تشدّد الأديبة والأكاديمية الجزائرية "زهرة بوسكين" على أنّ "المثقف هو الذي يهمش المثقف في الجزائر وليست السلطة"، وتشير صاحبة عديد الإصدارات والمتوجة بثلاث جوائز عربية، إلى هيئات ثقافية وجمعيات أدبية لا تمثل كل أدباء الجزائر، مستدّلة باتحاد الكتاب الجزائريين الذي لم يستطع – بحسبها - لمّ شمل الأدباء بقدر ما فرّقهم، واعتبرت أنّ الصراع الدائر في الاتحاد المذكور لا يخدم الثقافة والمثقف.
في مقابلة خاصة بـ"إيلاف"، تقدّر بوسكين أنّ المنظومة الثقافية فقي بلادها تشكو سوء التنظيم، منتقدة تنامي ظاهرة "نقد المجاملات" وعدم مواكبة مضامين الإبداع، مقدّرة المسافة الفاصلة الآن بين الثقافة والشارع الجزائري بألف سنة ضوئية، متوجسة من الجيل الجديد الذي لا يبالي بنكهة الورق ولا تستهويه القراءة، ما يجعله في نظرها قابلا للاستعباد والاستعمار.

•&في رسالة بعثتم بها إلى وزيرة الثقافة الجزائرية "نادية شرابي لعبيدي"، شدّدتم على حتمية عدم تكريس شعور التهميش لدى النخب خارج العاصمة، وقلتم أنّ الهيآت الثقافية والجمعيات الأدبية العتيدة لا تمثل كل أدباء الجزائر، بل لا تمثل إلا فئة قليلة ممن تعودوا (السمسرة) في قطاع الثقافة وتسويق مشاريع وهمية، ما خلفية هذه الرسالة، وهل راهن القطاع موسوم بالكارثي في نظركم؟
- بالفعل منذ فترة توجهت برسالة لمعالي وزيرة الثقافة التي أكنّ لها كل التقدير وأدرك تمام الإدراك أنها لن توفر جهدا في خدمة الثقافة، ومبادرة طيبة منها أن عقدت لقاءات مع الفنانين والمثقفين بالعاصمة، لكن حاولت أن أهمس لها بأنّ النخبة المثقفة لا تتمركز فقط في العاصمة، فالجزائر غنية بالأسماء الإبداعية في شتى الفنون وفي كل الولايات، ولا يجب أن يكون هناك إقصاء او تهميش ولو عن غير قصد، فالوزيرة لها نوايا طيبة في خدمة الثقافة لكن الوسط الثقافي عندنا متفرق ومشتت وفيه من يصطادون في الماء العكر.
نعلم جميعا أنه في الجزائر، الدولة وفّرت كل الإمكانيات المادية والفرص الممكنة لكن المثقف هو الذي يهمش المثقف وليست السلطة، وخلفية ذكري لهيئات ثقافية وجمعيات أدبية لا تمثل كل أدباء الجزائر فهذا هو الواقع ويعلم الجميع أن أقدم جمعية محلية "اتحاد الكتاب الجزائريين" الذي سبق وكنت فيه أمينة وطنية واستقلت، لم يستطع لمّ شمل الأدباء بقدر ما فرّقهم، والصراع الدائر فيه وحوله، لا يخدم الثقافة والمثقف.

