تتبعنا في الأجزاء الثلاثة من البحث هيكلية وعمل منظمات الإسلام السياسي في ألمانيا، ولاحظنا بأن هذه المنظمات تعمل على مدار الساعة، وتهدف الى تحقيق اهداف سياسية بحتة يمكن إختصارها في صرف الجالبات المسلمة عن الإندماج والتفاعل مع المجتمع الذي اختارته بطوع ارادتها، وربما ركبت من أجل الوصول اليه والعيش فيه الأهوال والمصاعب.

قراءة في واقع الإسلام السياسي في ألمانيا(3ـ4)

منظمات الإسلام السياسي تضر في المقام الأول ابناء الجاليات المسلمة أنفسهم، فهي تشجعهم على التقوقع ورفض الإندماج بحجة المحافظة على الدين والعادات، وهي تعمل على توريطهم في قضايا لادخل لهم فيها، فالمسلمون مثلهم مثل غيرهم يهمهم في المقام الأول الرفاهية والعيش الكريم، وجل أمنيات اغلبهم هي توفير فرص العمل وتأمين المستقبل المشرق لأبنائهم والتمتع بالأمن والكرامة بعيداً عن المشاكل والحروب التي تنتشر في العالم الإسلامي. لذلك فإن اي تحرك يهدف لنشر الفكر الإصولي المتزمت بين ابناء هذه الجاليات هو جلب الضرر لها وتعريض المكاسب التي حققته إلى خطر الصدام مع الأغلبية الألمانية وحكوماتها، والتي باتت تتخوف كثيراً بعد موجات الإرهاب التي طالت مناطقاً مختلفة من العالم، وحملت كلها توقيع التنظيمات الإسلامية.

وقد عمد بعض المختصين الألمان في الآونة الأخيرة( أودو أولفكوته، رالف غانديانو، هنريك برودر، مثالاً) الى متابعة هذه الجمعيات والكتابة عنها باستمرار، واصدار الكتب التي تشرح هيكليتها واهدافها. وتعدى الأمر ذلك الى تشكيل عدد من النخب الألمانية حزباً سياسياً مهمته التصدي لخطاب جمعيات ومنظمات الإسلام السياسي هذه، ولإحباط مساعيها في quot; أسلمة ألمانياquot; كما يقولون.

الحكومة الألمانية بدورها تحاول احتواء الوضع وتعقد بين الفترة والأخرىquot; مؤتمر الإسلام في ألمانياquot; وغالباً مايكون قادة ومسؤولي هذه المنظمات والجمعيات هم أبطال تلك المؤتمرات، وذلك على الرغم من أن دائرة حماية الدستور الألماني تصدر بين الفترة والأخرى تقاريراً تحذر فيه من خطورة أفكار وأيديولوجيات هؤلاء ومنظماتهم على العيش المشترك في المانيا، وتشرح هذه التقارير مساعي هؤلاء الناشطين المتزمتين في نشر الإسلام الإصولي بين الجاليات المسلمة بكل الطرق الملتوية، وإعتماداً على مبدأ quot; التقيةquot; الإسلامي المعروف.

وتشن قوات الشرطة الألمانية بين الحين والآخر حملات مداهمة تطال مراكز وجوامعاً لهذه الجمعيات حيث يتم على الأغلب إكتشاف علاقة بينها وبين تنظيمات اسلامية محظورة في الشرق العربي والإسلامي. كما يدور اكثر من سؤال حول قضايا التمويل في هذه الجمعيات وكيف أنها تتلقى الأموال من دول تشجع حركات الإسلام السياسي مثل السعودية وايران.

