الحالة العراقية وأثرها على الاقتصاد الأردني(1/3)

تشكل ما بين 5.5% إلى 7.5%
الآثار الاقتصادية والاجتماعية للجالية العراقية في الأردن



عصام المجالي من عمّان

رصدت الجمعية العلمية الملكية شبه الرسمية ومؤسسة فريدريك ايبرت الألمانية / مكتب عمّان في 8 دراسات ، تأثيرات واحدة من التطورات الإقليمية الهامة ألا وهي التطورات الجارية في العراق، وتأثيرها على الاقتصاد الأردني حيث لا يخفى على أحد عمق العلاقات بين البلدين الجارين، وبالتالي مدى التأثير الذي يمكن أن تحدثه الأحداث الجارية في العراق على الاقتصاد الأردني.

وبدأت الجالية العراقية بالتزايد خلال عقد التسعينيات في ظل الحصار الاقتصادي الدولي الذي فرضته الأمم المتحدة على العراق، وكان قدوم العراقيين إلى الأردن لغايتين: العمل والاستقرار، والغاية الثانية محطة عبور للهجرة إلى دول العالم المختلفة بحثا عن الفرص الأفضل.

وبحكم الجوار الجغرافي بين البلدين، فقد تواجدت جالية عراقية في الأردن وجالية أردنية في العراق، وان اختلفت طبيعة الجاليتين، فبينما كان يغلب على الجالية الأردنية في العراق الطلبة والسائقين كانت الجالية العراقية أكثر تنوعا فمن طالب للعلم إلى طالب للعمل أو للجوء السياسي في دول العالم الأخرى وهلم جرا.

لكن الوجود العراقي لم يأخذ الطابع الواضح كجالية كبيرة ومميزة إلا بعد حرب الخليج الأولى عام 1990، وما تلاها من عقوبات اقتصادية فرضت على العراق فكان الأردن الرئة التي تنفس منها العراق بلدا وشعبا وتوافدت أعداد كبيرة من العراقيين إلى الأردن.


أما عن عدد العراقيين المقيمين في الأردن، فكان ولا يزال، رقما صعب التقدير، حيث يدخل إلى الأردن آلاف العراقيين سنويا، يبقى منهم من يبقى، ويهاجر إلى بلاد العالم المختلفة من يهاجر عدا عمن يدخل بوسائل غير مشروعة.

وتشير بيانات الإحصاءات العامة الأردنية انه وفي عام 2003، على سبيل المثال فقد بلغ عدد العراقيين القادمين 370986 عراقيا، ومجموع المغادرين 343868، بمعنى أن 27118 عراقيا قد بقوا في الأردن، وأضيفوا إلى العراقيين المتواجدين في الأردن، بينما في عام 2004، فبلغ مجموع القادمين من العراق 204020 عراقيا، والمغادرين 20087، وبالنسبة للمقيمين فلا تظهر الأرقام الرسمية إلا أولئك المسجلين في سجلات الأمن العام و الحاصلين على إقامات رسمية (في عام 2004 قدر عددهم بحوالي 11754 عراقيا فقط). أو المسجلين كعمال بتصاريح عمل في سجلات وزارة العمل، وهم لا يمثلون إلا نسبة ضئيلة من مجموع العراقيين في الأردن.


ومنذ الإطاحة بالنظام السابق، يمكن ملاحظة بعض التغيير على تركيبة الجالية العراقية المقيمة في الأردن، فقد عاد عدد لا بأس به من العراقيين المقيمين في الأردن إلى العراق خاصة أولئك الذين خرجوا لأسباب سياسية، والذين قدموا بحثا عن فرص عمل كعمال غير مهرة، بينما قدم إلى الأردن الكثير من العراقيين الأثرياء طلبا للأمن والاستقرار، ومن العراقيين المغتربين في دول العالم المختلفة سعيا للاستفادة من الفرص الاقتصادية الناشئة في العراق مع عملية إعادة الإعمار، ونتيجة لعدم توفر الاستقرار الأمني في العراق فكان من الطبيعي أن يلجئوا إلى الاستقرار بعائلاتهم في الأردن حيث الأمن والأمان والمدارس والجامعات المناسبة، ويباشروا بإنشاء خطوط اتصال لهم في العراق.


