مع سيطرة النفط على نحو 98%من منظومة الإيرادات
الجزائر: تحذير من عواقب عدم ترقية الصادرات على الاقتصاد

كامل الشيرازي من الجزائر: يحذر خبراء الشأن الاقتصادي في الجزائر، من عواقب استمرار عدم ( اجتهاد ) الحكومة هناك، في الدفع بصادرات البلاد خارج المحروقات، على المردود الاقتصادي العام، ففي وقت بلغت الأخيرة مستوى 98.97في المئة من القيمة الإجمالية، لا تتعدى الصادرات الأخرى نسبة 02.2في المئة، وهو ما يمثل 1.3 مليار دولار فقط، ويقرع الخبراء أجراس الإنذار، طالما أنّ المنظومة الاقتصادية والمالية المحلية باتت توازناتها مهددة على الدوام، وخاضعة لتقلبات سوق المحروقات الدولية، في بلد عانى ولا يزال تبعات انتقاله الفجائي من اقتصاد موجه إلى اقتصاد ليبرالي، دفع بالنفط ليسيطر على نحو 98 في المئة من منظومة الإيرادات العامة في البلد.

quot;إيلافquot; في تواصلها مع مختصين، حصرت مجموعة عوامل متداخلة تكرّس انحسار صادرات الجزائر خارج المحروقات وتقف دون ترقيتها.فأكد الوزير الأسبق عبد الرحمن مبتول أستاذ الاقتصاد في جامعة وهران الجزائرية، فإنّ عدم ازدهار صادرات بلاده خارج المحروقات، يعود إلى تراكمات عرفتها الجزائر منذ العام 1986، وبقاء البلد مشطورا بين اقتصاد موجه واقتصاد سوق، فلم يظهر عليه ndash;بحسب مبتول- الانتماء إلى أي من النمطين، ويضيف مبتول عامل تعطل الإصلاحات الشاملة، ما ألقى بظلاله على الاستقرار الكلي الذي لم يتجسد في أرض الميدان، وكان من نتائجه بلوغ معدل التضخم سقف 4.7 بالمئة، تماما مثل البطالة التي صعدت من 12.5 إلى 14 في المئة استنادا إلى الأرقام الرسمية، و20 في المئة بحسب بيانات صندوق النقد الدولي، ويقحم مبتول ما أفرزته إعادة جدولة دين الجزائر الخارجي في أواسط التسعينات، وغياب سياسات واضحة بأهداف محددة.

ويتفق مبتول مع المختص بالشأن الاقتصادي هيثم رباني، إنّ قصور الصادرات خارج النفط تجد مبررا لها في انتفاء معالم الحكم الراشد في الجزائر، واستمرار تفاقم معدلات الرشوة واستبعاد الكفاءات، بجانب كون quot;كل شيء مبني على الريعquot;، وهو ما جعل الحالة الاجتماعية للبلد منهكة رغم مخصصات بحدود 110.4 مليارات دولار كاحتياطي خام تعجّ به الخزانة العامة، في وقت يزداد الشعب فقرا، ولا تتعدى رواتب النخبة فيه ndash;الأساتذة والأطباء نموذجا- ربع ما يتقاضاه نظراؤهم في تونس والمغرب.

من جانبه، يعيب الخبير الاقتصادي الجزائري البارز quot;عبد الحق لعميريquot;، على السلطات عدم تسطيرها لخطة واضحة المعالم تشرك الخبراء وتكفل النهوض بمنظومة الصادرات، ويلاحظ العميري أنّ المسألة مردودة برمتها إلى وجود خلل يعيق دينامية الاقتصاد المحلي بينها الافتقاد إلى جهاز إداري مقتدر وعدم تبني مقاييس اقتصادية ناجعة وذات الجدوى، ويتوجس العميري من كون الوضعية الاقتصادية الحالية في الجزائر وما يغلّفها من ضعف عوائد الاستثمار، وهزال الإنفاق ونواتجه في مجال الاستثمار، سيتضاعف مداه إذا ما بقيت العقلية المطبقة في مجال تسيير الصادرات هي نفسها، ويدعو إلى تفعيل الأثر المضاعف للنمو عن طريق تحصيل الدولة أكثر مما تضخه من موارد، حتى لا يستمر النزيف وإهدار 5 في المئة من القيمة الاقتصادية سنويا، بحكم أنّ مستويات النمو في الجزائر تتأثر بالانكماش المسجل في قطاع المحروقات؛ ما يفسره تواضع حجم نمو إنتاج البترول والغاز في الجزائر الذي شهد نقلة محدودة بـ5 ,0في المئة فحسب.

من جهته، يتصور المحلل الاقتصادي الجزائري سليم لعجايلية أنّ استخراج
الصادرات خارج النفط والغاز، سيمرّ حتما بوساطة التأسيس لنمط اقتصادي جديد يستغل ما هو متاح هناك من طاقات متجددة تستطيع ليس فقط تحقيق أرباح طائلة من وراء العملية، بل تضمن اكتساح الأسواق الخارجية لاسيما الأوروبية، لما تمتلكه الجزائر من مياه ورياح، وطاقة شمسية وكتل حيوية على غرار الأمواج والحرارة الجوفية، تجعلها مؤهلة للتكيف مع حجم الطلب العالمي الذي ينتظر وصوله إلى ستة آلاف ميجاوات شمسي بحلول 2020.

ويجزم quot;نصري علي بايquot; رئيس جمعية المصدّرين الجزائريين، أنّ التصدير خارج المحروقات في الجزائر لا زال ضعيفا جدا بل ويثير تساؤلات، معتبرا أنّ العملية بحاجة إلى إستراتيجية فعّالة ومرونة أكبر لاسيما على مستوى المصارف، ويقحم quot;الجيلالي تريكاتquot; الرئيس المدير العام للشركة الجزائرية لتأمين وضمان الصادرات، عامل عدم تمكن جمهور المصدّرين من إشكال استرجاع الديون المترتبة عن البيع بالتقسيط والتي تجاوزت 70 مليار دينار جزائري.

ويجمع خبراء الاقتصاد في تصريحاتهم لـquot;إيلافquot; على حتمية عدم نوم الجزائر في العسل على خلفية حصدها لفوائض معتبرة في العامين الأخيرة بسبب ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية، لأنّ السيناريو مستحيل الاستمرار كما الثروة النفطية، حتى لا يتم رهن أفق البلد ومعه مستقبل الأجيال القادمة، لاسيما بعد تحدث تقارير عن نضوب غير بعيد لاحتياطات الجزائر النفطية، ما معناه زوال مقوم أساس للرخاء الاقتصادي والتنمية المستدامة، في بلد تقدر احتياطياته من المحروقات القابلة للاستخلاص، نحو 3511, مليار متر مكعب من البترول الخام، و4550 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي.

وعلى هذا تتشدد حتمية تحرير اقتصاد الجزائر من هيمنة المحروقات كأولوية، يستوجب معها تسريع تنفيذ الستة مشاريع كبرى المعلن عنها لاستغلال الطاقات البديلة في غضون المرحلة القليلة القادمة، ما من شأنه ضمان إنتاج 6 آلاف تيراواط من الطاقات المتجددة العام 2015، ورصدت لهذه المشاريع مخصصات ضخمة فاقت 1.1 مليار دولار، بعدما أكدت دراسات قدرة الجزائر على إنتاج 170 تيراواط في الساعة من الطاقة المتجددة، وهو ما يجعل من الجزائر أول دولة متوسطية من حيث إمكانيات إنتاج الطاقة عبر استغلال الطاقة الشمسية وباقي الموارد المتجددة الأخرى.