ويطالب بعض المختصين في الشأن الإسلامي مثل الدكتور السوري الأصل بسام طيبي بتوطيد مفهوم quot; الإسلام الأوروبيquot; اي الإسلام حسب الحياة الأوروبية والقيم الأوروبية ودولة القانون بعيداً عن فكرة الشريعة وquot; دولة الخلافةquot; كما في الشرق، وهو الأمر الذي يعني خلق رفض داخلي ينبع من داخل الجاليات الإسلامية الأوروبية لخطاب هذه الجمعيات والمنظمات التي تراهن على الإسلام السياسي وتعمل على تسويق بضاعته في أوروبا (يمكن هنا الإطلاع على مؤلفات الدكتور طيبي الغزيرة في هذا المضمار). وفي الحقيقة فإن الجمعيات والمنظمات الإسلامية ترفض هذه الفكرة، وهي تريد تطبيق الشريعة الإسلامية على الجاليات المسلمة على الأقل، وكل برامجها وأعمالها الظاهرة والخفية، تشي بذلك. وقد ظهرت أصوات في الفترة الأخيرة تدعو الحكومة الألمانية للإعتراف quot;بواقع الحالquot; في البلاد والسماح للمسلمين باقامة محاكمهم الخاصة التي تستند على الشريعة والقرآن. وطبعاً هذا إن حدث، فإن تنظيمات الإخوان المسلمين ووزارة الشؤون الدينية في تركيا، وبقية تنظيمات الإسلام السياسي العتيدة، ستكون هي المشرفة على تلك المؤسسات، لكي تعمل على نشر المزيد من التطرف والدعوة إلى الإنزواء والتقوقع، ورفض الحياة الألمانية وقيم الشعب الألماني المضياف.

لقد حاولنا في بحثنا التوقف على بعض نشاط هذه الجمعيات وشرح بداياتها وأساليب عملها وأهدافها. والموضوع كبير جداً ومتفرع، بحيث يتطلب الكثير من الوقت والجهد للتصدي له ومنحه حقه في البحث والتحليل.


التوصيات:


أولاً: إن جمعيات ومنظمات الإسلام السياسي في المانيا لها علاقة بالتنظيمات quot; الأمquot; في العالم الإسلامي، وبشكل خاص في كل من مصر( الإخوان المسلمين) وتركيا( الأحزاب الإسلامية والقومية والعلمانية، الحاكمة منها والمعارضة) وإيران( الحكومة والمؤسسات الشيعية). وأن كوادراً متقدمة من هذه المنظمات quot; الأمquot; هي التي ساعدت في تأسيس المنظمات الإسلامية في المانيا، وكان الأمر في البداية وكأنه quot; نشاط خارجيquot; ليس إلا، لذلك يجب تخريب هذه العلاقة بين هذه التنظيمات وquot;التنظيم الأمquot; في الشرق الأوسط، وإنتخاب قادة من الجيل الجديد المولود في المانيا، من الذين يتقنون اللغة الألمانية جيداً، ويريدون إنجاح مساعي ادماج المسلمين في الحياة الألمانية. كما يجب خلق نظام يمكن إنتخاب مسؤولي هذه المنظمات من قبل ابناء الجاليات الإسلامية أنفسهم.

ثانياً: إن العديد من هذه الجمعيات لايتوانى عن اللجوء إلى العنف أو التخطيط له، أو دعمه( جماعة خليفة كولونيا، مثلاً). هذا ناهيك عن تبرير أعمال الإرهاب التي تحدث بإسم الإسلام في العالم اليوم، حيث لم نقرأ بياناً واحداً من قبل منظمات الإسلام السياسي الألمانية يدين هذه الأعمال والجهات التي تقوم بها. لذلك يجب مطالبة هذه الجمعيات باصدار بيانات صريحة لإدانة الإرهاب الحاصل بإسم الإسلام ضد المدنيين في الشرق الأوسط وأميركا وأوروبا. وتهديد هذه الجمعيات بالغلق والحظر في حال ثبوت تورطها في أي عمل إرهابي.

ثالثاً: هذه الجمعيات لاتشجع المسلمين على الإندماج في المجتمع الألماني، وانما على العكس تحثهم على خلق quot;المجتمعات الموازيةquot; وعدم الإختلاط واختيار التقوقع، وكل ذلك بحجة quot;الحفاظ على الهوية الإسلاميةquot;. كما تنشر بعضها آراءً عنصرية ضد اتباع الديانات الأخرى مثل اليهود. لذلك يجب مراقبة أعمالها ومحاسبة كل من يشجع على الإنعزال ورفض خطط الدولة في الإندماج، أو التشكيك في المحرقة اليهودية.

رابعاً: هذه الجماعات مراقبة من دائرة حماية الدستور الألماني، ولديها مشاكل في قضية التلاعب بالأموال وتبييضها، وبشكل خاص أموال التبرعات، حيث تشك السلطات الألمانية بان هذه الأموال تذهب إلى جهات خارجية. ووقوف أكثر من مسؤول في هذه الجمعيات أمام العدالة الألمانية وحملات المداهمة التي تستهدف مقراتها، دليل على هذا الكلام. كما هناك إتهامات بتجنيد هذه التنظيمات للشباب المسلم الذي يعيش في المانيا للقتال في افغانستان والعراق وغيرهما. لذلك يجب مراقبة موارد وتمويل هذه الجمعيات وأين تصرف هذه الأموال، لمنع وصولها إلى الشبكات الإسلامية الإرهابية في العالم.

