د:ـــ الفشل في التعامل مع الحكومة (المركزية)في بغداد


ان حكومة اقليم كوردستان لم تستطع ان تتعامل بشكل واضح وصريح و صحيح مع الحكومة المركزية(الفيدرالية) في بغداد رغم الثقل الواضح للقيادات الكوردية وبالذات الحزبين الحاكمين في كوردستان في اغلب المؤسسات الحكومية المركزية بما فيها الرئاسة والحكومة والبرلمان،وقد تجّلت الاجندات التي كانت ولا تزال مثار خلاف واختلاف في الملفّات التالية: قضية كركوك والمناطق الاخرى المستقطعة من الجسد الكوردستاني، قضية البيشمركة، عقود النفط والغاز وصلاحيات الاقليم خاصة فيما يخص العلاقات الخارجية،ولا شك ان لكل عامل من العوامل المنوهة اعلاه خلفياتها التاريخية وتداعياتها الداخلية والاقليمية والدولية سناتي الى بحثها بشئ من التفصيل.

ا:ــ الخلاف حول قضية كركوك والمادة 140

ان اهم خطأ ارتكبته القيادة الكوردية فيما يخص قضية كركوك كان تلكم المساومات والصفقات الدستورية التي جعلت الكورد يتنازلون عن الكثير من الحقوق والالتزامات الديمقراطية العامة التي تخص الكورد والعراقيين (حيث تم القبول بوضع كامل الدستور تحت وصاية الدين وتدجينه اسلاميا) مقابل مادة سميت بالدستورية (المادة 140)وتم الصاقها لصقا بمؤخرة الدستور ، وهي مادة مبهمة مطاطية قابلة للتاويل والتفسير، والقيادات الكوردية رغم الكثير من التنبيه والتحذير من قبل الكثيرين من السياسيين والكتاب والمثقفين الكورد اظهرت لا مبالاتها وعدم جديتها في السعي والاصرار على تطبيق بنودها واقسامها أولا باول بالقياس الى اصرارها على المواضيع الاخرى التي(تدّر) عليها ارباحا مباشرة كما سناتي عليها لاحقا، وان سكوتها المهادن و المهين وبالذات حينما اغفلت الحكومة المركزية منذ عهد ابراهيم الجعفري تنفيذ البند الاول اي التطبيع وارجاع الاقضية والوحدات الادارية المستقطعة من كركوك والتي كانت يجب ان تنتهي في مدة اقصاها اذار عام 2006 وهذه شكلت البداية الاولى لنكوص الحكومة المركزية من الايفاء بالتزاماتها وبالتالي كان على الكورد وقياداتهم اتخاذ موقف واضح من مجمل العملية السياسية التي ظهرت بوادر فشلها بل وتراجعها الى نقطة الصفر، وقد كان لذلك التسويف من قبل الحكومة المركزية والقبول به من قبل الحزبين اسبابه في عملية الصراع على النفوذ والوجود في كوردستان وهكذا اصبحت قضية كركوك ككبش فداء للصراع الحزبي بين الحزبين نظرا لكون اغلب المناطق التي استقطعت من كركوك كانت قد الحقت في عهد النظام السابق بمحافظة السليمانية معقل الاتحاد الوطني سابقا والذي بارجاعها الى كركوك كانت ستخٍل بميزان القوى بين الحزبين، اي ان المصلحة الضيقة والانانية هي التي الحقت ابلغ الاثر بمصير ومستقبل كركوك الامر الذي فسح المجال واسعا امام الاخرين ومنهم المالكي في التمادي في التسويف لانها كانت تعلم علم اليقين ان القيادات الكوردية غير راغبةاصلا في المضي قدما في التطبيع وهي لأضعف وأوهن من ان تبدي رد فعل حاسم وحازم تجاهها لانها كانت متمتعة بالكثير من الخيرات التي انهمرت عليها سواءا من خلال وجودها في بغداد او من حصتها في واردات كوردستان الوافرة والتي بلغت (17%) من واردات العراق الاجمالي، وكانت تلك تشكل مليارات من الدولارات التي صرفت في مشاريع مشبوهة غير شفافة او وهمية احيانا هذا عدا حصتها من الكمارك وصفقاتها من العقود النفطية المشبوهة كليا، وبذا خرجت كركوك من دائرة اهتماماتها المركزية الجدية كما تدعي ليل نهار و اصبحت (كقميص عثمان) تلوح به تلك القيادات الكوردية للمركز في بغداد كلما احسّت انها غبنت في استلام حصتها في الفقرات الاخرى و(كدّم الحسين) في كوردستان لدغدغة المشاعر القومية لجماهيرشعبنا عامة ومهجري وضحايا التعريب في كركوك خاصة،اي انها كانت ازمات مفتعلة سرعان ما كانت تختفي وتخبوا كلما توجه وفد من القيادات الكوردية الى بغداد للتباحث حول امور(اكثر نفعا) لها من الناحية المادية وبالاخص الميزانية ورواتب البيشمركة وعقود النفط...الخ وحتى زيارة المالكي الاخيرة الى دوكان في الاسبوع الماضي لم تغير من هذه المعادلة شيئا سوى ذرّ الرماد في العيون كما يقال وسوى(تلجين) القضية والكل يعرف في العراق ما هي نتائج تشكيل اللجان في العراق!!!

