إيلاف من سيدني: توفيت الممثلة والمغنية الأميركية دوريس داي، يوم الإثنين الماضي، عن عمر ناهز 97 عاماً، بسبب مرض الإلتهاب الرئوي.&

من المعروف أن الكثير من المغنين، من كلا الجنسين، وقفوا خلف العدسة السينمائية، إثر إنطلاق شهرتهم الموسيقية في البداية. ونادراً ما يحدث العكس. لكن، دوريس داي، كانت فنانة لها مكانتها، الموسيقية والسينمائية، على حدٍ سواء.

مع ذلك، وبالنسبة لمعظم الناس، كان الأمر على العكس: كانت ممثلة تغني. ربما، لأنه من بين كل النجوم الذكور اللذين تقاسمت معهم البطولة في الأفلام (جيمس ستيوارت، كلارك كيبل، ديفيد نيفن، كيرك دوغلاس، غاري غرانت، روك هدسون...)، لم يكن سوى فرانك سيناترا نجماً غنائياً شهيراً.

غير أن دوريس داي، وفي كل مكان من العالم، تُعدّ واحدة &من أبرز من لمع إسمها من النساء، سواءً في مجال الغناء أو السينما.

وفي إنكلترا، عندما يصنّف فريق لكرة القدم، خلال مشاركته ضمن مباريات نهائي كأس إتحاد كرة القدم، والتي تقام في ملعب "ويمبلي"، يردد الجمهور كلمات أغنية حماسية إلى حدٍ ما، والتي تقول كلماتها: إن المهمة الصعبة إنتهت، والآن كل شيء ممكن أن يحدث في المباراة. وبمقدورنا أن نستمع في المدرجات إلى صوت المشجعين وهم يرددون: "ما سوف يكون، سيكون. مهما كان ما سوف يحدث، سيحدث. نحن ذاهبون إلى ويمبلي، ما سوف يكون، سيكون".

وقد إقتبس الجمهور الإنكليزي هذه الكلمات من النسخة الكلاسيكية لأغنية "كي سيرا، سيرا"، التي كتب كلماتها جاي ليفنغستون وراي إيفانز عام 1956، وإضطلعت بغنائها دوريس داي في فيلم للمخرج ألفريد هيتشكوك حمل عنوان &"ذا مان هو نيو تو ماتش".

وهذه الأغنية التي فازت بجائزة الأوسكار عن فئة "أفضل أغنية أصلية"، والتي خلّدت إسم دوريس داي في أذهان العالم أجمع، لم تعجبها في بادئ الأمر. إذ لم ترغب في ان تغنيها لأنها كانت تبدو "أغنية خاصة بالأطفال"، وفقاً لما قاله ليفنغستون للمؤلف والصحفي بول زولو عام 1987، وهي شهادة ذكرها الأخير في كتابه "كتّاب الأغاني في تأليف الأغاني".

ووفقاً لما قاله ليفنغستون، أن دوريس داي "لم ترغب في أدائها، لكن ستوديو التسجيل أرغمها على ذلك. وإنتهت المهمة من خلال أول جلسة تسجيل قائلة: أنها المرة الأخيرة التي ستستمعون إلى هذه الأغنية". وكان يتحدث عن تلك اللقطة التي تظهر فيها داي، وهي تؤدي شخصية جو، والدة أسرة كونوي، وتغني لإبنها الذي يطرح أسئلة عن المستقبل، قبل أن يذهب إلى النوم.

في الواقع، دوريس داي، التي توفيت يوم الإثنين الماضي عن عمر ناهز 97 عاماً، لم تكن ترى أن الأغنية مناسبة للفيلم، حسب ما صرحت به في لقاءٍ كان أجري معها: "المرة الأولى التي أخبروني فيها أن الأغنية مدرجة ضمن أحداث الفيلم، فكرت: لماذا؟. رأيت أنها لا تتوافق وثيمة الفيلم. في أية مشاهد سيحشرونها؟ ولماذا؟. لم أعتقد أنها أغنية جيدة".

بين ليلة وضحاها تحولت "ما سوف يكون، سيكون" إلى ظاهرة غنائية عالمية, وقد أعربت الممثلة، بعد سنوات على ذلك، عن رأيها لأول مرة قائلةً: "أعتقد أنها كانت رائعة، لأنها إنتشرت بسرعة والفضل يعود إلى الأطفال. حينها، أدركتُ بأنها لإبننا (معها جيمس ستيوارت) في الفيلم. وأدركتُ أيضاً، رغم أنها ليست واحدة من أغنياتي المفضلة، إلاّ أن الناس والأولاد أحبوها كثيراً. كانت مثالية للفيلم".

إذا كان موقف دوريس داي الرافض لأداء أغنية "كي سيرا سيرا" غريباً، فقد &كان رأي ألفريد هيتشكوك في عدم إدراجها ضمن أحداث فيلمه، الأكثر غرابة. وحسب ما قاله مؤلف الأغنية جاي ليفنغستون، أن مخرج فيلم "الطيور"، كان قد دعاهم لمناقشة توزيع الأدوار في الفيلم. وبالنظر لشهرة وكالة ام سي آي القوية فقد أخبرته أنه "إذا كان يريد جيمي ستيوارت، عليه أن يضمّ دوريس داي إلى طاقم الفيلم. وقال هيتشكوك بما أن دوريس داي مغنية، فأنه سيكون بحاجة إلى أغنية. وأخبرهم عما ستدور كلماتها. سوف تتوجه في أغنيتها إلى طفل، وينبغي أن يكون عنوانها أجنبياً لأن جيمي ستيوارت يعمل بصفة سفير ويتنقل في مختلف أنحاء العالم".

المعنى والأصل

والأغنية، ربما بسبب من لحنها المفرح وصوت دوريس داي الملائكي، أصبحت مرادفاً لكل ما هو إيجابي، رغم أننا لو عدنا إلى أصولها ومعناها، فسنراها تدعو إلى ما هو مغاير لذلك تماماً. و"كي سيرا سيرا" نسخة من الجملة الإيطالية "جي سيرا سيرا" التي ظهرت بين طيّات العمل المسرحي "دكتور فاوستوس"، للكاتب المسرحي البريطاني كريستوفر مارلو، وكانت تستخدم في إنكلترا منذ منتصف القرن السادس عشر على الأقل. وتهدف الجملة إلى عدم قدرة الإنسان على التحكم بمصيره.

والغاية من الجمل الشعرية التي إحتوتها أغنية "كي سيرا سيرا"، كما عرفها هيتشكوك جيداً، كانت الإفتراض أن لا أحد يمكن أن يعرف بالتحديد ما سيحدث له في اليوم التالي، معنىً تمكنت دوريس داي الممثلة، بلا أدنى شك، من أن تخفف من حدّته، من خلال جمال أدائها الموسيقي الراقي.

&فيديو الأغنية

&