•&ما موقفكم من السياسة الثقافية المنتهجة في الجزائر، وكيف تتصورون أفق المسألة الثقافيّة في الجزائر
-&السياسة الثقافية المنتهجة في الجزائر مقارنة مع دول عربية اخرى يمكن القول أنها بخير وأفضل بكثير، المثقف عندنا يتمتع بكامل حريته الفكرية والإبداعية، وبمكن أن نتفاءل إذا نظرنا إلى العديد من التظاهرات التي عاشتها الجزائر، ونحن مقبلون على تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية 2015، كل هذا جميل ورائع لكن ينقصه التنظيم المحكم ، فقد عرفت مختلف التظاهرات اعتبارا من سنة الجزائر بفرنسا (2003) فوضى عارمة ، مثلا في تظاهرة الجزائر عاصمة للثقافة العربية طبعت مجموعة شعرية "إفضاءات من زمن الدهشة" كغيري من الأدباء الذين استفادوا من الطبع لكن لم أر ولم أستلم حتى حقي من النسخ.
وبصعوبة حينها تحصلت على خمس نسخ فقط إلى درجة أن الأمر أحرجني مع أدباء من دول اخرى خاصة مع شاعر عراقي كتب لي تقديما لها ولم أتمكن حتى من المشاركة بها في معارض عربية للكتاب، والعديد من الأدباء عاشوا نفس التجربة ، ويبقى السؤال المطروح أين نسخ أعمالنا ومن استفاد منها وماذا عن حقوق طبعها؟؟؟
& هذه عينة من سوء التنظيم الذي يفتح المجال لأمور أخرى ولمستفيدين من نوع آخر.

•&تحفل الساحة الأدبية في الجزائر بعديد الأسماء والتجارب المتميزة، لكن الواقع المرّ للإبداع لم يسمح بنظر نشطاء ونقاد بإقلاع في المستوى المأمول، لماذا بنظركم؟

-&حقيقة تحفل الساحة الأدبية عندنا بأسماء لامعة لها حضورها عربيا ودوليا، وربما هناك من عانوا من انعدام فرص الظهور أو أزمة النشر لكن لم تعد تطرح هذه القضايا فمجال الطبع مفتوح للجميع إلى درجة انعدام الرقابة وإلى درجة أن الكل صار يطبع حتى من يكتب بضعة خواطر ولم يصنع بعد اسما له صار يتوجه مباشرة للطبع وهي ظاهرة غير صحية ساهمت في تفشي الرداءة، والعزوف عن المقروئية، وفي انسحاب أقلام جيدة رغم أن التاريخ له دوره والبقاء للأصلح دوما.
وبالموازاة تغيب حركة نقدية موازية، عندنا نقد المجاملات، ونقد الأشخاص لعقد يعيشها بعض من المتقوقعين حول أنفسهم ويعتقدون أنهم محور الكون والكل واقف في مكانه، وتبقى حالات "بارانويا" قليلة وغير جديرة بالاهتمام لذلك غير مقبولة الأحكام القيمية التي تصدر عن نشطاء أو نقاد لا يواكبون مضامين الإبداع بدراساتهم واهتمامهم ولم يبدعوا في مجال النقد، ولا زالوا يعتمدون على نظريات أجنبية وقديمة نظر بها أصحابها في زمانهم لكتابات في محيطهم ولم تعد صالحة عندهم، لماذا من يرتدون عباءة النقد، لا ينتجون نظريات خاصة بالنص الجزائري والعربي؟

•&هل هناك أزمة نخب في الجزائر، وما صحة انعزالها عن السياق العام؟
-&لا توجد أزمة نخب في الجزائر، المثقف الجزائري له حضوره عربيا ودوليا، ولاحظت في عدة دول كيف يحترمون إبداعنا وكتاباتنا، لكن انعزال الكثيرين عن السياق الثقافي العام له عدة تفسيرات، ربما هناك من لهم ظروف خاصة بهم ، وهناك من انسحبوا حفاظا على ماء الوجه بسبب تفشي الرداءة وصار من هب ودب يسمي نفسه شاعرا وروائيا وكاتبا في غياب مقاييس جادة وغربلة موضوعية.


•&ما المسافة الفاصلة الآن بين الثقافة والشارع الجزائري، هل هي أزمة هوية أم مرجعيات وفي أي سياق تقحمون تراجع المقروئية؟
-&المسافة تتجاوز الألف سنة ضوئية، المثقف يعرف كواليس الشارع جيدا في نصوصه وفي حياته طبعا، لكن الشارع لا يؤمن بالمثقف أما تراجع المقروئية فهو قضية جديرة بالطرح والدراسة وتبني خطة علاجية لأنها تراجعت حتى بين المثقف والمثقف ، نحن لانقرأ لبعضنا مع الأسف فما بالكم الآخر، لكن تكمن الكارثة التي تستدعي خطة علاجية انعدام المقروئية تماما لدى الجيل الجديد جيل الرقمنة لا تعرف أنامله نكهة الورق ولا تستهويه القراءة، فكيف نتج هذا الجيل ؟ وما تأثيره على الفكر وما خطره على مستقبل البلد؟ سيكون قابلا للاستعباد والاستعمار من أي طرف آخر.

