هل حقق تنظيم القاعدة أياً من أهدافه بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 ؟ بالتأكيد لا. فدولة الخلافة ما زالت بعيدة المنال بل تعاظمت قناعات الناس والدول والحكومات الإسلامية في استحالة تحقيقها باعتبارها مرحلة في التاريخ، وأن الزمن لن يعود إلى الوراء وخصوصاً بعدما دخلت البشرية حالة الكونية وما بعد الحداثة. أيضاً نجد أن فلسطين مازالت ترضخ تحت الاحتلال بل وانقسمت إلى دولتين متنازعتين ومختلفتين أيدلوجياً وسياسياً واجتماعيا، واقتصادياً .. مما أدى إلى صعوبة الوصول إلى الحلول التي كانت قريبة المنال. أضف إلى ذلك ما تسببت فيه هذه الأحداث من إرهاق أرواح ملايين البشر الأبرياء العزل في أفغانستان والعراق والصومال، وغيرها .. وما تابع ذلك من زيادة معدلات الفقر والجهل والتشرد في الدول الإسلامية، وانتشار ثقافة الخوف من المسلمين مما أدى إلى احتقان شامل للمجتمع الدولي.
على أية حال فتنظيم القاعدة الذي تأسس في أفغانستان في الفترة من 1988- 1990 بات أسماً معروفاً لمعظم سكان كوكب الأرض منذ أحداث سبتمبر 2001 . فهل لهذا الاسم علاقة بالمعنى العلمي لكلمات مثل قاعدة أو تنظيم؟ ولماذا لم تستطع القاعدة أن تحقق أياً من أهدافها التي من أجلها تأسست؟
قبل البدء في الحديث عن معنى مصلح القاعدة وعلاقتا بمفهوم التنظيم دعونا نفرق ـ أولاً ـ بين مفهوم التنظيم (arrangement)، ومفهوم النظام (system) من الناحية العلمية. فالتنظيم علمياً يعني الترتيب. ترتيب الأولويات ، ترتيب المصالح، ترتيب الأهداف، ترتيب الأفكار ، .. والترتيب عادة ما يكون له شكل هندسي. فيمكن أن ترتب العناصر على شكل مثلث أو على شكل دائرة، فإذا كان الترتيب على شكل صفوف وأعمدة سمي هذا الترتيب مصفوفة (matrix) وهي أسمى أنواع الترتيبات لأنه الترتيب الوحيد الذي يكون له قيمة ذاتية (eigenvalue) في حالة تساوي عدد الصفوف مع عدد الأعمدة بخلاف كل الترتيبات الأخرى.
أما النظام فهو حالة حوار بين مجموعة من العناصر المعلومة والعناصر المجهولة (البعض يسميه ثوابت ومتغيرات) بهدف الوصول إلى معرفة القيم الحقيقية لكل العناصر المجهولة والمختبئة داخل العناصر المعلومة المعطاة. وفي الواقع أن معظم الظواهر الكونية التي نعيشها هي عبارة عن حالة حوار بين عناصر الكون المختلفة (تفاعل، تركيب، اندماج، تحليل، ...) ُيعبر عنها رياضياً على شكل نظام مصفوفي من المعادلات التي تتكون من العناصر المعلومة والعناصر المجهولة.
فماذا عن مفهوم القاعدة ؟ القاعدة علمياً لها معاني كثيرة. فيمكن أن نفهم مصطلح القاعدة على أنه قانون. بيد أن القانون في عالم الرياضيات ليس قانون المطلق بل قانون النسبي بمعنى أنه قابل للنقد ويخضع لما يمكن أن نسميه فقه الاستثناءات. فقانون الجمع ـ مثلاُـ لا يمكن تطبيقه على جمع أعداد حقيقية مع أعداد تخيلية، وقانون القسمة أيضاً لا يطبق إذا كان المقسوم عليه صفراً، وهكذا..
ولمصطلح القاعدة أيضاً مفهوم آخر في عالم الميكانيكا وهو قاعدة الارتكاز والتي تعتبر أساس هام لحصول الجسم على حالة الاتزان وقدرته على مقاومة الانقلاب. فكلما زادت مساحة قاعدة الارتكاز زادت قدرة الجسم على مقاومة الانقلاب تحت تأثير أية قوى معاكسة لاتزانه.
من التحليل العلمي السابق نجد أن تنظيم القاعدة لم تكن له قاعدة أو قانون بالمعنى العلمي وذلك لأنه أعتمد على قانون المطلق ولم يراعي فقه الاستثناء ومفاهيم النسبية. واعتقد أن الطبيعة تعاملت معه من منطلق قانون نيوتن quot; لكل فعل رد فعل مساوٍ له في القوة ومعاكس له في الاتجاه تحت شروط معينةquot;. لأنه في حالة تصادم جسم ذو معامل صلابة صغير بجسم آخر معامل صلابته أكبر فهنالك احتمالان أما أن يتهشم الجسم ذو معامل الصلابة الأقل وإما أن يرتد بقوة رد فعل أكبر من قوة الفعل ذاته ـ طبقاً للصفات النوعية للتصادم ـ متجهاً للمكان الذي خرج منه فيدمره! هذا علاوة على عدم وجود قاعدة ارتكاز شعبيه كبيرة لتنظيم القاعدة تحفظه من الانقلاب وتحفظ له حالة من الاتزان وذلك لأسباب كثيرة طبقاً لإحصائيات الكثير من المراكز البحثية.
أيضاً فإن تنظيم القاعدة لم يكن له تنظيم بالمعنى العلمي فترتيب الأولويات لم يراعى ومن المس تحيل مراعاته لأنه لا يمكن ترتيب خليط من المطلق والنسبي المتغير ولذلك اعتمدت القاعدة على مبدأ مركزية القرار ولا مركزية التنفيذ الأمر الذي احدث عشوائية في الترتيب.
عشوائية الترتيب هذه لم تمكن القاعدة بالوصل إلى مرحلة النظام والذي يأخذ الشكل المصفوفي، علاوة على ذلك فإنه من المستحيل أن تجد نظاماً من المعادلات كل عناصره مجهولة وتخضع للغيبيات .. هذا مستحيل وغير موجود في عالم الواقع ولذلك فمن المستحيل أيضاً على القاعدة الدخول في حالة الحوار مع النظام العالمي.
هكذا نرى أن الطريق الوحيد الذي يجب أن تسير فيه الجماعات الأصولية والجهادية، والسلفية، .. هو طريق الحوار وليس طريق العنف والقتل وذلك بعد مراجعة الذات على مبدأ quot;جادلهم بالتي هي أحسن ..quot; ودخول مرحلة صنع الحلول وليس الكلام عنها، خصوصاً أن العالم الغربي الآن بدأ يتبنى هو أيضاً مبدأ الحوار مع الجماعات الأصولية والذي كان مرفوضاً في السابق.
خلاصة القول أن تنظيم القاعدة لم يستطع تحقيق أي هدف من أهدافه التي من أجلها تأسس. في حين كانت النتيجة الأكثر إيلاما على المجتمع البشري بعد أحداث 11 من سبتمبر 2001 هي أن كوكب الأرض قد أنقسم إلى فريقين متنازعين الفريق الأول يمثل المسلمون (حوالي 1.5 مليار نسمة) والفريق الثاني يمثل باقي سكان الكوكب (حوالي 5.5 مليار نسمة) .
أ.د./ إميل صبحي شكرالله
[email protected]
التعليقات