وتقدر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عدد العراقيين في الأردن بما يتراوح ما بين 200 -300 ألف شخص، وتشير تقديرات أخرى إلى أن عددهم يتراوح ما بين 300- 400 ألف عراقي، أي ما نسبته 5.5- 7.5 % من مجموع السكان، وهي نسبة مرتفعة خاصة إذا ما أضيف إليها الجاليات العربية والأجنبية الأخرى المقيمة في المملكة.

وأكدت إن وجود جالية عراقية بهذا الحجم في الأردن لا بد وان يكون له انعكاسات وآثار اقتصادية واجتماعية على المجتمع الأردني و الاقتصاد الأردني، إن كان ذلك على المستوى الكلي، أو الجزئي، ومن أهم هذه الآثار التأثير على سوق العمل وزيادة الاستهلاك (الاستيراد) ورفع المستوى العام للأسعار (تضخم) وزيادة معدلات الاستثمار ونشاط قطاع النقل (البري والجوي) وزيادة أسعار العقارات وزيادة الضغط على الموارد المحدودة، خاصة الطاقة والمياه وتأثيرات اجتماعية وأمنية مختلفة.

سوق العمل

إن أول المتأثرين بالجالية العراقية هو سوق العمل الأردني، فمن المعروف أن سوق العمل في الأردن تميز على الدوام بكونه سوقا للعمالة ومستوردا لها في آن وحد، فهو مصدر للعمالة المؤهلة والمدربة إلى دول الخليج العربي بالدرجة الأولى، ومستقبلاً للعمالة غير الماهرة من مصر وسوريا وبعض البلاد الآسيوية.

وأدى تكون الجالية العراقية في الأردن خلال عقد التسعينات من القرن الماضي إلى إيجاد منافسة كبيرة في سوق العمل الأردن وكان لها آثار إيجابية وسلبية، فمن جهة الآثار الإيجابية، تمتع الأردن، بوجود وفرة من الأيدي العاملة الماهرة وعالية التدريب وبتكاليف معتدلة خدمت الاقتصاد الأردني في شتى القطاعات، أما في الجانب السلبي، فالعمالة العراقية القادمة إلى الأردن نافست العمالة الأردنية في المجالات التي تحتاج إلى مؤهلات وإمكانيات بسبب انخفاض تكلفتها مقارنة بالبديل الأردني.

وشهد سوق العمل الأردني تواجدا كبيرا للعراقيين كأساتذة في الجامعات الخاصة التي انتشرت في الأردن وفي المستشفيات الخاصة كذلك، وشهدنا تواجدا للعمالة العراقية في بعض الصناعات الهندسية بسبب الخبرة المتراكمة لدى العراقيين في مثل هذه الأعمال. ومن جهة أخرى نافس العراقيون العمالة العربية القادمة من مصر وسوريا على الوظائف والأعمال اليومية العادية.

ولا شك أن في وجود هذا العدد الكبير من طالبي العمل من العراقيين قد ساهم في زيادة نسبة البطالة في الأردن، أو على الأقل حد من جهود تخفيضها بشكل ملموس، وقد شهدنا خلال الأعوام الماضية قضية حملة الدكتوراه الأردنيين الذين ترفض الجامعات الرسمية والخاصة تعيينهم بسبب توفر البديل من الأساتذة العرب عامة والعراقيين خاصة. ومن الآثار السلبية لوجود العمالة العراقية تخفيض معدلات الأجور بسبب زيادة المنافسة على الوظائف المتوفرة.

زيادة الاستهلاك
وأدى وجود هذا العدد الكبير من العراقيين إلى زيادة مستويات الاستهلاك في الأردن، ونظرا لضعف القاعدة الإنتاجية في الأردن، فإن زيادة الاستهلاك تؤدي بالضرورة إلى زيادة معدلات الاستيراد، وبالتالي إلى زيادة العجز في الميزان التجاري، وتؤدي إلى ضغط متزايد على ميزان المدفوعات.


