إيلاف من بيروت: الجنوب اللبناني يشتعل مجددًا، والحدود تحبس أنفاسها. في يوم واحد، تحوّلت صواريخ متفرّقة إلى ذريعة لعدوان واسع النطاق: غارات إسرائيلية، قصف مدفعي، وتحليق مكثف للطيران الحربي، وسط تهديد مباشر من بنيامين نتانياهو: "أمرتُ بضرب عشرات الأهداف... وعلى لبنان أن يتحمّل العواقب".
التصعيد بدأ بإطلاق صواريخ من جنوب لبنان نحو مستوطنة المطلة، لترد إسرائيل بقصف مركّز على بلدات حولا، مركبا، يحمر الشقيف، أرنون، وكفرتبنيت. وأعلن الجيش الإسرائيلي أنه استهدف مواقع تابعة لحزب الله، فيما تحدّث الإعلام اللبناني عن سقوط عشرات القذائف ودوّي صفارات الإنذار حتى في مراكز اليونيفيل.
لكن اللافت في التصعيد هذه المرة، ليس فقط حجم الرد، بل نبرة التهديد:
قال وزير الدفاع الإسرائيلي بوضوح: "استهداف المطلة سيُقابل باستهداف بيروت".
رسالة مزدوجة للأمم المتحدة
في بيروت، حاول رئيس الوزراء نواف سلام احتواء الموقف بسرعة. دعا الجيش للتحقيق، وطالب الأمم المتحدة عبر اتصال بجانين بلاسخارت، بزيادة الضغط على إسرائيل للانسحاب من النقاط الخمس التي لا تزال تحتلها على الحدود، رغم انقضاء مهلة الانسحاب ضمن اتفاق وقف النار الموقع في 18 شباط.
سلام شدّد على أن "الدولة وحدها تملك قرار الحرب والسلم". لكن ذلك لم يمنع التوتر من التمدد.
غارات لا تفرّق بين الجنوب والبقاع
الضربات الإسرائيلية تجاوزت الخط الأزرق، لتطال عمق البقاع الشرقي.
استهدفت غارات جوية مواقع في "جنتا" و"طاريا" شرق بعلبك، ومناطق جبلية بين "جباع" و"زحلتي" و"سنيا" جنوبًا. وقال الجيش الإسرائيلي إن الأهداف شملت "بنى إرهابية تحت الأرض" وقاذفات صواريخ تابعة لحزب الله.
الوكالة الوطنية اللبنانية أكدت الضربات، لكنها لم تسجّل سقوط إصابات.
الرسالة الإسرائيلية واضحة: لا خطوط حمراء، ولا مناطق خارج بنك الأهداف.
تهدئة هشة واتفاق يُنتهك بصمت
رغم اتفاق وقف إطلاق النار الذي رعته واشنطن في تشرين الثاني (نوفمبر)، ورغم إنشاء ثلاث مجموعات عمل بين لبنان وإسرائيل لحل الملفات العالقة، بقيت النار تحت الرماد. تل أبيب تتذرّع بمنع حزب الله من "إعادة بناء قدراته"، فيما تتجاهل انسحابها من الأراضي اللبنانية المحتلة.
حتى الآن، لا تزال إسرائيل متمركزة في خمس نقاط استراتيجية على الحدود، تُشرف من خلالها على بلدات لبنانية وتحاول فرض وقائع ميدانية دائمة.
نازحون بلا أفق
في ظل التصعيد المستمر، يبقى المدنيون الحلقة الأضعف.
أكثر من 92,800 نازح لبناني لا يزالون بلا مأوى، وسط دمار واسع في الجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية، والحديث عن إعادة الإعمار لا يزال مؤجّلًا إلى إشعار آخر.
التعليقات