ويعتبر عدد من قادة أوروبا أن القمة ستكون مماثلة لاجتماعات مؤتمر quot;بريتون وودزquot; الذي عُقد في أعقاب الحرب العالمية الثانية لإعادة بناء الاقتصاد العالمي، ليشهد التسليم بقيادة واشنطن للدول الصناعية الغربية وتكريس الدولار عملة مهيمنة على النظام المالي. ولكن التطورات الحالية التي فرضها واقع أن جذور الأزمة المالية العالمية تعود إلى الولايات المتحدة، إلى جانب بروز قوة أوروبا الموحدة والصين في المجال الاقتصادي، يجعل قيادة واشنطن لسفينة العالم موضع بحث.
وفي هذا الإطار، قالت أيرين فاينل هونغمن، أستاذة العلاقات الدولية في جامعة كولومبيا والمتخصصة في شؤون المصارف العالمية: quot;يضع الأوروبيون أنفسهم على قدم المساواة مع الولايات المتحدة، نحن أمام مجموعة مختلفة من اللاعبين بتوزيع قوى مغاير لما سبق، وستكون متابعة ما يحدث أمراً مشوقاً.quot;
ولم يفت هونغمن الإشارة إلى أن قادة أوروبا سيدخلون المؤتمر معتمدين على عوامل قوة أبرزها أن الأزمة المالية لم تظهر على أرضهم، بل في النظام الاقتصادي الأميركي، وسيحملون معهم بالتالي الكثير من اللوم لواشنطن، خاصة وأنهم كانوا يجدون أنفسهم مرغمين على تعديل قوانين المتشددة لصالح القوانين الأميركية المرنة.
وتقول الخبيرة الدولية في هذا الصدد إن مسار التفكير الأوروبي حيال الأزمة كان في أول الأمر اتهام واشنطن بممارسة quot;رأسمالية الكاوبوي (رعاة البقر).. غير أن تقدم الأحداث أظهر أن أوروبا ليست بدورها بمنأى عن المشاكل.quot; ويظهر الاختلاف بين واشنطن وشركائها عبر الأطلسي من خلال إصرار الجانب الأوروبي على تعديل هياكل النظام المالي العالمي، وإضافة الكثير من القواعد الجديدة، وفي مقدمتها، تشديد الرقابة على عمل صناديق التحوط والمصارف الاستثمارية، وزيادة الاحتياطيات النقدية الإلزامية للمؤسسات المالية.
وذلك إلى جانب وضع قواعد أكثر تشدداً وشفافية على الصعيد المحاسبي والحد من رواتب المدراء المرتفعة، ومن المتوقع أن تصطف أوروبا في جبهة واحدة لفرض هذه الشروط. من جهتها، تدخل واشنطن الاجتماع وفي ذهن قادتها العمل على إجهاض كل المحاولات الأوروبية لوضع قواعد قانونية جديدة للاقتصاد، وهو ما أكده روبرت بروشكا، كبير خبراء الاقتصاد لدى مؤسسة quot;فاكتس أن أوبنينquot; الاستشارية.
ويؤيد بروشكا في واقع الأمر قيام واشنطن بمعارضة المطالب الأوروبية، ويقول موضحاً: quot;آخر ما نحتاج إليه هو إيجاد مؤسسة مالية عالمية جديدة تكون دون مخالب أو أنياب للعمل، ما نريد رؤيته هو ترك المصارف تدير أعمالها لأن الحكومات لن تديرها أفضل منها.quot;
وبالمقابل، يدعو الخبير الاقتصادي إلى التركيز على أمور يرى أنها كانت شديدة التأثير في ظهور الأزمة الحالية، وفي مقدمتها إصرار الصين على إبقاء عملتها (اليوان) ضمن أسعار صرف منخفضة. ويشرح بروشكا بأن سعر اليوان جعل البضائع الصينية رخيصة للغاية، ودفع المستهلك الأميركي إلى شرائها بكثرة، وقد وفّر هذا للصين سيولة كبيرة وظفتها في شراء سندات خزينة أميركية وسندات قروض مدعومة برهون عقارية، ما سمح للمصارف الأميركية بتوسيع دائرة الإقراض وتسبب بالأزمة المالية الحالية.
ويجد هذا الرأي صداه لدى الإدارة الأميركية التي كانت تضغط منذ سنوات على بكين لرفع سعر صرف عملتها، ومن المتوقع بالتالي أن تثير الملف خلال الجلسات. لكن اللاعبين الأبرز خلال القمة المرتقبة سيكونون بالتأكيد قادة الدول النامية، وفي مقدمتها الصين وروسيا والبرازيل والمملكة العربية السعودية، التي ستعمل للمطالبة بدور أكبر على صعيد صنع القرار العالمي.
التعليقات