فيصل عبد الحسن من الرباط: أثيرت الكثير من الآراء في الإعلام المغربي المرئي والمسموع والمقروء، حول عرض الفيلم الإسرائيليquot; فالس مع بشير Waltz With Bashirquot; في صالات العرض المغربية، وقد كانت الكثير من الأراء مع عدم عرضه، مؤكدين أنه لم يسمح بعرضه حتى في الدولةquot; لبنانquot; التي تدور على أرضها أحداث الفيلم، والفيلم من أخراج أري فولمان الذي كان جنديا في الجيش الإسرائيلي، وقت وقوع الأحداث الحقيقة لقصة الفيلم حين دخلت وحدته العسكرية إلى لبنان عام 1982، حين دخلها الجيش الإسرائيلي، ونقل الفيلم صوراً عن أول حرب إسرائيلية في لبنان، كفيلم وثائقي، وسيرة ذاتية، والفيلم يتحدث عن أحداث حرب لبنان الأولى كما يسمونها في إسرائيل، أو كما كان أسمها قديماً عملية تأمين الجليل، وبالرغم من أن الفيلم يدين الاعتداءات الإسرائيلية، ولكن بسبب سياسة مقاطعة المنتجات الإسرائيلية، أعلن وقتها وزير الإعلام اللبناني طارق مترى، أن الفيلم الإسرائيلي حول مجازر صبرا وشاتيلاquot; فالس مع بشيرquot; لن يعرض فى لبنان، وأضاف متري أن القانون اللبناني يمنع استيراد أو رؤية أفلام إسرائيليةquot;، وكان الفيلم قد عرض على عدد محدود من الناس في لبنان، ومعظم الذين عرض أمامهم الفيلم كانوا من مهتمين بالسينما، والفيلم سيعرض قريبا في المغرب، وأن أعترض المعترضون، وربما سيتم ذلك عبر أحد المهرجانات أو في نوادي سينمائية مغربية، أو عن طريق شركة موزعة، بعد أن تم ترويج للفيلم في كثير من الدول العربية عبر أقراص سي دي مقرصنة، وبالفعل فالفيلم يوجد حاليا في أسواق الأقراص المغربية ويباع بأثمان زهيدة.
مشهد مكرر في الفيلم
ويحكي الفيلم قصة أرند،الذى تراوده باستمرار ذكرى الفرار من المجازر الشنيعة، في مخيمي صبرا وشاتيلا، للاجئين الفلسطينيين عام 1982، والتي ارتكبتها الميليشيات المسيحية تحت نظر الجنود الإسرائيليين، وبتحقيق عن ماضٍ لا يتذكر منه شيئا، ويذكر أن فيلم فالس مع بشير، قد حصل أسابيع قليلة علي جائزة الجولدن جلوب كأحسن فيلم أجنبي .
والكابوس الذي يتكرر لبطل الفيلم، ويظهر خلاله، عدد كبير من الكلاب المسعورة تنتظره تحت نافذة عمله، ويناقش مع أحد أصدقائهquot; مخرج الفيلمquot; الذي كان معه مجندا خلال سنوات الحرب اللبنانية تلك هذا الكابوس، المخيف ،الذي يرعبه كل ليلة، وقد كان هذا الجندي مكلفاً في تلك الحرب بقنص الكلاب في القرى التي يدخلها الجيش الإسرائيلي،لئلا توقظ سكان القرى، فينتبه الفدائيون ويهرعون لمقاومة القوات الاسرائلية، المتسللة ليلا، أما المخرج فإنه لا يتذكر أي شيء بتاتاً عن أحداث تلك الحرب الكارثية على الشعب اللبناني والفلسطيني، خصوصاً مذبحة صابرا و شاتيلا، فيحاول أن يتذكر تفاصيل تلك الحرب، لكنه لا يتذكر سوى مشهد غامض له مع أثنين آخرين، أحدهما يذكره، والآخر مجهولquot; يخرجون جميعاً من البحر مجردين من الملابس و بأيديهم السلاح، يلبسون الملابس ويخرجون على كورنيش المدينة، بيروت، ليسيروا في أحد الشوارع، و يشهدون نساء متشحات بالسواد يولولن ويصرخن،ويختفي المشهدquot; والمشهد يتكرر طوال الفيلم.
