نصرت مردان: صدر عن الدار العربية للموسوعات ببيروت هذا العام كتاب (النثر الفني وأدباؤه لدى تركمان العراق للدكتور مهدي البياتي، وقد ترجمه من اللغة الألمانية إلى العربية أرشد الهرمزي.
الكتاب في الأصل رسالة تقدم بها د. البياتي للحصول على شهادة الدكتوراه من جامعة ماينتس بألمانيا في عام 1970.
أما مترجم الكتاب أرشد الهرمزي فلا يتحدد دوره بكونه مترجما فقط، بل يتجاوز ذلك إلى كونه أحد الشهود على كل مراحل إعداد البياتي لرسالته، لكونه مقيما آنذاك بمدينة مورناو الجنوبية لدراسة اللغة الألمانية تمهيدا للعمل في بعض الشركات الألمانية المتخصصة في مجال قطاع اقتصاديات التأمين وإعادة التأمين في أوساط 1969، إضافة إلى كونه (أي المترجم أرشد الهرمزي) أحد الكتاب الذين تناولهم د. مهدي البياتي بالدراسة في رسالته المقدمة إلى جامعة ماينتس.
يبدأ الكاتب دراسته بعرض مكثف ومهم لتاريخ التركمان في العراق، يليه باستعراض ملامح الأدب التركماني من خلال طرحه عددا من الآراء في هذا المجال ومنه رأي شيخ الباحثين التركمان عطا ترزي باشي الذي يقول quot; لا يوجد أدب تركماني أو أذربيجاني أو جغطائي وإلى آخر القائمة، بل أدب تركي واحد يضم كل ذلك. أن كل هذه الظواهر لا يمثل إلا أدب اللهجات التركية المختلفة quot;.
كما ينقل الكاتب رأي البروفيسور الألماني بنزنك الوارد في مقاله (الأدب التركماني) /مجلة علم اللغة التركية، المجلد الثاني، فيسبادن، ألمانيا، 1964، ص724 / والقائل: quot; يجري تصنيف قسم من الشعراء التركمان القدامى تحت أصناف أدبية تركية أخرى.. quot;.
يؤكد د. مهدي بيات استنادا إلى ما تقدم بأن الشاعر فضولي البغدادي (1498 ـ 1556) المعروف كشاعر عراقي تركماني، يصنف عادة ضمن الأدب الأذربيجاني أو العثماني. مشيرا إلى أن الشعراء التركمان في العراق ولغاية عام 1918 كانوا يصنفون ضمن الأدب العثماني المسمى بأدب الديوان. ويربط الكاتب ذلك إلى أن أحدا من الشعراء التركمان لم يكتب شعرا تركمانيا خالصا في تلك الفترة، لأن التركمانية لم تكن لغة معترفة بها رسميا، وإنها ظلت منذ نشأة الإمبراطورية العثمانية وحتى نهاية 1918 منحصرة على التركمانية الدراجة، لذلك لم تجد التركمانية مناخا ملائما لتطورها.
وينقل الكاتب في هذا الصدد أيضا رأيا مهما للأستاذ عطا ترزي باشي حول اللهجة التركمانية يقول فيه:
quot;التركمانية هي من اللهجات التركية القريبة إلى الأذربيجانية التي يتكلمها عشرة ملايين نسمة في أذربيجان الشمالية وما جاورها، وتشبه في الوقت نفسه اللهجة المستعملة في جنوب وشرق الأناضول، وتوجد بينها وبين التركمانية المستعملة في تركمانستان فروقا جوهرية quot;.
يمكن القول أن كتاب (النثر الفني وأدباؤه لدى تركمان العراق) يتألف من قسمين أساسيين: أدباء القصة القصيرة، وأدباء النثر الفني.
يتناول القسم الأول (أدباء القصة القصيرة)، سير ونصوص كل من رشيد كاظم البياتي (1914 ـ 1983) وعزالدين عبدي البياتي (1912 ـ 2001) وعلي معروف أوغلو (1927) وهاشم قاسم الصالحي (1927) وعثمان عمر شنكول (1930) ومحمد خورشيد الداقوقي (1932).
الخاصية المميزة للنصوص هي في كون جميعها منشورة في مجلة (الإخاء ـ قارداشلق) الصادرة من قبل نادي الإخاء التركماني ببغداد منذ عام 1961 باللغتين العربية والتركمانية، وكانت المجلة الثقافية الوحيدة لتركمان العراق في تلك الفترة ولاتزال مستمرة في الصدور.
تمكن الكاتب من خلال المراسلة مع الكتاب الذي ضمتهم رسالته الجامعية من الوقوف على خلفيات تلك النصوص مع معلومات مستفيضة عن كل كاتب.
