لبنان.. لا أعلم لماذا حين ألفظها كذلك وأقدم فيها ما أكتب أضحك من قلبي وملء فمي.. لبنان نعم هو لبنان أو بلهجات أخرى تؤنث المذكر؛ هي لبنان.. لا فارق فالمقصود معروف اقتربنا أم ابتعدنا عن حمّى الأرز، ونهر أدونيس، وشجرة الجوز العتيقة، والشعب العنيد، وشادي الذي ضاع، والمعنيين، والشهابيين، ويوسف كرم، وطانيوس شاهين، والـ10 مليون لبناني في البرازيل، وكتاب التاريخ، والناي الذي يؤتى به إلى جبران ليغني دون أي راقصة تشد إليها الأبصار والأذهان.

لبنان الذي احتفل رسميا بعيد للجيش، المتكاثر عددا وعدة بعد حروب خيالية قد خاضها، بأربع بذلات بيضاء كأنها خارجة من مشرحة. لا أعرف لما تذكرني هذه البذلات بفيلم ميل غيبسون أبوكاليبسو، ذلك المشهد الذي فيه هرم وجماجم تتطاير ودماء وأشلاء... مقزز فعلا كما هي رغم أبيضها، وربطات عنقها، وابتسامات سكانها العريضة المصبوبة في الوجوه منذ الأزل، مهما تغيرت، وتبدلت معها الظروف وحلكت أو ابيضت بتحرير وتمديد وتموز وأيار ودوحة وانتخابات.

لبنان نفسه.. البلد الذي بإنتخابات ومجلس نيابي، ورئيس جمهورية يتغير كل ستة أعوام أو تسعة أعوام لا مشكلة.. ولبنان نفسه بحكومة تصريف أعمال وحكومة أخرى قد تأتي قريبا لا فارق في ذلك، فهي تأتي دائما quot;ما بتقطعناquot; وتترك آثارها وترحل وتعود وتثري من تثري من الوزراء ماليا أو إعلاميا أو قياديا.

هو نفسه لبنان الذي يخلو من الجيش السوري حتما، وخلا من الثورة الفلسطينية قبل ذلك وينتظر أهله الأصليون الذين ينبت في جماجمهم العرق اللبناني النبيل رحيل باقي قوى الشر عنهم؛ لبنانية كانت أم غير ذلك، كي يفرشوا بعدها موائد التبولة والكوسا بلبن والحمص بطحينة والشنكليش، ويغنوا الزجل والعتابا، ويقيموا دوائر الدبكة تتناطح بها طرابيشهم وتتعانق شراويلهم.

لبنان نفسه الذي يعيش موسما سياحيا تبرز لوحات سياراته على الطرقات من مختلف الجنسيات بالترافق مع حرب تطرق الأبواب دوما. ولبنان نفسه الذي غزته أنفلونزا الخنازير مصحوبة بقرار نقابتي أطباء بيروت وطرابلس بزيادة التعرفة على الفحوصات.. فالأغنياء وحدهم يحق لهم بالمرض والمداواة أما الفقراء فلن يموتوا، لا تخافوا.. عليهم فقط ان يتبعوا مسؤولا ما ينتخبونه وينضمون إلى تظاهراته ولجانه ليصبحوا بعدها رقما من أرقامه لهم العلاج في مستشفياته ومستوصفاته، والإنتساب إلى صناديق ضمانه الإجتماعية الخاصة، ولهم بعد ذلك إعانة غذائية لازمة لرد صحتهم إليهم كي يعاودوا النشاطات بهمة ونشاط.

لبنان نفسه الذي فيه تنصت على الهاتف الثابت والخلوي بتقنيات غبية تكشف للجميع أن التنصت موجود حين يكاد يتكلم الموظف المتنصت مع طرفي المكالمة، أو نكاد نسمع ضحكاته وعطساته وسوى ذلك لولا أنه محترف يعرف كيف يكتمها، ولولا أجهزة التسجيل تحفظ المكالمات ليتسلى فيها فرع المعلومات كما يشاء فيتضح بعد أعوام أن الشقيقين عبد العال بريئان ومعهم الضباط الأربعة وأن أبا عدس ربما لا وجود له.

لبنان نفسه الذي فيه سفارة أميركية تجدد دعمها الكلي له ولقواه الأمنية. ولبنان نفسه بكهربائه المقننة واقتصاده المنهار وديونه quot;المتلتلةquot; وباريس 3 المجهول المصير. وهو نفسه الذي فيه سفير سعودي قديم ما زال يمارس نشاطات فيه يبدو أن الحالي لا يفقه بها شيئا.

هو لبنان نفسه الذي فيه وليد جنبلاط...

عصام سحمراني