واشنطن: على الرغم من الإنتقادات التي وُجهت إلى إدارة الرئيس الأميركي الأسبق quot;جورج دبليو بوشquot; والتي كانت أبرز سماتها الحرب على الإرهاب التي شنتها الولايات المتحدة عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر سواء أكانت بدافع ثأري أَمْ دفاعي له طابع استباقي، إلا أنه يُحسب لها أنها لم تشهد محاولة هجومية كتلك التي شهدتها في سبتمبر من عام 2001، خاصةً وأن التوقعات بشأن مكان وزمان وشكل الهجوم التالي لهجمات سبتمبر بدأت تتصاعد حدتها في أعقاب انهيار برجي مركز التجارة.

ولذا، بدأت كثير من الدراسات البحث عن تفسير للحالة الإيجابية للأمن القومي الأميركي. فقد أثارت تساؤلاً رئيسًا مفاده: هل استطاعت سياسات الإدارة السابقة تحقيق الأمن ومواجهة أعداء الولايات المتحدة بفعالية رغم انهيار شعبيتها وانهيار مصداقيتها مع نهاية ولايتها الثانية. ولما كان هناك طرف آخر للمعادلة وهو أعداء الولايات المتحدة الأميركية. وقد بدأت بعض التأويلات تذهب إلى أن التضييق الدولي تحت قيادة أميركية على هذه الجماعات قد أتى ثماره واستطاع أن يُضعف قدرات هذه الأطراف في القيام بهجمات جديدة تهدد الأمن القومي الأميركي. وفي ذلك اعتراف ضمني بأن السياسات المتشددة المحافظة هي بالفعل السياسات القادرة على الحفاظ على الأمن القومي، وهو ما يثير علامة استفهام كبيرة.

وفي محاولات تفسير هذا الوضع والإجابة على التساؤل الأساسي وهو: لماذا لم تُهاجم الولايات المتحدة مرة أخرى نشرت دورية واشنطن كوارترلي الصادرة عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في عددها الصادر في يوليو 2009 مقالة بعنوان: لماذا لم تُهاجم الولايات المتحدة مرة أخرى؟ . وقد حاولت الدراسة عرض أبرز التفسيرات التي تمت صياغتها للإجابة على هذا التساؤل وتحليلها للوقوف على المعادلة التي نجحت في تحقيق أهداف الأمن القومي الأميركي والحيلولة دون وقوع هجمات إرهابية جديدة على الأراضي الأميركية.

وقد صاغت الدراسة أسئلة متفرعة من السؤال الرئيس الذي يحمله عنوان المقال. وحاولت من خلال الإجابة على هذه الأسئلة تقييم المجهودات الأميركية أثناء فترة حكم بوش الابن لتحقيق وحفاظ الأمن القومي الأميركي، ومساعدة الإدارة الأميركية الحالية للوقوف على نقاط الضعف والقوة في سياسات سابقتها؛ بما يساعدها على إرساء استراتيجية فاعلة لمواجهة الإرهاب.

لماذا لم تتعرض واشنطن لهجوم إرهابي بعد هجوم الحادي عشر من سبتمبر؟

طرحت الدراسة عدة فرضيات ترى أنها وراء تحسن الوضع الأمني الأميركي، والذي يتمثل في عدم تعرض الأراضي الأميركية لهجمات إرهابية مماثلة لتلك التي تعرضت لها في الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، وتجمل الدراسة تلك الفرضيات في الآتي:

أولاً: فعالية السياسات الأميركية لمواجهة الإرهاب وحماية الأمن القومي الأميركي. فمنذ عام 2001 والولايات المتحدة تتبنى سياسات وبرامج في إطار حملتها لمواجهة الإرهاب استطاعت من خلالها التصدي لمظاهر التهديد على مستوى العالم، حيث استطاعت أن تلقي القبض على عدد غير قليل من الإرهابيين، وأن توقف تسهيلات خاصة بتدريب أفراد هذه الجماعات. وكذلك تجميد مصادر تمويليها، بجانب ممارسة ضغوط مستمرة على شبكات الإرهاب.

فقد نجحت السلطات الأمنية في تتبع عناصر تنظيم القاعدة بشكل مستمر، واعتقال عدد ليس بقليل منهم. وهناك شواهد أخرى تُثبت أن سياسات حماية أمن الأراضي الأميركية استطاعت أن تُؤتي ثمارها، حيث ظهر تنسيق فيما بين الجهات الاستخباراتية والعسكرية والقانونية والتشريعية، كما رفعت السلطات في جميع مستويات الحكومة من التدقيق في الحالات المشتبه فيها.