في معرض حديث الكاتب د. مهدي البياتي عن قصة (عدالة الرب) الطويلة للكاتب والقاص رشيد كاظم البياتي، والذي يعود تاريخ كتابتها إلى عام 1950 والمنشورة في تسعة أعداد من مجلة الإخاء بين عامي 1964 ـ 1965، يشير إلى أن المغزى الذي تهدف إليه القصة هو لتنبيه القاريء إلى العدالة الإلهية والتأكيد على قيمة الروابط الاجتماعية ومحاربة الرشوة والمحسوبية في المجتمع، والالتزام بجب الوطن.
أما قصة (ناكر الجميل) لموسى مصطفى زكي (1917 ـ 1988) فهي كما يرى الكاتب بأنها تكاد أن تكون نصا عاديا، ماعدا في تأكيدها على ويلات الحروب واستغلال الجشعين لظروفها وإفرازها عن شقاة يعملون على ممارسة إجرامهم.
كما تناول الكتاب نصين للقاص عزالدين عبدي البياتي (1922 ـ 2001)، (الجزاء) و(الحق لا يخطيء). ويرى الكاتب، أن القصتين تتشابهان من ناحية المضمون والسرد والبناء الدرامي. حيث يتمحور الموضوع فيهما حول مفاهيم الحق والظلم والحرية والعقاب مع طغيان الجانب الوعظي والإرشادي على كل منهما حول ضرورة الالتزام بفضائل الأخلاق.
ويضم الكتاب ستة نصوص قصصية لعلي معروف أوغلو (عيون لا تغمض، جرح على الخد، المعطف الأغبر، الصياد علي، اليمامة، قصة الخيل) وهي القصص المنشورة في مجموعته القصصية (اولايلار قونوشيور ـ حوادث تنطق) والصادرة في 1964. يقيم د. مهدي البياتي هذه النصوص بأن القاص علي معروف أوغلو يهتم بالأسلوب الواقعي عامة، إضافة إلى تحميل قصصه بالأساطير والقصص الشعبية، واهتمامه بالتاريخ الوطني وتقاليد المجتمع التركماني. كما انه يروي أغلب قصصه عن طريق الراوي والذي غالبا ما يكون شيخا، حيث ينطلق في الحديث عن تجاربه الحياتية. كما يهتم القاص في نصوصه إلى إبراز القيم الإسلامية والمثل العليا، وبتسليط الضوء على واقع المجتمع التركماني. أما أبطال قصصه quot;. . فهم من المثالية والكمال بحيث لا يمكن تصور وجودهم على سطح الأرض quot;. ويرى الدكتور مهدي البياتي أن علي معروف أوغلو، ينفرد بتقديم الحلول في قصصه ويفرضها على النص مع رؤيته للأحداث بشكل مباشر.
وبالنسبة للقاص هاشم قاسم الصالحي، يتناول الكتاب نصوصه (فريدة المسكينة، سوزان، في صفنا دون جوان، ليلة سعيدة) والتي تتمحور حول المرأة، حيث تكون المرأة المثالية موضوعا أثيرا للقاص في معظم قصصه، والتي يعتبرها كمرآة عاكسة للإشكاليات الاجتماعية المختلفة. ورغم أن نصوصه تمتاز بالواقعية وبساطة وسلاسة السرد، إلا أن الجو السائد في تلك القصص وحسب قناعة الكاتب، لا تتميز بطابع تركماني، بسبب عمومية موضوعاته التي من الممكن أن تحدث في أي بقعة في العالم، وهو ما يؤدي إلى عدم تمتع نصوصه بأية خصوصية معينة.
أما بالنسبة لنصوص القاص عثمان عمر شنكول (سيدتي، قصة، جهاز التسخين، قصة قصيرة، السيدة إيراز quot; فيغلب عليها طابع المرح والسخرية. وتجري جميع القصص على لسان الراوي. ورغم تأثر شنكول بالأدب التركي، فإن موضوعات قصصه تتصف بالعمومية بدلا من الخصوصية التركمانية.
وتصور قصة (ليلة ولادة) للقاص محمد خور شيد الداقوقي، حياة عائلة تعيش في فقر مدقع، إضافة إلى إظهارها عالمين متناقضين، معاناة القروية التي تعيش آلام الوضع، والطبيب الذي يقضي وقته في اللهو دون اهتمام بمعاناة تلك المرأة ومعاناة الطبقات الفقيرة. والقاص محمد خورشيد الداقوقي حسب تقييم الكاتب يختار quot;. . كلماته المنتقاة بقدر كبير من الحيوية quot;.
أما القسم الثاني المعنون (أدباء النثر الفني) في الكتاب فيتطرق إلى كل من الأدباء عبدالحكيم رزي أوغلو وعطا ترزي باشي وشاكر صابر الضابط وإحسان صديق وصفي ومترجم الكتاب ارشد الهرمزي. حيث يؤكد المؤلف على ان هذه النخبة من الكتاب خدموا الأدب التركماني من خلال النقد الأدبي والنقد الاجتماعي والكتابات في مجال التاريخ والقضايا الوطنية والتاريخية، إضافة إلى كتاباتهم في تاريخ الأقوام التركية، مقيما نصوصهم الوطنية والتاريخية في أنها تبث روحا جديدة بين التركمان من خلال التأكيد على تاريخهم العريق وتوعيتهم إلى ان لهم نفس الحقوق التي يتمتع بها جميع العراقيين.