وتشير البيانات الرسمية إلى زيادة معدلات الاستهلاك الخاص في الأردن من 3045.9 مليون دينار عام 1995 إلى 5198.4 مليون دينار عام 2002، أي بنسبة زيادة تقدر بحوالي 70%. بينما ارتفع الإنفاق الاستهلاكي الحكومي خلال نفس الفترة بنسبة 39% فقط (من 1111.3 مليون دينار إلى 1541.6 مليون دينار). وكنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، فبينما تراوحت معدلات الإنفاق الاستهلاكي الحكومي خلال نفس الفترة ما بين 23 ndash; 25%، فقد ارتفعت نسبة مساهمة الإنفاق الاستهلاكي الخاص من 64.6% عام 1995 إلى 77.6% عام 2002.


وتقدر دراسة نفقات ودخل الأسرة 2002/2003 والتي أجرتها دائرة الإحصاءات العامة معدل الإنفاق السنوي للفرد في الأردن بحوالي 913 دينارا، منها 385 إنفاق على سلع غذائية، و 528 دينار إنفاق على سلع غير غذائية (بأسعار 1997)،وإذا ما افترض أن معدل استهلاك الوافد من السلع الغذائية يساوي مثيله لدى المقيم بينما يستهلك الوافد نصف معدل استهلاك المواطن من السلع غير الغذائية (كتقدير متحفظ)، فيمكن القول أن معدل الاستهلاك السنوي للفرد العراقي المقيم، في الأردن لا يقل عن 649 دينار سنويا أو ما يتراوح ما بين 197.7 مليون دينار إلى 259.6 مليون دينار لكامل الجالية العراقية في الأردن سنويا.

وبما أن نسبة كبيرة من المواد المستهلكة في الأردن هي أما سلع مستوردة من الخارج، أو سلع تصنع محليا ولكن بمحتوى استيرادي كبير (الطاقة ومدخلات الإنتاج السلعية الأخرى)، يمكن تلمس تأثير هذه الجالية العراقية على زيادة مستوردات الأردن، وبالتالي زيادة عجز الميزان التجاري في الأردن.

رفع المستوى العام للأسعار (التضخم)

وتشير بيانات البنك المركزي الأردني إلى ارتفاع الرقم القياسي لأسعار المستهلك في الأردن من 104.4 نقطة عام 2000 إلى 114.5 نقطة عام 2004 (1997=100)، وبدأ وبعد فترة من الاستقرار في معدلات التضخم الرقم القياسي بالارتفاع اعتبارا من عام 2003، وبالطبع فإن الجالية العراقية ليست المسئولة المباشرة عن هذا الارتفاع وإنما كان لها مساهمة في ذلك بفعل إسهامها في زيادة الطلب الكلي في الاقتصاد الأردني. أما الأسباب المباشرة لارتفاع الأسعار فهي الزيادة التي طرأت على ضريبة المبيعات، ورفع أسعار المحروقات، وارتفاع سعر صرف اليورو، وأزمة النقل في ميناء العقبة، وتطبيق برنامج ضمان من قبل مؤسسة المواصفات والمقاييس والارتفاع الكبير في أجور الفحوصات من قبل الشركة الفرنسية المكلفة بتطبيق البرنامج.

زيادة معدلات الاستثمار

كان للتطورات الأخيرة في العراق تأثير على حركة الاستثمار في الأردن حيث بدأت حركة نشطة لشراء العقارات م قبل العراقيين الراغبين في الاستقرار في الأردن بعيدا عن الاضطرابات وحالة عدم الاستقرار الأمني في العراق، إضافة إلى قدوم كثير من الشركات والمؤسسات الدولية وافتتاح مكاتب تمثيل لها في الأردن بهدف الاستفادة من فرص إعادة إعمار العراق، هذا وسوف يتم بحث تأثير الحالة العراقية على الاستثمار في الأردن في الورقة الثانية من هذه الدراسة.


نشاط قطاع النقل

وأدت التطورات في العراق إلى زيادة كبيرة في حركة النقل بين البلدين، حيث لم تعد هناك قيود من أي نوع فعلى صعيد نقل الركاب فقد خرج الكثير من العراقيين باتجاه الأردن بحثا عن العمل والأمن سواء في الأردن أو في الدول الأخرى.

