قد يوجد ضوء في آخر النفق المظلم
محمد الحميد من الرياض: تتداخل النظرات الإبداعية في تواصلها من الأحداث بكونها تنظر إلى الحدث الأكبر من خلال الإنسان وليس العكس كما في نشرات الأخبار مثلاً. في العودة إلى الفلم الألماني (وداعاً لينينGoodbye Lennon)كانت القصة حول التغيرات في فصل ألمانيا الشرقية والغربية تجري من أم البطل، لِتحول الموضوع الأكبر إلى حالة شخصية قوة مضاعفة في نطق حقائق مفصلة عن حدث ما. اتخذ الفلم الوثائقي (هفي ميتال في بغداد Heavy metal in Baghdad)) ذات المنحى الشخصاني لسرد حكاية فرقة (العقرب الأسود Acrassicauda ) العراقية ليتعدى الفلم الفكرة الأحادية عن فلم وثائقي غنائي ليكون كما يقول مخرج الفلم سوروش ألفي quot;مذكرات سفر، نظرة قريبة من الحرب وحكاية إنسانية تغذت من الحالة الموجودة لهمquot;.
يرصد الفلم الفترة الزمنية ما بين دخول القوات الأمريكية العراق عام 2003 والهرب الناجح لأعضاء الفرقة عام 2006، ما بينهما ظل الراصد يتحرك حاسباً ما غيره الزمن وأبقاه خلال ثلاثة أعوام قاسية وبطيئة كادت ألا تتحرك. في الوقت الذي يبدأ الفلم فيه من المخرج سارداً منشأ الفلم وفكرتهم عنه وهم مُرْتدَين واقيات الرصاص لملاقاة أعضاء الفرقة، يبدو الأمر مجنوناً حيث يمرون داخل المنطقة الحربية لتصوير فرقة الهفي ميتال الوحيدة في العراق. بينما يتم تصوير الفرقة متحدثة عن نفسها بداية وعن معنى الموسيقى المؤداة في عصر صدام وما بعده، ما بث انطلاقاً كوميدياً للفيلم، ما عبر عنه المخرج quot;إذا وُجِد سلَم للفكاهة فالعراقيون يتربعون أعلى المراتبquot;. التغير الذي بثته الحرب كان يأتي بلغة ساخرة، إذ يقول فراس أحد عازفي الغيتار في الفرقةquot; كل ما نريد فعله هو الموسيقى والنجاة للعزف مجدداًquot;. تقطع فكاهة فراس أحداث الزمن المتقدم حين يُقصف فندف الفنار، المكان الذي احتوى حفلتهم الأولى بعد سقوط صدام، حين يحكي لاحقاً أن معجبي الفرقة إما أموات، مهجّرين أو غير معروفي الحال. يكون ذروة الألم في فراس حين قصف صاروخ مقرهم الذي يتدربون فيه ويؤلفون موسيقاهم، يختصر الحال في صورة لما تبقى من غيتاره التقط صورته عبر جهازه الجوال. بعد انقطاع وعودة خائفة للتجمع ثانية، كانت الفرقة محظوظة لقطع ست عشرة ساعة براً للوصول إلى سوريا والعيش في أحد مخيمات اللاجئين العراقيين حيث سجلو أول أغانيهم هناك (بين الرماد، مجزرة، وعالم أرضي).
ما انتهى قبله الفلم، هو أن الفرقة انتقلت إلى تركيا، وأخيراً قُبلوا كلاجئين في أمريكا أوائل السنة الحالية، حيث قابلوا أهم فرقة هفي ميتال عالمية ميتاليكا، حلم التواجد مع أبطالهم، أكمل فرحهم جيمس هيرتلد قائد فرقة ميتاليكا حين أعطى توني غيتاره موقَعاً، قائلاً له بابتسام أنه لا تزال هناك أكثر من نوتة نائمة في الغيتار وأن كل ما عليه هو إحيائها من جديد.