ثانيًا: تراجع إمكانيات وقدرات الجماعات الإرهابية. وتقصد الدراسة هنا بالإمكانيات القدرة على إحداث ضرر أكبر، وليس القدرة على تنفيذ مخطط أكثر إحكامًا وأكثر تعقيدًا. فكثير من الجماعات الإرهابية تفتقد إلى قدرات متطورة تساعدها على القيام بأعمال عنف، خاصة تلك الجماعات التي يتميز تنظيمها بالهيراركية، ويتميز حجم أعمالها بالضخامة. فتفترض الدراسة في ما تفترض أن الجماعات الإرهابية الصغيرة قادرة على تهديد الأمن القومي الأميركي وإحداث أضرار أكثر من تلك التي تمثلها الجماعات الكبيرة مثل القاعدة.

ماذا تحتاج السياسة الأميركية

وترصد الدراسة عددًا من الأمور تحتاج إليها السياسة الأميركية لزيادة فعاليتها في مواجهة التهديدات الخارجية، وهي كما ترى الدراسة:

أولاً: الحاجة إلى فهم أفضل لتوجهات الإرهاب ومنطلقاته، فمازال صناع السياسة الأميركيون يحتاجون إلى فهم أكبر لمعرفة كيفية قيام القاعدة بتنظيم العمليات التكتيكية البسيطة، وكيف تسهم من وجهة نظرهم في دعم أهداف التنظيم على المدى الطويل. وعلى الرغم من أن تنظيم القاعدة هو الخطر الأساسي الذي يُهدد الأمن الأميركي إلا أنه على الأجهزة الاستخباراتية ألا تركز على نشاطات تنظيم القاعد فحسب، بل لابد وأن تشمل كثيرًا من المنظمات غير المعبرة عن التيار السلفي ولكنها ذات طابع راديكالي، حيث تُعد أحد مصادر الخطر على الأمن القومي الأميركي وقد أهملتها الأجهزة الاستخباراتية نظرًا لطبيعتها الإقليمية أو أهدافها ذات الطابع المحلي، ولكن هذه الطبيعة غير الهادفة للإضرار بالمصالح الأميركية قد تختلف إذا ما طرأ ما لا يتناسب ومنطلقاتها بشأن قضايا مهمة خاصة تلك المرتبطة بمنطقة الشرق الأوسط.

ثانيًا: الحاجة إلى رسم استراتيجيات مؤثرة، في الوقت التي تتسم فيه ظاهرة الإرهاب بطبيعة لا تمكن الأجهزة الاستخباراتية من تتبعها. فترى الدراسة أن الدافع المعنوي والمنطلقات التي تتحكم في أولويات هذه الجماعات هي مفتاح التأثير على عناصر التنظيمات الخطرة، ومن هنا تُوصي الدراسة بضرورة دراسة سبل التأثير على هذه المنطلقات التي تحفز عناصر تنظيم القاعدة وتلهم التنظيمات الفرعية الأخرى، مع الوضع في الاعتبار أن التأثير على رؤية الجماعات الأخرى لأعمال القاعدة يؤثرفي جهودها التي تركز على تحسين علاقاتها العامة.

ثالثًا: الحاجة إلى استراتيجية شاملة للتصدي لخطر الإرهاب. وترى الدراسة أن مواجهة ظاهرة تتشابك أسبابها وعواملها يستلزم وضع استراتيجية تتداخل أبعادها وتتكامل ما يسمح بمواجهات موازية لكافة العوامل في وقت واحد، بحيث تعتمد أي استراتيجية على خمسة أبعاد أساسية تتمثل في: زيادة التنسيق بين الجهات المعنية التشريعية والتنفيذية والقضائية بما يسمح بتطوير الخطط و الإجراءات والبرامج اللازمة لمواجهة احتمالات وقوع أي هجوم على جميع مستويات السلطة الوطني وعلى مستوى الولايات والمحلي أيضًا.

وتؤكد الدراسة أهمية مثل هذا الاقتراب التكاملي رغم الانشغال المتنامي بحل تداعيات الأزمة الاقتصادية في ظل الثبات الظاهري للوضع الأمني. بجانب أهمية أن تقوم الإدارة الأميركية بتفادي العواقب غير المقصودة لسياسات مواجهة الإرهاب. ولعل أبرز هذه العواقب هي الموقف من الجالية المسلمة في المجتمع الأميركي. ومن ناحية أخرى فقد يؤدي الاستخدام المفرط للقوة لمواجهة المعاقل الجديدة للقاعدة إلى الإضرار بالمصالح الأميركية في الخارج، ما يعني أهمية تفادي التشدد المفرط في التعامل مع التهديدات التي تمثلها الجماعات الإرهابية؛ ذلك بالتوازي مع تعزيز التعاون الدولي لمواجهة الجماعات الإرهابية وتقويته وإضفاء طابع طويل المدى عليه، وفتح مجالات جديدة لحفز التعاون الدولي في هذا المجال بحيث ترى الدراسة في قرار مجلس الأمن رقم 1540 الذي يلزم الدول بالعمل على منع التجارة غير المشروعة لأسلحة الدمار الشامل. كذلك تبني سياسات عالمية ترسخ لقيم دولية داعمة لمحاربة الإرهاب.

