غسان الكتوت من نابلس: صرح الدكتور حسن أبو لبدة رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لسوق فلسطين للأوراق المالية، أن مؤشر القدس في سوق فلسطين ما زال في طليعة مؤشرات أسواق المال العربية وقد استأثر بأكبر نسبة نمو على مستوى الأسواق العربية منذ بداية العام الحالي بلغت 12في المية.
وقال د. أبولبده في لقاء خاص مع quot;القدسquot; انه بشكل عام فان الشهر الأول من أداء البورصة الفلسطينية في العام الجاري 2008تمثل في تصدر مؤشر القدس جميع مؤشرات الأسواق العربية، وهذا بحد ذاته مطمئن ونأمل أن نتمكن فعلا من استرداد كافة خسائر عام 2007 وجزء هام من خسائر عام 2006 حيث انه إذا استمر هذا النشاط وتفاعل المستثمرون من داخل فلسطين وخارجها، فمن الطبيعي أن نتوقع تحقيق نمو لا بأس به في مؤشر القدس يعوض المستثمرين عن كامل خسائر العام الماضي وجزء من خسائر العام 2006.
وأعرب د. أبولبده عن أمله بان يحقق هذا المؤشر نموا معقولا ينافس النمو المتوقع في أسواق المال العربية، ويكون نموا غير قابل للذوبان، وأضاف: لا نريد أن نحطم الأرقام القياسية ثم نرتد إلى الوراء لان ذلك يتسبب بخسائر فادحة للمستثمرين وخاصة صغارهم، بل نريد نموا معقولا وحركة تداول معقولة تعكس حيوية السوق وتزيد من ثقة المستثمرين بها.
وأشار د. أبولبده إلى أن الأسبوع الماضي شهد نكسة وارتدادا قاسيا لمؤشرات الأسواق العربية وذلك تجاوبا مع التراجع الكبير في أسواق المال العالمية، وهو ما أدى إلى تحقيق خسائر كبيرة خاصة في السعودية ودبي ومصر، ولكن هذه الأسواق استرجعت جزءا من خسائرها.
وأوضح د. أبولبده أن التراجع في أسواق المال العالمية لم يكن له تأثير كبير على سوق فلسطين لان حجم الاستثمار الأجنبي الوافد من خارج المنطقة العربية الى سوق فلسطين قليل جدا وبالتالي نحن في معزل عن هذا ولن يتأثر السوق الفلسطيني بأي انهيار محتمل في الأسواق الأمريكية أوالأوروبية أوالآسيوية.
وحول الارتفاع الكبير في مؤشر القدس وما تبعه من تراجع بعد العدوان وتشديد الحصار على غزة، قال د. أبولبده انه من الطبيعي أن يتذبذب المؤشر في جلسات التداول اليومية صعودا وهبوطا ولكن المهم هو التوجه العام، ففي بداية 2008 كان هناك توجه صعودي والسبب في ذلك هو تفاعل المستثمرين مع الأحداث التي حصلت خلال شهري تشرين ثاني وكانون الأول وهي مؤتمر انابوليس ومؤتمر باريس للدول المانحة، والنتائج الايجابية غير المتوقعة لمؤتمر باريس حيث أن السلطة ذهبت إلى باريس لتطلب 5.6 مليار دولار لثلاث سنوات وعادت بالتزامات من الدول المانحة تقدر بنحو 7.7 مليار دولار وهذا بحد ذاته تطور ايجابي، وألحق ذلك بزيارة تاريخية للرئيس الأمريكي جورج بوش كرر فيها رغبته بان يكون العام 2008 عام الاتفاق على قيام الدولة الفلسطينية.
وتابع د. أبولبده قائلا: كل هذه الأحداث أدت إلى دخول مستثمرين من خارج فلسطين لبناء مراكز مالية في السوق الفلسطينية نظرا لكون معظم الشركات المدرجة في السوق يتم تداول أسهمها بأقل من قيمتها العادلة، لهذا لاحظنا الارتفاع الحاد لمؤشر القدس وتجاوزه في مرحلة ما قيمته عند إغلاق 2006، وكما هو متوقع إذا أخذنا بعين الاعتبار التطورات المؤسفة والمجازر الإسرائيلية في قطاع غزة خلال الأيام الماضية فقد ارتد المؤشر قليلا متفاعلا مع الأحداث الأمنية في قطاع غزة.
