بمناسبة مرور خمسة أعوام على رحيله، خصصت مجلة "لوبس الأسبوعية" ملفًا عن الفيلسوف الفرنسي كليمان روسي(Clément Rosset) المولود عام1930 والمتوفي عام2018، والذي اشتهر بقولٍ لخص فلسفته كلها :"كونوا على يقين أن كل شيء ليس على ما يرام".
وتقول أدال فان ريث، مديرة "فرانس أنتير": لم يحظ كليمان روسي بالاعتراف الأكاديمي الذي يستحقه بسبب نوع من التعالي الأكاديمي الفرنسي الذي تعوّد على تهميش من هم أقل كلاسيكية. لذلك لم يُسمَح له بأن يدرّس في أي واحدة من الجامعات والمعاهد الكبيرة. أما الآن فإن هناك اقبالا هائلا على أفكاره الفلسفية.
وكان كليمان روسي ينفر من الأضواء، ويتحاشى دائما الاقتراب منها. وكان يحب جبن الـ Camembert موتزارت، ويكره النقاشات الفلسفية، وفلاسفة المناهج الكبيرة مثل كانط، وهيغل.
وفي مجمل أعماله هاجم كليمان روسي الإيديولوجيات بجميع أصنافها، معتقدًا أنه يجب الحذر من كل إنسان مثل كارل ماركس، أو لينين، ينتصب أمام الناس ليؤكد لهم أنه قادر على أن يجعل حياتهم أفضل. وهو يضيف قائلا بإن العباقرة المصابين بـ"فيروس الخير" هم الأشد خطرًا على البشرية. واليوطوبيات عبر مختلف مراحل التاريخ كانت سببا في العديد من الكوارث عوض أن تصلح أوضاع المجتمعات. واليوم يمكن اعتبار العولمة يوطوبيا جديدة. والمساندون لها يكررون على المستوى السياسي أفكار أفلاطون الذي كان يُفَضّلُ الأفكار على الأشياء الملموسة. أو هم يصرخون مثل بودلير: "في أيّ مكان...في أيّ مكان...شرط أن يكون هذا المكان خارج العالم". لكن ليس عند هؤلاء سوى الأوهام إذ أن السعي لتغيير عالم سيء بعالم أفضل فكرة عبثية وحمقاء. لكن هذا لا يعني أن كليمان روسي مناهض للتقدم. فالواقعيّ في السياسة لا يعني أن يكون رجعيًا أو محافظًا. وهو يعتبر أن الواقع هو الأساس الذي لا مفرّ منه، ولا غنى عنه. انطلاقا منه نحن نعمل، ونفكر، وليس انطلاقا من مفاهيم تجريدية غامضة.
ويقرّ كليمان روسي بـ"موهبة" ميشال فوكو الفلسفية لكنه لا يتفق معه فيما يتعلق بنقده لعنف البورجوازية، ولعلاقات الهيمنة التي تمارس في المدارس، وفي المستشفيات، وفي السجون. كما أنه يعارض فتنة فوكو بالمجانين، ويرفض فكرته التي تقول بإن الأطباء هم الذين ابتكروا الجنون. بل أن فوكو كان يناقض نفسه بنفسه. ومرة كانت هناك سيدة تعاني من مرض نفسيّ حاد. وكانت تحضر دروسه، وتكتب له الرسالة تلو الأخرى، وتلاحقه في الشارع، وفي المقاهي والمطاعم التي كان يتردد عليها. وعندما تمكن من التخلص منها بطريقة لم يرغب في الإفصاح عنها، أخذت تلك السيدة تمارس الضغوط ذاتها على كليمان روسي. فلما اشتكى أمرها لميشال فوكو ، نصحه هذا الأخير قائلا: "في حالة كهذه... ليس هناك سوى طريقة واحدة وهي أن تشتكي أمرها للشرطة".
ويقول كليمان روسيه بأن مفهومه الخاص للعمل الفلسفي يقوم على عدم معالجة قضايا تتصل باللحظة الراهنة إذ أن الفلسفة بالنسبة له منذ جذورها الأولى الصينية، والهندية، والإغريقية لم تكن بأي حال من الأحوال مرتبطة بالواقع السياسي الراهن، ولا بما هو يومي، وعابر. إن مهمة الفلسفة بالنسبة لكليمان روسي هي معالجة القضايا التي ليس لها ارتباط بالظروف، وإنما بمسائل ورهانات أكثر عمقًا، ولها صلة بالوضع الإنساني، وبكينونة الأشياء بصفة عامة.
وفي مجمل مؤلفاته هو تطرق إلى مثل هذه المسائل المستمدة من ما يسمى بـ"الفلسفة الأولى". والهدف الأساسي لهذا الفلسفة لا يكمن في تحقيق الرقي المادي السريع، وإنما في توفير المزيد من الأنوار، والحصول على معرفة أفضل للإنسان، وللأشياء.
التعليقات