•&ما الذي يمكن للقصة قوله حاليا، وبشكل أفضل من ضروب فنية أخرى؟
-&لا يمكن أن نفصل بين ما يمكن أن تقوله القصة أو الرواية أو الشعر، فالرسالة الإبداعية تصل من خلال المضمون والرهان يكون على جودة النص وليس على شكله

•&ماذا عن مقاربتك لمسألة الهوية في الجزائر التي لا تزال مثار جدل في الجزائر؟
-&لا أرى ضرورة وجود جدل عن الهوية في الجزائر، أنا أؤمن بوطنيتي ولغتي وديني وأمازيغيتي، أفتخر أنني سليلة لالة الكاهنة ولا أحتاج لنضالات ألكسندرا كولونتاي لأحتفل بعيد المرأة، أفتخر أنني أحمل جواز سفر أخضر، والجزائر في دمي وهذا المنطلق، وأي جدل يستهدف الهوية لأجل التفرقة.

•&هل تؤيدون الطرح القائل بوجود انفصام بين الكتابة التقليدية والكتابة الحداثية في الجزائر، أليس الأصح هو فصام حاصل بين جيلين؟
-&من الطبيعي أن يكون هناك اختلاف في الرؤى، لأنّ كل جيل له اهتمامات وقضايا تختلف عن قضايا وهموم من سبقه لكن بالمقابل يبقى الجيل السابق مرجعية هامة لنا، أنا ضد توجه قتل الأب في الأدب والكتابة، أختلف في كتاباتي القصصية عن الأديبة زهور ونيسي لكنني أعتز بها وتتلمذت على أحرفها وأرى أنها وكل الجيل السابق بمثابة الدعامة الفكرية لهذا البلد.

•& ما مقاربتكم للواقع الإبداعي في الوطن العربي وسط المساجلات بين ثقافة الورق والالكترون؟
-&بين الثقافة الورقية والإلكترونية يمكن صنع زخم إبداعي متميز، لابد من الاستفادة ايجابيا من نعمة التكنولوجيا للوصول للآخر، لم تعد هناك أزمة نشر، لم تعد هناك صعوبة في الإطلاع على مجلات عربية وإصدارات أدباء من دول أخرى بفضل التكنولوجيا لكن لا يمكن إلغاء الورق ولا يمكن الاستغناء عن نكهة الكتاب.

•& هل تتوقعون عودة أكيدة للشعر أم أنّ الاتجاه العام دوليا يسير نحو تبني مطلق للرواية؟
-&لا أرى أن التوجه الدولي العام يسير إلى تبني الرواية ، حدث هذا عندنا أكثر من غيرنا من منطلق ركوب الموجة بعد أن عرفت رواية ذاكرة الجسد لأحلام مستغانمي نجاحا باهرا، مثلا في المغرب تجد القصة هي التي تستقطب توجها ابداعيا أكثر وفي تونس الشعر، وفي دول أخرى الترجمة، والأمور تتغير من مرحلة لأخرى في كل مكان ، ولكل دولة خصوصياتها الفكرية والثقافية ويبقى السائد والمشترك هو النص الجيد لأنه الأبقى.
&
زهرة بوسكين في سطور
•&إعلامية بالإذاعة الجزائرية
•&أديبة لها عدة إصدارات في الشعر والقصة بينها الزهرة والسكين ومسافات الملائكة
•&حائزة على عدة جوائز عربية، كجائزة سعاد الصباح بالكويت وجائزة ناجي نعمان بلبنان وجائزة القلم الحر بمصر
•&تنشط في مجال البحث الأكاديمي في مجال علم النفس
&