أداء جيد للشركات الفلسطينية
واعتبر د. أبولبده أن العام 2007 كان عاما قاسيا على الاقتصاد والمواطن والحياة الاجتماعية بشكل عام، فقد شهد هذا العام اقتتالا داخليا وانفصالا في النظام السياسي وتكثيفا للإجراءات الإسرائيلية العدوانية والمزيد من تضييق الخناق على قدرة المواطن الفلسطيني على الحركة وازدادت الحواجز العسكرية على مداخل المدن، ورغم كل ذلك وبالقياس لما حدث في الشهور التسعة الأولى من عام 2007 فان معظم الشركات حققت أرباحا تشغيلية معقولة، وأضاف: بتقديري، فان الشركات التي تعمل في ظروف صعبة وتحقق أرباحا تشغيلية فإنها تستحق أن يستثمر فيها، وأنا راض عن أداء الشركات المدرجة حيث أن أكثر من 70في الميةمنها حققت أرباحا تشغيلية، حتى تلك التي حققت خسائر، فقد كانت خسائرها اقل من العام الذي سبقه.
وأكد د. أبولبده ثقته بالشركات الفلسطينية قائلا: شركاتنا لديها إدارات ذات خبرة معقولة تقودها للمحافظة على مصالح المستثمرين والمساهمين.
وعن الأثر الايجابي الذي يمكن أن تتركه الخطة الأمنية واستتباب الوضع الأمني في نابلس على أداء الشركات المتداولة، أوضح د. أبولبده أن الاستثمار في السوق المالي لا يرتبط بنابلس وحدها فالشركات المدرجة هي شركات وطنية ويمتد نشاطها على مستوى الوطن، ولكن بكل تأكيد إذا ما تم تطبيق الخطة الأمنية في باقي المحافظات فسيعود ذلك بالنفع الكبير وتزيد من ثقة المستثمرين، ونحن نحيي القائمين على تطبيق الخطة الأمنية، فنابلس اليوم تختلف عن نابلس الأمس، ونأمل أن تقوم السلطة بجهد استثنائي لتنفيذ مشاريع للتخفيف من آثار الحصار.
وحول مستقبل الاستثمارات والوضع الاقتصادي في قطاع غزة خاصة بعد سيطرة حركة حماس عليها، أوضح د. أبو لبدة أن قطاع غزة يمر بمأساة سياسية معقدة والأولوية هناك لتوفير الحد الأدنى للمتطلبات الأساسية للمواطنين، وأضاف: لا اعتقد أن التطورات هناك تشجع أي مستثمر خارجي للاستثمار في غزة خاصة وان إسرائيل تفرض حصارا غير مسبوق على غزة يشمل كافة مناحي الحياة في محاولة منها لتجميد عقارب الساعة ودفن أهل غزة في مقبرة من المعاناة الاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة الى طبيعة النظام السياسي الناشئ، واستحالة تمكنه من الصمود لفترة طويلة في ظل الحصار والمقاطعة الدولية، والإفقار المستمر للمواطن الفلسطيني الذي استهلك مدخراته، وإغلاق معظم المصالح الاقتصادية لعدم القدرة على تصريف المنتج أو الحصول على المواد الخام.

مستقبل الأسواق العربية
وفي معرض رده على سؤال حول احتمال أن تشهد أسواق المال العربية طفرة في ارتفاع الأسعار على غرار ما حدث عام 2005، قال د. أبولبده أن المنطقة العربية دخلت في مرحلة تصحيح سعري كبير في عام 2006 و2007 وطفرة نفطية مستمرة، وعام 2008 سيشهد نموا جيدا لأسواق المال العربية بما فيها فلسطين نظرا لأن حركة التصحيح التي بدأت عام 2006 انتهت في النصف الثاني من عام 2007، وقد وصلت خلالها أسعار معظم الشركات في الأسواق العربية إلى قيم مغرية للمستثمر الأجنبي بالإضافة إلى استمرار تدفق السيولة الناتجة عن ارتفاع سعر النفط واجتيازه حاجز المائة دولار.