كما بدأت حركة معاكسة حيث عاد الكثير من العراقيين المقيمين في الأردن، أو الدول الأخرى عبر الأردن إلى العراق، وبالتالي نشطت حركة نقل الركاب برا وجوا حيث بدأت شركات الطيران الأردنية، وفي مقدمتها الملكية الأردنية، بتسيير خطوط منتظمة إلى مطارات بغداد والبصرة والشمال العراقي. أما النقل البري فمن الدلائل على ازدياد نشاطه زيادة عدد الحافلات الداخلة والخارجة من حدود الكرامة رغم مشاركة وسائط النقل العراقية، فعلى سبيل المثال بلغ عدد الحافلات الداخلة للأراضي الأردنية من مركز حدود الكرامة (الرويشد) عام 2003 حوالي 2438 حافلة، منها حوالي 1118 حافلة أردنية، و1317 حافلة عراقية. وبلغ عدد الحافلات المغادرة إلى العراق في نفس العام حوالي 2957 حافلة، منها 1112 حافلة أردنية 1843 حافلة عراقية.

زيادة الضغط على الموارد الطبيعية المحدودة

ويتجلى موضوع اختلال التوازن بين السكان والموارد في أوضح صوره في مسألتي المياه والطاقة، فالأردن يعتبر من أفقر دول العالم من حيث معدل حصة الفرد من المياه، أما بالنسبة للطاقة فالأردن يعتمد اعتمادا شبه كلي على مصادر الطاقة المستوردة لتلبية حاجاته المتنامية، وبعد ما حدث في العراق، أصبح لزاما على الأردن تحمل كلفة مالية ضخمة وبالعملة الصعبة مقابل وارداته من النفط.

المياه
ونظرا لبعد مصادر المياه المتوفرة عن التجمعات السكانية القائمة ومراكز الطلب، تصل الكلفة الحدية للمياه في الأردن إلى مستويات عالية جداً قياساً بالمعايير الدولية. كما أن الاستثمارات في مشاريع المياه والصرف الصحي تكلف الكثير أيضاً وستستمر في التزايد ويمثل استبدال شبكات المياه القديمة تحدياً كبيراً على الصعيدين الفني والمالي. وتتضاءل موارد المياه الإضافية التي يمكن استغلالها.


وكمثال مبسط على الضغط الذي تمثله الجالية العراقية قدرت الدراسة استهلاك هذه الجالية من المياه على النحو الآتي: تقدر إستراتيجية المياه في الأردن والصادرة عن وزارة المياه والري، حصة الفرد من المياه (للأغراض البلدية) بحوالي 57 م3 في السنة (156 لتر للفرد في اليوم)، وعلى هذا الأساس، وإذا ما قدر عدد العراقيين في الأردن بحوالي 300 ألف مقيم، فان ذلك يعني أنهم يستهلكون حوالي 46.3 مليون متر مكعب من المياه سنويا، وهي كمية ليست بالقليلة، أما عن الكلفة المالية التي تتحملها الدولة لتوفير هذه الكمية من المياه فسنقدرها اعتمادا على تقديرات دراسةWater Resources amp; Their Economics in Jordan والتي قدرت تكلفة المياه للأغراض المنزلية بما يتراوح ما بين 565 فلس/ م3 إلى 1247 فلس م3 ، وعليه فيمكن أن تقدير بصورة أولية وبافتراض نفس كمية الاستهلاك بين المواطن والوافد أن كلفة المياه المستهلكة من قبل الجالية العراقية بما يتراوح ما بين 26.1 مليون دينار إلى 57.7 مليون دينار سنويا.

الطاقة

وتمثل الطاقة تحديا كبيرا للاقتصاد الوطني حيث يستورد الأردن حوالي 98% من الطاقة المستهلكة. وارتفعت فاتورة الطاقة لتتجاوز المليار دولار سنويا وفي ظل الأسعار الراهنة للنفط فان الفاتورة مرشحة للارتفاع من جديد وبما يتجاوز 1.5 مليار دولار سنويا على اقل تقدير، وقد تلقى الأردن خلال السنوات الماضية دعما مهما ساعده في تحمل أعباء هذه الفاتورة الضخمة عبر ترتيبات البروتوكول التجاري مع العراق في الماضي ومن ثم المساعدات الأميركية بعد الإطاحة بالنظام العراقي السابق ومن خلال المنحة النفطية المؤقتة التي حصل عليها الأردن من دول السعودية والإمارات والكويت.