وأخيرًا لابد وأن تشمل استراتيجية الولايات المتحدة التحسب لعواقب سياساتها في أفغانستان والعراق واحتمالات ظهور جيل ثانٍ وثالثٍ من الراديكاليين يستهدفون مصالح الولايات المتحدة في الخارج أو على أراضيها.

نقطة انطلاق إدارة أوباما

لا تنكر الدراسة أن إدارة أوباما قامت بإحداث تحول كبير في السياسة الخارجية الأميركية لمكافحة الإرهاب على مستوى التكتيك وعلى مستوى الاستراتيجية، بدءًا من إعلانها إغلاق معتقل جوانتنامو حتى لا تتعارض القيم الأميركية مع السياسة الأميركية وصولاً إلى تبنيها استراتيجية جديدة في التعامل مع أفغانستان وباكستان بما يتصدى للخطر الناجم عن إعادة ترتيب صفوف تنظيم القاعدة.

وتشير الدراسة إلى أهمية ضمان موارد مالية كافية لبرامج وسياسات مكافحة الإرهاب، والذي يساعد الإدارة الأميركية على تحقيق ذلك الدعم الشعبي لمجهودات الإدارة الأميركية الهادفة إلى التصدي للإرهاب وتهديداته، ولكن لابد وأن يبنى على فهم جيد لحقيقة أن عدو الولايات المتحدة ليس له جدول زمني ملزم به، وأنه لا يضع أهدافًا ولا يعمل من منطلقات سهلة الاستيعاب والفهم من منظور أميركي.

وبشكل عام استطاعت الدراسة أن تجلل الفرضيات الأساسية التي تمت صياغتها لتفسير حالة الأمان التي تعيشها الولايات المتحدة واستطاعت بقدر كبير من التفصيل أن تقوم بترتيبها وتفنيدها وتصور استراتيجية متكاملة تعزز الإمكانيات التي أتاحتها سياسات الولايات المتحدة طوال الثماني سنوات الماضية والاستفادة من نقاط ضعف الجماعات الإرهابية التي تمثل تهديد للولايات المتحدة.

والجدير بالذكر أنها من الدراسات الأميركية القليلة التي أشارت إلى دور عدم الاستقرار في الشرق الأوسط في تحفيز أعمال العنف التي من الممكن أن تقوم بها الجماعات الإرهابية. بما يعني من ناحية أخرى أهمية حيادية الموقف الأميركي من القضايا الحيوية في المنطقة العربية وعلى رأسها الصراع العربي ـ الإسرائيلي كمحدد كان يجب أن تتناوله الدراسة بشكل أكثر توسعًا.

وتدلل الدراسة بأن من بين خمس حالات أعلن البيت الأبيض في الذكرى السابعة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر إحباطها، نجد أن هناك عملية خططت لها خلية إرهابية تتكون من أربعة أفراد تهدف إلى تفجير خزانات وقود في مطار جون كينيدي الدولي في ولاية نيوجيرسي. وقد وصف البيت الأبيض بأن هذه العملية إذا ما تمت لأحدثت أضرارا غير متوقعة رغم الإمكانيات البسيطة والفقيرة المحدودة التي احتاجتها الخلية لتنفيذ مثل هذا المخطط على غير الاستعدادات التي قد يحتاجها تنظيم القاعدة لتنفيذ عمليات مماثلة في أضرارها لأحداث سبتمبر، أو تلك التي استهدفت مبنى مركز التجارة العالمي عام 1993. وهذا لا يعني أن قدرة تنظيم القاعدة على إحداث أضرار تراجعت بالقدر الذي يجعل الولايات المتحدة بمنأى عن تهديداته خاصةً في ظل إيجاد التنظيم الأماكن الآمنة له على الحدود الباكستانية ـ الأفغانية.