ونوه د. أبو لبدة إلى ضرورة عدم إغفال التأثير المتوقع للركود الاقتصادي في الولايات المتحدة على الاقتصاد العالمي وهناك مؤشرات مقلقة تنذر بتراجع حاد في هذا الاقتصاد مما سيؤدي إلى تأثيرات مباشرة على اقتصاديات العالم، فانهيار قطاع الرهن العقاري والتراجع الحاد والمستمر في سعر صرف الدولار يعني أن تكلفة المنتجات ستزيد في بلدان المنشأ، مما يعيق قدرة الدول على التصدير، بالإضافة الى احتمال قيام المصالح الأمريكية الكبرى في مختلف مناطق العالم بالتخلص من أعداد كبيرة من الموظفين والعمال، إضافة ما تشهده الحلبة السياسية من تخبط الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان، وقد أدى هذا إلى انكماش اقتصادي قد تبدو تجلياته في كثير من الاقتصاديات وخاصة في جنوب شرق آسيا وهذا قد يكون الكابح الوحيد المحتمل أمام نمو أسواق المال العربية.

الملتقى السنوي لسوق رأس المال
وحول الملتقى السنوي الأول لسوق رأس المال، أشار د. أبولبده إلى أنه وبالرغم من أن سوق فلسطين هي التي بادرت لعقده إلا أن السوق تبقى لاعبا صغيرا في هذا الملتقى، وأضاف: نحن نقوم بتنفيذ التوصيات المتعلقة بنا وهذا يتطلب أن تقوم الحكومة وهيئة سوق رأس المال وباقي الأطراف ذات العلاقة بما هو مطلوب منها لتنفيذ التوصيات التي خرج بها هذا الملتقى.
وأعرب د. أبولبده عن اعتقاده بان أهم شيء بالنسبة لهذا الملتقى هو أن يكون انعقاده حدثا سنويا قادرا على جلب مستثمرين جددا إلى فلسطين.
أما عن توصية الملتقى بتطبيق نظام الحوكمة، فأوضح د. أبولبده انه منذ فترة تم تشكيل لجنة وطنية للحوكمة برئاسة رئيس هيئة سوق المال ولكن هذه اللجنة غير فاعلة ولم تقم حتى الآن بما هو مطلوب منها لوضع ميثاق حوكمة في فلسطين، وقال: لا يجوز أن يستمر هذا الحال، ولا بد من تفعيل هذه اللجنة الهامة ولا يوجد أي سبب لدى رئيس الهيئة quot;لتمويتquot; عمل اللجنة.
وأضاف أن الحوكمة ليست من الكماليات ولا تقوم الهيئات في الدول بصياغة مواثيق الحوكمة من باب الترف، وإنما من اجل اللحاق بركب التنافسية لتعميق الشفافية والمسؤولية والمساءلة لتمكيننا من تبوء موقعنا على خارطة الاستثمار العالمي حيث يتوجه المستثمرون إلى الدول التي تتميز إجراءاتها بالشفافية والبساطة وهذا يلخص ما نأمل تحقيقه في الحوكمة، مبينا أن الجهود الآن متعثرة في هذا المجال، معربا عن أمله بان تتمكن اللجنة من العمل لتطوير الميثاق خلال العام الجاري 2008.
ولفت د. أبولبده إلى أن الحملة التسويقية في دبي التي كانت مقررة مطلع هذا العام لم تتم بسبب التأخر في عملية التخطيط، وقال: بعد التشاور مع بعض الشركاء ارتأينا تأجيلها لننتظر ما ستسفر عنه التطورات في فلسطين، مبينا أن فكرة الحملة التسويقية كانت القيام بجولة خلال عامين في بعض الأسواق العربية وأمريكا وأوروبا واسيا، تبدأ من دبي وتنطلق إلى المناطق الأخرى بهدف تعريف المستثمرين بوجود فرص استثمارية ووجود ما يكفي من قواعد وقوانين تشجع على الاستثمار في فلسطين.
