا عمق الاحساس القومي لدى القادة العرب بشکل عام فيما يتعلق بالمسائل ذات البعد القومي وان مواقف الملك الراحل فيصل بن عبدالعزيز من قضية القدس بشکل خاص و قضية فلسطين بشکل عام کانت حقيقة ماثلة للأعداء قبل الاشقاء و الاصدقاء ومن هنا فإن تحرك هذه الدول قبالة الغرب کان أيضا يمر من ممرات معقدة جدا و صعبة الاجتياز، لکن العامل الاهم من ذلك هو انه لم تکن هنالك ثمة رؤية عربية محددة متفق عليها بين الدول العربية کقاسم مشترك أعظم فيما يتعلق بالموقف من القضايا المصيرية يمکن استخدامها و توظيفها کخطة عمل سياسية في المحافل الدولية وانما کان الامر برمته عبارة عن مجموعة خطوط و مسارات متضاربة و غير واضحة بالنسبة للسياسة الدولية التي تتعامل بفن الممکن لکن هنا لم يکن هنالك أي ممکن بل کان الخط العام للخطاب اما کل شئ او لاشئ!

محمد علي الحسيني

*الامين العام للمجلس الاسلامي العربي في لبنان.