لماذا أخرجه هكذا؟
والأفلام الوثائقية تحدثنا عن تلك الحرب وما حدث في مجزرة صبرا وشاتيلا، التي اتهمت بارتكابها ميليشيات، وقوات لبنانية بحق اللاجئين الفلسطينيين في المخيم عقب اغتيال الرئيس اللبناني السابق بشيرالجميل، ويقوم المخرج من خلال فيلمه الكرتوني، بترتيب الإحداث، التي جرت عبر إعادة حكايتها من خلال لقطات منولوج طويل من محاولة التذكر، لجزيئيات صغيرة من الإحداث للجندي الإسرائيلي مع رفاقه الجنود الذين شاركوا في المجزرة، لأن الجندي قد فقد ذاكرته في ذلك الجزء من الأحداث، مما جعل المخرج يتجه بفيلمه، لسلك طرائق التحليل النفسي، من خلال مونولوج كوابيس متكررة عن كلاب مسعورة، تطارد البطل، ومرأى الجنود عراة، وامرأة غامضة تتعرى، والبحر في سكون الليل، إضافة لما أضافه إلى فيلمه من أفلام وثائقية حقيقية، لحرب بيروت، وقصف المدينة المرعب بالقنابل الاسرائلية الفراغية، شديدة الانفجار، والممنوعة دوليا، التي ضرب بها الجيش الإسرائيلي، الكثير من بنايات بيروت السكنية في تلك الأيام الصعبة على اللبنانيين، والتي كانت يتمترس في بعضها قسم من رجال المقاومة اللبنانية والفلسطينية، والجزء الأكبر من تلك البنايات كان يسكنها المدنيون من أهل بيروت، وقد جمع المخرج في تلك اللقطات بين فني التوثيق التاريخي للأحداث ومزجها بالمصير الفردي من خلال رواية مصير بطل الفيلم،ولكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن لماذا أخرج quot;أري فولمانquot; فلمه، كفيلم رسوم متحركة، والذي يحكي قصة للكبار، عن تأريخ معاصر، ولا يزال أبطالها على قيد الحياة، ولم يخرجه كما المعتاد في السينما الحالية، من أفلام السيرة، وأفلام الحرب العادية، التي ترينا عادة ما يحدث في الحروب ، وتقف دوما إلى جانب الإنسان في بغضه للحروب، وإدانته لما يحدث خلالها، من مآس وكوراث يكون أول ضحاياها المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ؟!
قصة الفيلم
ويبدو أن تفادي المخرج الإسرائيلي لمنظر الدماء الحقيقة، والجثث والمناظر المروعة، التي تدين الإسرائيليين، فيما حدث في تلك الحرب، جعله يختار هذا اللون من الأفلام، ليقول لنا ذلك بطريقة لا تسيء إلى جنديه، وقضيته،وتخلق نفورا من متابعي الفيلم، الذين اعتادوا أن يقف الفن السابع ضد الحرب ومشعليها، مهما كانت الأسباب ومبرراتها، ويحاول بطل الفيلم أن يفسر القصة، خلال أحداث الفيلم لصديقه، وكلما حاول أن يلجأ له بأن الموضوع كله تخيلات في رأسه! أي أنه لا علاقة لهم كجنود إسرائيليين بالمذبحة إطلاقاً، لكنه لا ييأس، ويلجأ لأحد من كانوا معه ويعيش في هولندا، وهو كارمي كنعان، ويتذكر عنه كيف كان نابها في الرياضيات، والفيزياء وكان يُتوقع له أن يكون عالماً نووياً، لكنه يهاجر إلى هولندا ويفتتح مطعما لبيع الفلافل في أمستردام، ويصير غنيا، ومعروفا في المدينة، ويقص عليه بعد تدخين سجارة حشيش،مع صديقه في العسكرية، الذي هو مخرج الفيلم أيضا، ليعطي ما قاله صديقه، صفة الهلوسات، وخيالات الحشاشين، وبالتالي فلا يحصل المشاهد على يقين، فيما يذكر ذلك الصديق وفيما قصه عن تلك الإحداث، التي عاشها مع صديقه في تلك الواقعة، حيث يروي له عن :نزولهم إلى شاطئ صيدا،وما أن نزلوا، حتى أطلقوا النار على أول شيء يتحرك أمامهم، وقد كانت ضحية أطلاقهم للنار العشوائي، سيارة تقل إحدى العائلات اللبنانية البريئة،ويبرر ذلك بان كل جنود الدنيا لديهم كبت نفسي، وضغوط عصبية، يريدون إظهارها بأي طريقه! فيحتج عليه بأنهم بشر أيضا، فيجيبه أن ذنبهم أنهم قابلوهم وهم في ظروف نفسية سيئة، ويرينا الفيلم أن معدن السيارة أصبح كالمنخل بسبب الإطلاق الكثيف على السيارة المدنية، أما رواية المذبحة الكبرى، فهو أيضا لا يتذكر عنها شيئاً على الإطلاق،وأحد أصدقائه، حكى له أن رتل الدبابات الذي كان ضمنه قد تم تدميره، وقتل كل من معه لكنه هرب إلى البحر إلى أن وجدته إحدى الوحدات الإسرائيلية وأنقذته.