ثالثًا: تراجع أهمية مهاجمة الأراضي الأميركية على قائمة أهداف الجماعات الإرهابية. حيث نجد أن تنظيم القاعدة لا يخطط للقيام بعمليات هجومية على الأراضي الأميركية؛ ذلك لأن تداعيات أحداث سبتمبر قد رفعت من سقف توقعاتها بحيث لا يقبل التنظيم القيام بهجمات لا تعادل في قوة تدميرها أحداث سبتمبر 2001. وهو ما يعني أن التنظيم لعملية بحجم أكبر من سابقتها يحتاج إلى وقت أطول وتدريب أكثف وعناصر كفء كثيرة.

ويستشهد أصحاب هذه الفرضية بأن هجمات تنظيم القاعدة اتخذت شكلاً تصاعديًّا، بحيث بدأت مهاجمة سفارات الولايات المتحدة في تنزانيا وكينيا، وتلاها مهاجمة المدمرة كول في 2000 وأخيرًا أحداث سبتمبر. وبعض الآراء الأخرى ترى أن تنظيم القاعدة ما زال يحاول استثمار تداعيات سبتمبر لصالحه، وبالتالي فهناك حاجة للقيام بعمل جديد وباتجاه مختلف. ويرى البعض كذلك أن تنظيم القاعدة لن يقوم بهجمات جديدة انطلاقًا من مبررات مختلفة. وهي أن تنظيم القاعدة استوعب أنه قام بهجمات غير محسوبة عواقبها، استطاعت أن تدمر التنظيم وتحشد أعداءه من القوى الغربية وغير الغربية وحتى نظم الحكم في الدول الإسلامية التي تصدت له في إطار الحملة الأميركية على الإرهاب.

رابعًا: حدوث تحول في أولويات الإرهاب: مهاجمة أهداف على أراض غير أميركية.

ما يعني حدوث تحول في أولويات الجماعات الإرهابية وتنظيم القاعدة بحيث أصبحت الأولوية لاستهداف مواقع على أراض غير أميركية، مثل استهداف القوات الأميركية في أفغانستان والعراق، بجانب القيام بعمليات تستهدف أماكن في منطقة الشرق الأوسط. وفي تفسير لهذا التحول نجد أن الجماعات الراديكالية تقوم من خلال عملياتها باستهداف أمن أوروبا كنتيجة للتحالف الأميركي ـ الأوروبي في الحرب على العراق بشكل خاص وشاهد على ذلك تفجيرات قطارات لندن ومدريد.

وقد يكون التوجه الإرهابي ناحية أوروبا نتيجة لعدم قدرة العناصر الإرهابية على دخول الولايات المتحدة الأميركية وممارسة نشاطها على أراضيها، وفي ذلك افتراض ضمني بقوة تنظيم القاعدة، وهو ما تثبت عكسه حقيقة أن الاتصال بين قادة التنظيم وبين عناصره لم يعد بالقوة ذاتها التي تستطيع أن تخدم تنفيذ المخططات في الخارج. أي تراجع القدرة على التوجيه ما يخلق حالة من اللامركزية تعطي الجماعات الفرعية لتنظيم القاعدة في الخارج المساحة الكافية لتحديد الأهداف والعمل على تحقيقها بعيدًا عن مركزية التنظيم السابقة. بحيث تركز الجماعات الفرعية على أهدافها بشكل أكبر من التركيز على مهاجمة الولايات المتحدة على أراضيها وهو الهدف المركزي للتنظيم. وبعيدًا عن التنظيمات ذات الفكر السلفي التقليدي فتنظيمات أخرى كحزب الله وحماس لا يمكنها مهاجمة الولايات المتحدة أو حتى مهاجمة مصالح أميركية حيوية رغم الموقف المعادي الذي يتبنونه نتيجة سياسات الولايات المتحدة المنحازة لإسرائيل.

كيف يكافح أوباما الإرهاب

نستكمل في تحليل الفرضيات التي عرضتها الدراسة لعدم تعرض الولايات المتحدة لهجمات إرهابية منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001. وما طرحته الدراسة من سياسات جديدة لابد من أخذها في الاعتبار لزيادة الأمن القومي الأميركي. وتخلص الدراسة في نهايتها إلى دور القضايا الشرق أوسطية المحتدمة في زيادة معدل العنف، ولكن يؤخذ على الدراسة عدم التعمق في هذه القضايا.

تحليل الفرضيات السابقة وترتيبها

وبعد أن عرضت الدراسة للفرضيات والفرضيات المضادة والبديلة التي تمت صياغتها طوال الثماني سنوات المنصرمة في محاولة للإجابة على السؤال الأساسي، وهو: لماذا لم تتعرض الولايات المتحدة لهجوم آخر منذ أحداث سبتمبر 2001؟، قامت الدراسة بتحليل هذه الفرضيات لتحديد أي المتغيرات أكثر تأثيرًا إيجابيًّا وأيها أقل تأثيرًا.