وأكدت الدراسة انه لمعرفة تأثير وجود الجالية العراقية على الفاتورة النفطية في الأردن لا بد من معرفة توزيع استهلاك الطاقة في الأردن حيث أن العراقيين في الأردن يزيدون الطلب على الطاقة الكهربائية الموردة للمنازل ويزيدون من طلب قطاع النقل على الطاقة.


وبالنسبة للتوزيع القطاعي لاستهلاك الطاقة النهائية في الأردن، يمكن القول أنه لم يطرأ تغير يذكر على هيكل الاستهلاك خلال السنوات الخمس الماضية رغم تغير الظروف السياسية والاقتصادية المحيطة في الأردن. حيث أن قطاع النقل يستهلك زهاء 38% من مجمل استهلاك الطاقة في الأردن يليه كل من القطاع المنزلي وقطاع الصناعة بنسبة 23%. أما النسبة الباقية والمقدرة بنحو 18% فيتم استهلاكها لإنارة الشوارع وفي قطاعات الزراعة والخدمات.

تكلفة الطاقة الاقتصادية
وتعتبر الطاقة من أعلى عناصر الإنتاج كلفة على الاقتصاد الوطني الأردني، فبالإضافة لاستيراد مصادرها من الخارج وامتصاصها لفوائض العملات الأجنبية لتمويلها، فإن نسبة الطاقة في الإنتاج تعتبر مرتفعة جدا إذا ما قورنت بمثيلاتها على مستوى العالم؛ ففي عام 2003 بلغت واردات الأردن النفطية 764 مليون دينار أو ما نسبته 10.9%، 49.1%،و50.9% من الناتج المحلي الإجمالي، الصادرات الوطنية، وصافي تحويلات العاملين في الخارج على.


وقالت الدراسة أن تكلفة الطاقة بالنسبة للاقتصاد العالمي لا تتعدى ربع مثيلاتها في الأردن، ففي الوقت الذي استحوذت به مستوردات الطاقة الأردنية على زهاء 17.1% من الناتج المحلي الإجمالي الأردني خلال الفترة 1981-1984، لم تتعدى هذه النسبة على مستوى العالم 6% خلال الفترة ذاتها.

وتجدر الإشارة إلى أن تدني نسبة كلفة الطاقة على الاقتصاد الأردني خلال الأعوام 1999-2002 كانت مرتبطة بالمنحة النفطية التي كان الأردن يتلقاها من العراق، وبالتالي فإن تلك النسبة تغدو مرشحة للزيادة الحادة خلال الأعوام المقبلة لاعتبارات ترتبط بعدم وجود منح نفطية وتزايد أسعار النفط بنسب كبيرة. من هنا يمكننا التنبؤ بنتائج كارثية على الاقتصاد الأردني إذا ما استمر الوضع على النحو السائد.


وبالنسبة لأثر الجالية العراقية في زيادة استهلاك الطاقة فيمكن أن نقدر استهلاكها من الطاقة كما يلي: تشكل الجالية العراقية كما أسلفنا ما يتراوح ما بين 5.5% إلى 7.5% من عدد السكان وبما أن القطاع المنزلي في الأردن يستهلك حوالي 23% من مجمل الطاقة المستهلكة في الأردن أي ما يعادل 239.7 مليون دينار، فيمكن القول بأن الجالية العراقية تستهلك أيضا 5.5% إلى 7.5% من هذا الرقم أي حوالي 13.2 ndash; 18 مليون دينار سنويا باعتماد أرقام 2004.

ويضاف إلى ذلك حصة هذه الجالية من استهلاك قطاع النقل من الطاقة والذي يقدر بما يتراوح ما بين 21.8 مليون دينار إلى 29.7 مليون دينار سنويا، أي أن مجمل استهلاك الجالية العراقية من الطاقة في الأردن يقدر بحوالي 35 مليون إلى 47.7 مليون دينار وهذه الأرقام باعتماد أسعار الطاقة كما هي في عام 2004، ويمكن مضاعفة هذه التقديرات بعد المستوى المرتفع الذي وصلته أسعار النفط لتصل إلى ما يتراوح ما بين 70-90 مليون دينار سنويا على الأقل (98.6 مليون دولار إلى 126.8 مليون دولار) كلها سيستوردها الأردن بالعملة الصعبة الأمر الذي سيزيد من أعباء ميزان المدفوعات ويزيد من الضغط على احتياطيات العملات الصعبة في الأردن.

