لا يزارون إلا في المناسبات. مجللين بشرشف الأبدية الأزرق، يرقدون تحت شواهد قبورهم. شباناً في الأغلبِ، شباناً تركوا آباءهم خلفهم، وناموا ههنا إلى الأبد. الآباء، ثواكل، لكن الزمن يُنسيهم قليلاً أو كثيراً. فالزمن دواءٌ مُسكّنٌ، مثل أيّ أكامولٍ أو دوكلوفين _ موجود في الصيدلية. اليومَ، بلا مناسبةٍ، زرتهم. لم أقرأ الفاتحة. سفحتُ دمعةً داخليةً فحسب. ثم مضيتُ، صامتاً، إلى سبيلي. في طرق الناس، في الشفق الأخير من مساء كابٍ، تذكّرتهم. قلت لنفسي، وأنا أخرج من الزحام: quot; لقد كانوا أصدقاء أعزاء، والآن صاروا ذكريات quot;. لسببٍ ما، يحدث هذا الأمر، مراراً، في هذه البلاد: يتحوّلُ أبناءُ آدم، على حين فجأة، من طين إلى طيف. كان المساء يوغل في كآبة غلاّبة.. فيما أنا أصعد الدرج إلى بيتي، متثاقل الخطى، واهنَ القلب. عمّا قليلٍ أيها الأصدقاء.. عما قليلٍ، سأشعل شمعةً في البيت الخاوي، إلا من أطيافكم. سأشعل شمعة كبيرة، وأصب كؤوس النبيذ الأحمر: لكل واحد منكم كأساً، وسآتي بمقعدٍ أضع عليه الكأس. فيما هايدن شقيق الروح، يوزّع أساه الكوني، على مساحة البيت جميعاً، ويبقى منه فائضٌ للجيران. نخبكم! نخب موتكم الأبله! نخب رحيلكم الذي يقتات عليه الجنرالات الصغار! لقد صرتم أرقامَ إحصائياتٍ. صرتم وليمةً للميديا الجائعة. أما أنا، في هذه الليلة العديمة الرحمة، المعدومة الإله، فالأرجح، أنني سأشرب زجاجتي نبيذ، فقط من أجل أن أنام. أرأيتم المفارقة؟ يا له من نوم عالي الكلفة، نومي هذا. أما نومكم، أنتم، فلا نوم أرخص منه quot; إلى الأبد quot; _ quot; إلى الأبد quot; أي: بالمجان، بالمجان! حين أغفو يا هايدن، رجاءً فلتغلق المسجّل. فلتقفل صنابير الماء، يا صديقي، ولتمرّ على المطبخ. وإن كان ثمة شباكٌ مفتوحٌ، فلتغلقه أيضاً. إني رجل هشّ الصحة، وحساس تجاه البرد واللغة. وفوق ذلك: إني رجل وحيد. يؤلمهُ الليلةَ أنّ محض حرفٍ يتغيّر في كلمةٍ داخل جُملة، يمكن أن يقلب حياته إلى جحيم.