من خلال هذا المنظور يمكن اعتبار (حسب رأي الكاتب) عبدالحكيم رزي أوغلو بأنه ناقد أدبي لقيامه بنشر سلسلة من المقالات النقدية في مجلة (الإخاء ـ قارداشلق)، طرح عبرها إيمانه بالتجديد والتطور في الأدب.
أما شاكر صابر الضابط فهو لم يكتف بكونه باحثا في التاريخ وشؤون التراث الشعبي في العراق من خلال مانشره في هذا المجال منذ 1941، بل اثبت عراقة واصالة انتماء التركمان للعراق من خلال كتابه الشهير (موجز تاريخ التركمان في العراق)، إضافة إلى اهتمامه بالقضايا السياسية من خلال إصداره كتاب (تاريخ الصداقة بين العراق وتركيا). كما أصدر كتابا حول التراث الشعبي التركماني في كركوك عنوانه (كركوكده اجتماعي حيات ـ الحياة الاجتماعية في كركوك) وساهم في إصدار مجلة (التراث الشعبي) وجريدة (العراق) باللغتين العربية والتركمانية.
ويعتبر د. مهدي البياتي، الكاتب إحسان صديق وصفي (خريج جامعة كمبردج) بأنه ليس مجرد أديب بل كاتب مهتم بالقضايا الاجتماعية والفولكلورية في كتاباته.
أما أستاذ الأجيال التركمانية عطا ترزي باشي، فيرى د. مهدي البياتي بأن الأدب التركماني المعاصر يدين له بالشيء الكثير، وبأن شهرته تتعدى حدود العراق، إلى كل الدول الناطقة بالتركية في العالم، من خلال حياته الزاخرة بالإنتاج والعطاء والإبداع الثر، ودوره المهم في الحفاظ على هوية تركمان العراق الثقافية والوطنية من خلال توثيق عطاءاتهم الثقافية في مختلف المجالات.
ويقيم الكاتب، أرشد الهرمزي بأنه متنوع الإنتاج من خلال المقالات التي كتبها في شتى صنوف الأدب والثقافة، إضافة إلى اضطلاعه بمهمة التعريف بالوجود التركماني وهويته القومية والوطنية واصالته في تاريخ العراق.
يتوصل الكاتب في نهاية البحث إلى ان النثر الفني التركماني، ساير النضال السياسي للتركمان، وكان معبرا عنه. ويرى أن القصة التركمانية (في نهاية الستينيات) لا تزال متخلفة عن الشعر، مشيرا إلى ان مضامين النصوص القصصية عراقية صرفة، ويرجع أسباب تخلف القصة التركمانية إلى شيوع الأساطير والقصص الشعبية، وإلى عدم وجود مدارس خاصة بالتركمان يتعلمون فيها لغتهم. ويتوصل الدكتور مهدي البياتي في استنتاجاته إلى أن القصة التركمانية لا تزال في مرحلة التجريب، وان اغلب كتاب القصة لم يطلعوا على التجارب الحديثة في مجال القصة، لذلك لم يستطيعوا التحرر من تأثير القصص التقليدية.
ولعل أهم جزئية جديرة بالاهتمام هو قيام المترجم ارشد الهرمزي في نهاية الكتاب، بنشر اللقاء الذي أجراه شخصيا أثناء وجوده في ألمانيا مع البروفيسور يوهانيس بنزنك، مدير معهد العلوم الشرقية بجامعة ماينتس حول اللهجة التركمانية، والذي أكد فيه على تأثير الأدب التركماني في العراق على أدب بقية فروع اللغة التركية في الشرق مثل إيران وأفغانستان، إضافة إلى نشره حوارا مماثلا مع الدكتور براندز مدير معهد علوم الشرق في جامعة فرانكفورت والذي أشار في لقائه إلى ان الأدب التركماني في العراق أدب مستقل اجتماعيا وإن كان عمليا ضمن إطار الأدب العام فرعا من الأدب التركي الحديث، مؤكدا أن الأدب التركماني سيبقى حيا ومتطورا بشكل حتمي. كما تضمن الكتاب في نهايته مقالا للبروفيسور يوهانس بنزنك تحت عنوان (نظرة عامة حول الأدب التركماني).
تأتي أهمية كتاب (النثر الفني وأدباؤه لدى تركمان العراق) للدكتور مهدي البياتي، في أنه يسجل ويوثق لمرحلة مهمة من مراحل تطور القصة التركمانية المعاصرة، بالإضافة إلى تعريفه بجهود أدباء خدموا الثقافة التركمانية، ويعتبر صدور الكتاب بعد ما يقارب من أربعة عقود من كتابته كرسالة تخرج لنيل درجة الدكتوراه، إضافة مهمة للمكتبة العربية على طريق التعريف بالهوية الثقافية والإبداعية لتركمان العراق.