ب:ــ قضية البيشمركة

وهذه القضية اتخذت ابعادا شتى كوردستانية وعراقية، فكوردستانيا فانه من الصعوبة أولا تحويل قوة مسلحة خاضت نضالا ثوريا دمويا لعقود باسلوب حرب الانصار العقائدي الى قوة نظامية بعيدة عن أي اتجاه وميول حزبية في بلد يسوده نظام التحزب والميليشيات، والمعروف بان بيشمركة كوردستان نفسها قد انقسمت الى قسمين ولم يجر توحيدها لحد الان على مستوى كوردستان اي انها تحمل ولاءات مختلفة تبعا للحزب الذي تتبعه، فبشمركة البارتي مثلا قيادة وتنظيما وتسليحا تختلف عن بيشمركة الاتحاد الوطني،ولا يزال التفكير المناطقي والفئوي هو السائد في هذا المضمار،ثم ان انضمام الآلاف من القوات الشبه النظامية (افواج ما كانت تسمى بالدفاع الوطني) ورؤوساء هذه الافواج(حيث تم منحهم رتبا ورواتب سخية) اصبحت ايضا محل تساؤل من قبل مواطني كوردستان والحكومة المركزية على السواء!!! ثم الخلاف حول العدد الحقيقي لهذه القوات،والعدد المسموح به كقوات حماية الاقليم ونوعية وكمية تسليحها وجهة تمويلها، اضافة الى ادوارها خارج مناطق الاقليم اي في المناطق المتنازعة عليها او حتى خارج حدود كوردستان(الرمادي والفلوجة)،

ج:ــ قضية عقود النفط والغاز

مبدئيا هناك شكوك حقيقية من قبل جماهير كوردستان حول اولوية وضرورة جعل ارض كوردستان حقلا للبحث والتنقيب عن النفط وكأن شعبنا لم يذق طيلة حياته الأمرين من آثار ونقمة النفط واكتشافه، وكأن التأريخ المشؤوم لمعاهدة لوزان واتفاقية سايكس بيكو قد تم طويه و نسيانه تماما، حيث تم بسبب هذا النفط اللعين قبر حلم الدولة الكوردية التي تتباكى عليها القيادات الكوردية كلما سنحت لها الفرصة ومن ثم اذا كان هناك هكذا حرص على مستقبل كوردستان ومستقبل اجياله ترى ما الحكمة في التهافت الآن على جلب ودعوة الشركات النفطية ليل نهار الى كوردستان لاستكشاف النفط ومن ثم التباهي بانها تصب في الانابيب النفطية العراقية في الوقت الذي لم تطلب الحكومة المركزية نفسها هذا التبرع السخي وهي لم تبخل على كوردستان في اعطاءها حصتها المقررة من النفط العراقي وبقية الخيرات!!!!! ونرى الآن ان اهم موضوع كان مثار اهتمام القيادة الكوردستانية اكثر من غيرها هو العقود التي وقعتها تلك القيادات مع الشركات الاجنبية لاستخراج النفط والغاز من حقول كوردستان، وسط استغراب ونفور عارم من جماهير كوردستان لهذه الخطوة التي ازمت العلاقة مع بغداد وادّت الى سحب البساط من تحت المطاليب الحقيقية لشعب كوردستان الا وهي قضية كركوك، ومسألة هذه العقود نفسها لا تستوجب كل هذا الضجيج لولا الشكوك الحقيقية والواقعية التي تحوم حول هذه العقود وما وراء اكمتها من اسرار وطلاسم لا تعلمها الى القيادات نفسها، تلك القيادات التي فشلت لحد الان من ايجاد تبرير منطقي ومقنع لجماهير شعب كوردستان بالدرجة الاولى ومن ثم لحكومة بغداد عن السبب الحقيقي لتمسكها وبهذه القوة والعناد بعقود النفط بدون مبرر، وان هناك بنودا واضحة حول الثروة النفطية واستغلالها في الدستور تلزم حكومات الاقاليم باطلاع المركز على الاستراتيجية المتبعة للعمل في هذا المجال:

