بقلم علاء جمعة – فنان تشكيلي

أنجز سلفادور دالي لوحة المسيح الشهيرة عام 1951، وتعتبر هذه اللوحة واحدة من أهم أعماله خلال مسيرته الفنية، وهي من مقتنيات متحف كيلفينغروف بمدينة غلاسكو ثاني أكبر مدن إسكتلندا بعد عاصمتها أدنبره.

قام متحف كيلفينغروف بشراء اللوحة بعد سلسلة مفاوضات قادها مدير المتحف، الذي تمكن في النهاية من الحصول على اللوحة مقابل 8200 جنيه إسترليني في عام 1952 مع جميع حقوق الطبع والنشر والتصوير. . بينما كان السعر المسجل للوحة والذي كان يطالب به دالي هو 12 ألف جنيه استرليني . . أما قيمتها الآن فلا تقدر بثمن، فقد رفض المتحف عرضًا بقيمة 80 مليون جنيه إسترليني من الحكومة الإسبانية مقابل اللوحة قبل سنوات.

من الجدير بالذكر عندما أراد المتحف شراء اللوحة عام 1952 أثير الكثير من الجدل والاحتجاجات من قبل سكان مدينة غلاسكو، لان المدينة كانت تعاني من الفقر وقلة الخدمات وأزمة سكنيه وكان التقشف في كل مفاصل المدينة بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية اوزارها، واعتبر شراء اللوحة نوع من البذخ الغير مبرر وهدرا للمال العام . . وحقيقة الأمر أن الأموال التي دفعها المتحف لشراء اللوحة جمعها من نشاطات ومعارض قام بها على مداى أكثر من ثلاثين عام وليس من أموال الدولة أو أموال الحكومة المحلية. . أما الآن وبفضل هذه اللوحة يأتي إلى المدينة عشرات الألف من الزوار سنويا لرؤية لوحة المسيح في المتحف، وتشير الإحصائيات التي أجريت بخصوص زوار المدينة خلال العقود المنصرمة إلى توافد ملايين السائحين من أوربا والولايات المتحدة لزيارة المتحف لرؤية اللوحة، مما عاد بالنفع على قطاع السياحة في هذه المدينة الكئيبة ذات المناخ الممطر على مدار السنة.

كان دالي يستلهم من كوابيسه وأحلامه لرسم مواضيع لوحاته، ووأحد من تلك الأحلام رأى فيها المسيح على الصليب فوق المناظر الطبيعية لمنزله في بورت ليغات في كاتالونيا شمال إسبانيا . . حيث استلهم من هذا الحلم مشهد اللوحة بعد أن تكرر مرة ثانية بتفاصيل أكثر، رسم المسيح معلقا على الصليب في سماء مظلمة فوق الماء وتحته قارب وصيادين. . على الرغم من أن اللوحة تصور مشهداً للصلب المسيح إلا أن يديه كانتا خاليتين من المسامير والدماء ولا وجود لتاج

الشوك الذي يضعه الرسامين عَادَتَا على رأس السيد المسيح في جميع لوحات الصلب، لأن دالي أراد أن يكون المسيح جميلا مختلفا كما شاهده في الحلم.

استخدم دالي لرسم المسيح موديلا كان يعمل ممثل سينمائي وبديل (رجل ألعاب بهلوانية من هوليود) يدعى راسل سوندرز، وقام بربطه برافعة جسرية حتى يتمكن من رؤية تأثير سحب الجاذبية على جسده، مستخداما النظريات الرياضية لحساب نسب اللوحة. . لذلك يرى دالي نفسه في هذه اللوحة كأول فنان يرسم لوحة يمكن أن تجمع بين العلم والمعتقد الديني والذي سمي بالتصوف النووي، وهذة النظرية بنيت على إظهار العلاقة بين فيزياء الكم والعقل الواعي . . وبشكل ادق تعني عليه أن يجمع بين الصور الشبيهة بالحلم والأشكال بتقنية ذات طاقة من أجل خلق منظر طبيعي سوريالي.

أستخلص الباحثون بأن دالي كان مفتونًا بالنظرية النسبية لأنها طرحت فكرة الواقع الذي لا يمكن اختزاله في اتجاه واحد - (الزمكان) الثابت - والذي يدمج بالأبعاد المكانية الثلاثة مع بعد زمني رابع، بمعنى آخر يؤدي دمج النسبية الخاصة مع قوانين الفيزياء الأخرى إلى التنبؤ بتكافؤ الكتلة والطاقة. . ولذلك رأى دالي تقاربًا بين الأعمال غير المرئية للعقل والآليات غير المرئية للجسيمات دون الذرية، وهي مقارنة أصبحت أساس نظريته عن التصوف النووي والتي اعلنها عام 1951 في نص البيان الصوفي النووي والتي على أساسها رسم لوحة المسيح.