خامساً: إن لهذه الجمعيات علاقات قوية ببعضها البعض، وهناك تنسيق شبه كامل بينها وبشكل خاص فيما يتعلق بالموقف من الدولة الألمانية. لذلك على السلطات الألمانية مراقبة هذا الأمر، ورصد كل التحركات والتنسيق الحاصل في عملية التدخل في حياة الجاليات المسلمة بغية ابعادها عن المجتمع الألماني والحيلولة دون الدمج فيه.

سادساً: سعي هذه الجماعات إلى توسيع شبكاتها وتشجيعها لأنصارها على نيل الجنسية الألمانية يوحي بأنها تريد، حقاً، التدخل في الحياة السياسية الألمانية وتشكيل حزب ديني إصولي في المستقبل من أجل خوض الإنتخابات والفوز، لتطبيق الشريعة الإسلامية. وعلى السلطات الألمانية أن تسن قانوناً يرفض بشكل قاطع تأسيس الأحزاب على أساس ديني بحت.

سابعاً: هذه المنظمات والجمعيات لديها مدارسها، وهذه المدارس تقدم الدروس الدينية باللغات التركية أو العربية، ونادراً بالألمانية، فيجب على السلطات مراقبة وسائل التعليم هذه وأن تتأكد من خلوها من الأفكار التي تدعو إلى التطرف والغلو. كما يجب مراقبة الصحف ومحطات التلفزة والإذاعة التي تصدر وتبث من ألمانيا، لمعرفة ماتقدمه من quot; زادquot; ثقافي وديني للجاليات المسلمة بعيداً عن أعين السلطات المسؤولة.

ثامناً: يجب أن ترفض السلطات منح quot;الفيزاquot; أو الإقامة لكل إمام مستقدم من الخارج لصالح هذه الجمعيات، ولايجيد اللغة الألمانية. يجب على كل إمام مسلم اتقان الألمانية والإقرار بقبول المثل والقيم الديمقراطية والإعتراف بدولة القانون الوضعي وبسلطة الحكومة.

تاسعاً: هذه الجمعيات تريد حقوقاً خاصة للمسلمين مثل حق إطلاق الآذان، وتخصيص الضمان الصحي للزوجة الثانية والثالثة، ومنع تقديم لحم الخنزير في الأماكن العامة...الخ. مثل هذه الأمور اذما حدثت فإن هذه الجماعات تعتبرها تنازلات من الحكومة وانتصار لها، وهو الأمر الذي يشجعها على المضي قدماً ومطالبة المزيد في طريق مشروع الأسلمة الذي تتبناه في الخفاء.

عاشراً: تشكيل السلطات لهيئة عليا تتابع الشؤون الدينية للمسلمين، ولايجب ان يقتصر الأمر على المسلمين، لأن أي دارّس أو استاذ لمادة الإسلام( حتى وان لم يكن مسلماً) يستطيع العمل ضمن هذه الهيئة وتقديم الإرشاد فيها.

حادي عشر: لايجب اعتبار قادة ومسؤولي هذه الجمعيات الممثلين الوحيدين عن المسلمين في المؤتمرات التي تعقدها الحكومة الألمانية حول الإسلام. يجب دعوة الشخصيات المستقلة والعلمانيين والساسة المسلمين والأطباء والمهندسين والنشطاء الإجتماعيين، ومعاملتهم بوصفهم يمثلون شريحة كبيرة من المجتمع المسلم في البلاد.

ثاني عشر: يجب وضع إختبار ديمقراطي لكل من يريد ان يتقدم لنيل الجنسية الألمانية. يعبر في هذا الإختبار عن تعهده باحترام الدستور والقانون الألمانيين ورفضه للإرهاب وخلط الدين بالسياسة. ويكون هذا الإختبار حجة على حاصل الجنسية الألمانية لتقديم الولاء للوطن الألماني، والإقرار بوجود قانون واحد يٌحتكم اليه وهو القانون الألماني الوضعي، وليس الشريعة أو اي قانوني ديني آخر.


طارق حمو
[email protected]