مؤتمر باريس
ووصف د. أبولبده مؤتمر باريس بالمحطة المهمة وقال انه شكل تظاهرة كبيرة لدعم الاقتصاد الفلسطيني على افتراض أن المفاوضات ستنطلق وتحقق تقدما، وإذا تحقق ذلك وتدفقت الأموال سيعطي ذلك دفعة مهمة للاقتصاد وأملا للمستثمرين باسترجاع جزء من خسائرهم بسبب إجراءات الاحتلال والحصار الدولي الذي فرض بعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية.
وتابع: نحن نستعد وننتظر لنرى كيف ستؤول إليه الأمور، ولكن إذا لم يكن هناك تطورات مهمة حتى نهاية ربيع 2008 في مجال تعاون إسرائيل مع فريق المفاوضات، فسيكون هناك حذر اكبر من جانب المستثمرين.
عام حافل بالإنجازات
وعن أهم الإنجازات التي حققتها سوق فلسطين خلال العام 2007 قال د. أبو لبدة أن السوق تمكنت من إلزام جميع الشركات المدرجة فيها على الإفصاح الدوري عن جميع بياناتها المالية، كما تمكنت السوق من إطلاق خدمة التداول الالكتروني بالإضافة إلى عقد الملتقى السنوي الأول لسوق رأس المال الفلسطيني.
أما على صعيد رعاية الأنشطة الاجتماعية فأشار د. أبولبده إلى أن سوق فلسطين عملت على مأسسة صندوق المسؤولية الاجتماعية ووضعت الموارد المخصصة لهذا الصندوق في استثمارات إنسانية ممتازة.
وكان من أبرز النشاطات والفعاليات لصندوق المسؤولية الاجتماعية خلال العام 2007 تجهيز مختبر السوق المالي في جامعتي القدس وبير زيت، وتعد هذه المبادرة الثانية في سياق إنشاء مختبرات السوق المالي في الجامعات الفلسطينية بعد جامعة النجاح الوطنية، كما رعت السوق معرض quot;عين فلسطين وأبو عمار تحت الحصارquot;، وقامت بعملية ترميم وصيانة لمجمع الشهيد ياسر عرفات بمحافظة أريحا، وقدمت مساندة مادية لمؤتمر العدالة الفلسطيني الثاني quot;مساواةquot;، ورعت مؤتمر النزاهة من المساءلة والمحاسبة quot;أمانquot;.
وأوضح د. أبولبده انه تم التركيز على التعليم حيث خصصت السوق جزءاً من موازنتها السنوية لدعم التعليم العالي في الجامعات الفلسطينية، وفي سبيل ذلك أطلقت السوق quot;صندوق السوق المالي للمنح الجامعيةquot; لتمويل 33 مقعدا لدراسة الشهادة الجامعية الأولى في الجامعات الفلسطينية، وتستهدف شريحة الطلبة المتفوقين ذوي الحاجة المادية.
كما تم إطلاق برنامج منح رسائل الماجستير لدعم طلبة الدراسات العليا الدارسين في الجامعات الفلسطينية، على أن تبحث الرسالة المقدمة موضوعاً له علاقة مباشرة بسوق المال الفلسطيني.
وأطلقت سوق فلسطين مسابقة علمية بعنوان quot;مسابقة بحوث المستثمرquot; وهي موجهة لطلبة الجامعات لدعم البحث العلمي في مجال بحوث سوق المال والاستثمار بين طلبة الجامعات الفلسطينية، وقد شارك فيها 49 طالبا وطالبة، من مختلف الجامعات الفلسطينية في الضفة والقطاع، ومن مختلف التخصصات ذات العلاقة بالمحاسبة والإدارة والعلوم المالية والمصرفية وتكنولوجيا المعلومات.
وفي كلمة وجهها للمستثمرين في ختام اللقاء قال د. أبولبده أن الشركات المساهمة العامة المدرجة في السوق المالي الفلسطيني لديها تجربة عريقة في العمل المنتج والمربح رغم الظروف الصعبة بالإضافة إلى أن مؤشر القدس انخفض في السنتين الماضيتين ما يكفي من النقاط التي جعلت أسعار أسهم معظم الشركات تتداول بأقل من قيمتها العادلة، ولذلك أدعو للاستثمار في فلسطين لتكون سوق فلسطين جسر الاقتصاد الفلسطيني إلى العالم.