زيادة الضغط على البنية التحتية والخدمات والمرافق العامة

إن مما لا شك فيه أن وجود هذا العدد الكبير من العراقيين في الأردن لا بد وان يخلق ضغوطا على البنية التحتية والخدمات والمرافق العامة في الأردن، فهذه الجالية بحاجة إلى السكن والعلاج وتعليم الأبناء. وفي هذا المجال يمكن أن نقسم الجالية العراقية إلى قسمين القسم الأول وهو القسم المقتدر ماليا من المستثمرين ورجال الأعمال وأصحاب الكفاءات العليا كأساتذة الجامعات والأطباء وهم الذين لا يمكن اعتبارهم أعباء بقدر اعتبارهم زبائن أو مستهلكين لخدمات المدارس والجامعات والمستشفيات الخاصة ويساهمون بالتالي من خلال إنفاقهم في زيادة الناتج المحلي في الأردن أما القسم الآخر فهم الفئات الأقل حظا خاصة العمال غير المهرة وهم الذين يشكلون الضغط الفعلي على الخدمات العامة فهم بحاجة إلى الالتحاق بالنظام التعليمي الحكومي وهم الذين يراجعون المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية بحثا عن العلاج.


التأثيرات الأمنية

تعتبر المسائل الأمنية من أكثر الانعكاسات المتوقعة عند نشوء جالية كبيرة من غير السكان الأصليين وتخلق تعقيدات أمنية كبيرة للجهات المعنية، لقد عانى الأردن في عقد التسعينات جراء عودة الأردنيين المغتربين بعد حرب الخليج من بعض الانعكاسات الأمنية خاصة بروز ظواهر جرمية غريبة عن المجتمع الأردني فما بالك بوجود جالية عراقية لها امتداد على الساحة العراقية التي تشهد حالة من الانفلات الأمني، وفي بلد مثل الأردن يعتبر الاستقرار أحد الدعامات الأساسية التي يقوم عليها المجتمع والاقتصاد، فأي تهديد للأمن سيكون له انعكاسات سلبية جدا على الاقتصاد خاصة حركة الاستثمار، والسياحة، وتكاليف النقل البحري والجوي التي يمكن أن ترتفع بفعل زيادة تكاليف التأمين.

كما أن المحافظة على الأمن والاستقرار لها كلفة اقتصادية كبيرة تتمثل بضرورة تخصيص موارد كبيرة للأجهزة الأمنية سواء أكانت موارد بشرية أو مادية وللحفاظ على الأمن في ظل وجود هذا العدد الكبير من العراقيين وغيرهم من الجاليات الأجنبية فأن الأجهزة الأمنية تجد نفسها مضطرة إلى العمل المتواصل والسهر الدائم وزيادة الموارد والأمانات المخصصة للحفاظ على أمن الوطن.

وتشير بيانات النفقات العامة للحكومة أن الأردن خصص عام 2003 حوالي 629 مليون دينار لإغراض الدفاع والأمن أي ما يعادل 24% تقريبا من مجمل الإنفاق الحكومي لذلك العام. أو ما يعادل 9% تقريبا من الناتج المحلي الإجمالي. وبلغت مخصصات الأمن العام(الإنفاق الجاري) تحديدا حوالي 159.7 مليون دينار عام 2003 ارتفعت إلى 173 مليون دينار عام 2004 وتقدر للعام 2005 بحوالي 188 مليون دينار أي بزيادة حوالي 18% في عامين فقط. بينما بلغت نسبة الزيادة في النفقات الحكومية الجارية لنفس الفترة حوالي 14.6% فقط.

لذلك يغدو الحديث عن ضبط أمور هذه الجالية وتخفيض أعدادها مطلبا ملحا للحفاظ على الأمن العام في هذا البلد وللتخفيف من الأعباء الجسيمة الملقاة على كاهل الأجهزة المختصة.