المادة 110 ثانيا: تقوم الحكومة الاتحادية وحكومات الاقاليم والمحافظات المنتجة معا برسم السياسات الاستراتيجية اللازمة لتطويرثروة النفط والغاز بما يحقق اعلى منفعة للشعب العراقي معتمدة احدث تقنيات مبادئ السوق وتشجيع الاستثمار..

د:ــ صلاحيات الاقليم

كما هو معروف بان الاقليم وحسب بنود الدستور العراقي يتمتع بنظام فيدرالي واكثر صلاحيات هذا الاقليم الفيدرالي الوحيد لحد الان مفصلة في بنود ذلك الدستور،

المادة (13):
اولاً ـ يُعدُ هذا الدستور القانون الاسمى والاعلى في العراق، ويكون ملزماً في انحائه كافة وبدون استثناء.
ثانياً ـ لايجوز سن قانون يتعارض مع هذا الدستور، ويُعد باطلاً كل نص يرد في دساتير الاقاليم او اي نص قانوني اخر يتعارض معه.

صحيح ان هناك خصوصية في اقليم كوردستان تتعلق بكون الشعب الكوردي مختلف ثقافيا وتراثيا ونفسيا من بقية المكونات التي تعيش في العراق التي هي بدورها لها خصوصياتها الا ان الثابت ايضا ان هناك دولة اتحادية لها دستورها وفيها صلاحياتها وقوانينها التي تم الاتفاق عليها بالاجماع وتم التصويت كذلك على كل بنودها، فاذا كانت حكومة اقليم كوردستان تدعي ان الدولة المركزية تشّذّ احيانا في التدخل في الامور الحصرية فيها، فعليها ايضا ان تطبق نفس الشئ على نفسها، هناك ابهام كثير في كثير من الاجراءات التي تدخل بعضها في باب تحدي المركز (كما في عقود النفط، فتح قنصليات و تمثيل خارجي، جباية الضرائب والكمارك والتصرف بها بدون التنسيق مع المركز) والتي كلها من حقوق الاقليم كما ورد في الدستور ولكن بالتنسيق مع الحكومة الاتحادية وباشرافها لان بعضها تتعلق بالسيادة الوطنية وتحتاج الى رسم سياسة مركزية موحدة، وقد اعترف السيد جلال الطالباني مؤخرا ان هناك بعض التصرفات والممارسات في الاقليم هي اقرب الى العلاقة الكونفيدرالية منها الى النظام الفيدرالي، وفي الحقيقة ان هذه النواقص ادت الى تأزيم الاوضاع مع الحكومة الفيدرالية ونمتّ في المجتمع العراقي شعورا بان الكورد يتجهون الى الابتعاد عن العراق ويؤسسون الى الانفصال عن العراق وتشكيل دولة مستقلة،الامر الذي يضر ابلغ الضرر بمصداقية الكورد وقضيتهم ويفقد الاخرين الثقة بنوع الترابط بين كوردستان كاقليم وبين العراق كدولة لها سيادتها وديمومتها ووجودها الاعتباري.

[email protected]