الرجل السائر على الهواء
محمد الحميد من الرياض:يخبر من يجرب رياضة البنجي جنبquot;القفز الهوائيquot; أن حياتهم تمر عليهم في الثواني القليلة التي يسقطون فيها للأسفل، وأن الشعور بالخوف يلازمهم كلما تذكروا تلك اللحظات. مجرد مشاهدة فيليب بتيت وهو يسير على الحبل المعدني هي تجربة خوف بحد ذاتها، حيث الرجل مسلوب إلا من عصا التوازن، معلق في الهواء، ولا تنتظر سوى سقوطه أو المشي إلى بر الأمان سريعاً. في فيلمه الوثائقي الرائع والحاصل على جائزة الأوسكار quot;رجل على الحبل المعدني Man on Wirequot; يعرض المخرج المبدع جيمس مارش قصة فيليب بتيت الرجل الذي مشى على حبل معدني بين برجي التجارة العالمي سنة 1974 في ذهول عالمي استمرت دهشته حتى الثواني الأخيرة التي لازمت كل من شاهد فيليب. لكن الطريقة التي ابتكرها مارش في سردته الحكائية ما وصفه بتيت عن نفسه بأنها قصة حكاية سحرية، هو أن الفيلم لم يكن فيلماً وثائقياً بالمعنى التقليدي حيث يطغى الكلام الحواري على أدوات بصرية وسمعية أخرى، لكن كما قال بتيت قبلت مارش بإخراج قصتي لأنه فنان واحتجت لمن يفهمني للوصول إلى إخبار ما أريده. فبدلاً من رجل مشى بين برجي التجارة العالمي، ليعرف المشاهد الزمن الذي مضت فيه فكرة عابرة إلى تجربة حياة لفيليب وللآخرين على حد سواء. أقام مارش الفيلم على قاعدة واحدة وهو ما قاله لبتيت في أول لقاء لهما: لك عقل مجرم. من هنا كانت صناعة الفيلم فيلماً حركياً مثيراً، تتحرك أحداثه جيئة وذهاباً، في كل مرة ثمة القليل مما يفصح، وفي كل مرة يمضي الفيلم فيها جهة الأمام يتحرك أبعد جهة الأساس الأولي الذي ابتدأت منه القصة بحيث تكشف أكثر الوقائع تفاصيلاً تمهيداً للمقطع الذي يمشي فيه فيليب بين برجي التجارة.
بينما يحكي طرفي الإثارة الأكثر قرباً من بتيت صدبقه جون لويس وصديقته الحميمة تلك الفترة آن آليكس شاركهما تلك البدايات عدا النهاية مارك الأسترالي. في عرض عاطفي رائع جسد الأصدقاء الانفعالات الصادقة خلال المراحل التي قضوها من الفكرة الأولى لبتيت عن المشي بين برجي التجارة إلى الحدث الفعلي لذلك. بين هذه الحوارات المباشرة السردية، ثمة دراما من صنع المؤلف خلقها بين هذه الحوارات حيث يمثلون المراحل القريبة من طريقهم بالأدوات معهم الخطة لدخول برجي التجارة. ما يدهش هو أنه منذ الفكرة الأولى في فرنسا والإعداد الدقيق للعملية هو أنه بتيت احتفظ بتصوير وثائقي كامل لتلك المرحلة ما أعطى الفيلم بعداً قوياً وصادقاً في مشاركة رجل حلمه.
فهم بتيت لا يمكن إلا من معرفة موقف بتيت من النوع الفني لما يفعل، يخبر بتيت أن انعدام السماح القانوني لمثل هذه الأعمال هو أساس عرض الشارع، إذ حين يسمح لمثل هذه العروض لا تبقى خصوصية لذاتية الفنان ولا مساعداً لحضور أي مفاجأة. حينما تنتقل الكاميرا بين الناس أسفل البرجين رافعين أصابعهم اتجاه الأعلى، ثم إلى بتيت المستلقي على الحبل المعدني بين برجي التجارة، هكذا معلقاً في الهواء، وقتها تشعر بألم في بطنك، اللحظات القليلة من حياتك لمواجهة الخوف حقاً.