مشاكل مع دول العالم بالنسبة للهجرة غير الشرعية

أدى اعتماد الأردن كمحطة عبور من قبل العراقيين إلى الدول الأخرى إلى تعقيدات وإشكاليات بالنسبة لتعامل الملكية الأردنية تحديدا مع العراقيين، حيث سادت لفترة من الزمن بعض الممارسات من قبل العراقيين كمحاولة تزوير تأشيرات الدخول إلى الدول الأجنبية، أو التوجه إلى هذه البلاد دون تأشيرة من الأساس طلبا للجوء السياسي، وهذه الممارسات أدت إلى قيام كثير من الدول الأجنبية باتخاذ إجراءات وقائية زادت من تعقيد حركة النقل الجوي من الأردن.

مستقبل الجالية العراقية في الأردن
وأكدت الدراسة إن مستقبل الجالية العراقية في الأردن يعتمد على عاملين أساسيين:العامل الأول وهو السياسة الرسمية للدولة الأردنية وموقفها من هؤلاء العراقيين ومدى تشددها أو تساهلها في تنظيم وجودهم على الأراضي الأردنية من خلال إجراءات وزارتي الداخلية والعمل من حيث الإقامات وتصاريح العمل. العامل الثاني وهو تطورات الأوضاع في العراق خاصة استكمال عملية تسلم العراقيين للسيادة على بلدهم ومواردهم وجلاء القوات الأجنبية ومن ثم مدى النجاح في فرض الأمن والاستقرار والتقدم الذي يمكن إحرازه في عملية إعادة الإعمار في العراق.


وبالنسبة للعامل الأول، فمن المعروف أن الأردن كان على الدوام ولأسباب إنسانية في الدرجة الأولى عنصرا أساسيا في التخفيف من معاناة الآخرين من جيرانه كلما حدثت أزمات أو اضطرابات في المنطقة، فالأردن الذي عايش القضية الفلسطينية منذ البدايات كان الملاذ الآمن للفلسطينيين ومن بعدهم السوريين واللبنانيين وأخيرا العراقيين، ولكن تحمل الأردن أعباء هائلة نتيجة هذه الزيادات المتتالية في عدد سكانه، خاصة في ظل شح الموارد الطبيعية، ولن يستطيع الأردن تحمل المزيد دون دعم دولي كبير، وبالتالي فالمتوقع لجوء الحكومة إلى اتخاذ إجراءات تنظيمية تحد بموجبها من أعداد العراقيين المقيمين بصورة غير شرعية في الأردن.

أما بالنسبة للعامل الثاني، فمما لا شك فيه أن أهم عامل يدفع بالعراقيين للخروج من العراق إلى الأردن والى أية دولة أخرى هو عامل انعدام الأمن، فإذا ما نجحت الحكومة القادمة في العراق في السيطرة على زمام الأمور وضبط الأمن فإنها بذلك تمهد الطريق لعودة العراقيين من الخارج وبخاصة المستثمرين الذين يرغبون في المساهمة في إعادة إعمار بلدهم العراق.

وأوصت الدراسة بالعمل على ضبط وتنظيم وتصحيح أوضاع العراقيين المقيمين في الأردن وحسب القوانين السارية ويفضل اتخاذ هذه الإجراءات بالتشاور والتعاون مع الحكومة العراقية المقبلة كون الأردن لا يستطيع احتمال كل الانعكاسات الناتجة عن وجود جالية عراقية بهذا الحجم. واتخاذ كل ما يلزم من إجراءات لتسهيل عبور العراقيين والجنسيات الأخرى عبر الأردن إلى أي بلد ثالث، أو دخول البلاد لغرض السياحة أو العلاج.

وأكدت أهمية تقديم كل التسهيلات الممكنة للمستثمرين العراقيين (وغيرهم من المستثمرين) فيما يتعلق بشروط بالإقامة والتنقل، وأنه من الضروري للقطاع الخاص في الأردن وخاصة الشركات الصناعية المصدرة للعراق الاستفادة من الجالية العراقية الموجودة حاليا في المملكة لإقامة تحالفات وشراكات اقتصادية تسهل من عملية دخول السلع الأردنية وتوزيعها في السوق العراقية، واتخاذ إجراءات من شأنها الحد من استقرار غير الأردنيين بشكل عام في الأردن وتقليل أعدادهم ما أمكن.