أولاً: نجد أن الدراسة لا ترى أن هناك سببًا رئيسًا ووحيدًا وراء عدم قدرة الجماعات الإرهابية على اختراق أمن الولايات المتحدة مرة أخرى، فمحاولة تفسير ذلك تعتمد على أكثر من عامل فمجهودات وسياسات الولايات المتحدة وحلفائها لا تقل أهمية عن محددات الجماعات الإرهابية. وكذلك فإن أهداف الجماعات الجيوسياسية لا تقل أهمية عن دور إمكانيات وقدرات هذه الجماعات في تحديد أماكن وتوقيتات عملياتها.

ثانيًا: بعض هذه التفسيرات يكون ملائمًا للواقع في توقيت زمني معين وتحل محلها تبريرات أخرى باختلاف الإطار الزمني لتفسير الواقع. فنجد أن تنظيم القاعدة اهتم بشكل أساسي في أعقاب انهيار نظام طالبان على الحفاظ على ما تبقى له من مقومات، وأتت أولوية قيامه بهجمات على أراض أميركية في مرتبة تالية آنذاك، ومع قدرته على ترتيب أوراقه من خلال إيجاد ملاذات آمنة على الحدود الباكستانية جعل مبرر عدم تعرض الولايات المتحدة لهجمات نظرًا لضعف قدرات تنظيم القاعدة مبررًا غير مقنع بشكل نسبي.

ثالثًا: أعطت بعض المبررات وزنًا أكبر للعناصر البشرية الأكثر ارتباطًا بالجماعات الجهادية أكثر من العناصر الأخرى المنتسبة إلى الجماعات والمؤمنة بمبادئها رغم دورها المؤثر في التخطيط للعمليات ونشر ثقافة الكراهية والعنف.

رابعًا: إن الإمكانيات الفقيرة لبعض الجماعات خاصة تلك التي بدأت نشاطها من على الأراضي الأميركية كخلية نيو جيرسي التي سبق الإشارة إليها يعطي انطباعًا بأن للدافع المعنوي دورا أكبر في تحفيز هذه الخلايا على التخطيط والتنفيذ أكثر من الدافع المادي المعتمد على توافر الإمكانيات التي أدى ضعفها إلى فشل التنفيذ.

خامسًا: إن قدرة تنظيم القاعدة على تنظيم صفوفه من خلال إيجاد ملاذات آمنة له على الحدود الباكستانية تسمح له بالتنظيم والتدريب وتجنيد عناصر جديدة وبالتخطيط وبالإعداد، بل وقد يصل الأمر لأن تسمح له بامتلاك أسلحة بيولوجية ما لم تكن نووية. وفي إعادة ترتيب صفوفه مرة أخرى نفي شبه قاطع لأهم الفرضيات التي صيغت لتبرير عدم تعرض الولايات المتحدة لهجوم مرة أخرى والتي تمثلت في نجاح السياسات الأميركية لمواجهة الإرهاب حيث استطاعت القاعدة إيجاد ساحة جديدة لها. وأصبح التفسير الآخر القائل إن القاعدة لم تهاجم الولايات المتحدة لأنها تخطط للقيام بهجوم يضاهي في أضراره سقوط برجي مركز التجارة أكثر إقناعًا بعد ازدياد قدرتها على التخطيط والتدريب والتجنيد، وتحويل الاهتمام إلى ساحة أخرى غير الأراضي الأميركية وهي العراق.

والمبرر القائم على أن تنظيم القاعدة يعتبر أحداث سبتمبر خطأً غير محسوب تتناقص أهميته كلما نجحت القاعدة في إثبات قدرتها على العودة من خلال تقوية ساحتها الجديدة، وبالتالي فإن تفسير عدم قيام القاعدة بعمليات جديدة حتى في حالة إنشاء مخابئ جديدة يجب أن يقوم على سياسات الولايات المتحدة لمواجهة الإرهاب والقدرات المحدودة للإرهابيين بالإضافة إلى تحول أهداف الجماعات لتستهدف مناطق في أوروبا.

سادسًا: وترى الدراسة أن التفسير القائم على افتقاد تنظيم القاعدة الحافز للقيام بعمليات هجومية على الأراضي الأميركية يقدم تفسيرًا مقنعًا كذلك لعدم قيام منظمات أخرى مثل حماس وحزب الله أو جماعات أخرى قامت على أراض أميركية بشن هجمات أخرى، ولكن هذا الوضع يظل رهن تطورات الأوضاع في الشرق الأوسط.