ويقصد صديقا أخر، لنفس الهدف للملمة،أحداث ما حدث لهم في تلك الأيام وهو صديقه، فرينكل، الذي أصبح مدرباً، للكونغ فو، ويستعمل هذا الصديق عطرا خاصا، يذكرنا بفيلم،صانع العطور، الشهير، لدرجة أنه في ظلام الليل يستدل عليه أصدقاؤه من رائحة عطره الخاصة، وأثناء تقدمهم في احد الحقول، أطلق أحد الصبية الصغار قذيفة مضادة للدبابات عليهم فأمطروه بوابل من الرصاص والقذائف الصاروخية.
وأخيراً يتذكر أن قائد وحدته أخبره خبرا مهما، عن سيارة مرسيدس حمراء ستنفجر في بيروت عما قريب،وبعد ساعات قليلة يخبره بأ ن الرئيس اللبناني بشير الجميل تم اغتياله!.
فالس مع الرئيس
لتحدث بعد ذلك مجزرة صبرا وشاتيلا، وحسب التتابع كما يظهره الفيلم، الرئيس اللبناني المنتخب، هو حليف وصديق لهم ومسيحي، واغتيل، أنه خسارة حقيقة لهم، كما يقول صديق بطل الفيلم، ويتابع بعدها شريط الذكريات، يقول كان عليهم الاستعداد ليكونوا في بيروت بعد ساعتين. ويتابع المخرج،تذكره لمطار بيروت، حيث هبطت مروحيتهم، وكانت وقتها كل الطائرات المدنية التابعة للخطوط الجوية اللبنانية قد قصفتها الطائرات الإسرائيلية، وأحرقتها وهي جاثمة على الأرض في أكبر خسارة للطائرات المدنية في تأريخ الطيران المدني بعد الحرب العالمية الثانية، والسوق الحرة بالمطار منهوبا، وجدول الرحلات الدولية على حاله منذ آخر رحلة، ولم يتغير منذ أسابيع كثيرة.
وتدخل القوات الإسرائيلية التي هبطت في المطار إلى المدينة، ولكن المقاومة تحاصرهم في الشارع، ويزخ عليهم الرصاص وتصوب باتجاههم القذائف من المباني المجاورة، واللبنانيون المدنيون يتفرجون عليهم، و كأن الذي يحدث أمامهم، هو عرضٌ مسرحي، و يخرج أحد الجنود،فرينكل صاحب العطر المميز، ومدرب الكونغ فو فيما بعد، برشاشه الآلي، ويأخذ بإطلاق النار على المهاجمين من منتصف الشارع، وفي كل الاتجاهات وبحركة دائرية،وبدا كما لو أنه أنه يرقص الفالس! و يطلق النار في الوقت ذاته، فوق رأسه تبدو بوسترات عملاقه للرئيس بشير الجميل، لقد كان يرقص الفالس مع بشير! الرئيس اللبناني القتيل ومن هنا جاء أسم الفيلم الإسرائيلي!
فيلم رسوم متحركة
وبالرغم من أدراج فيلم فالس مع بشير، لقطات تلفزيونية حية،إلا انه لم يرو الحقيقة كاملة بكل عنفها، وما جرى فعلا من أحداث، وربما ما حمله الفيلم أيضا من لقطات عري، وجنس، هي أيضا كانت سببا في أخراج الفيلم كفيلم رسوم متحركة، لئلا يستفز مشاعر الملايين من العرب والمسلمين، والذي حاول مخرجه بكل ما أوتي من مقدرة فنية لطمس الحقائق،ولإلقاء اللوم فيما حدث على الميليشيات اللبنانية في أحداث المجزرة أكثر من إدانة الجنود الاسرئيليين خصوصا، وان نهاية الفيلم جاءت بمشهد لامرأة تصرخ قائلة برعب لا حد له: أينكم يا عرب؟!
[email protected]
التعليقات