أي ثمن ستدفعه الجزائر لأجل إتمام العملية؟
الجزائر مضطرة لتقديم quot;تنازلاتquot; حتى تنخرط في منظمة التجارة العالمية

كامل الشيرازي من الجزائر
أوعز مسؤول حكومي جزائري، الأربعاء، أنّ بلاده باتت مضطرة اليوم لتقديم quot;تنازلاتquot; لقاء تسريع انضمامها إلى حظيرة المنظمة العالمية للتجارة، وهو ما يمثل رضوخا من الجزائر للشروط المفروضة من طرف عرّابي منظمة التجارة العالمية ما ترك مسار الانضمام معلّقًا منذ سنة 1998، وبحسب مراجع جزائرية فإنّ هذه التنازلات لن تكون ذات طابع quot;سياديquot; بل quot;تقنيquot;، وتخص بالأساس قضية quot;الاتفاقية الخاصة بتحرير تجارة الخدمات في الجزائرquot; التي ظلّ يُنظر إليها كحجر عثرة أمام الانضمام، علمًا أنّ الجزائر حدّدت في آخر جولة من المفاوضات مع المنظمة العالمية للتجارة، شروطًا لدخول الممولين الأجانب 87 قطاعًا فرعيًا للخدمات، من بين 161 قطاعا فرعيا تشكل حاليًا محل محادثات.
وأبرمت الجزائر عديد الاتفاقات مع 16 دولة تابعة لمجموعة العمل التابعة لمنظمة التجارة، بينها 5 دول رئيسية، ما جعل الجانب الجزائري يتفاءل بقرب إنهاء العملية بنهاية العام الجاري، لكن خبراء كشفوا لـquot;إيلافquot; أنّ الجزائر ستقدم تنازلات خطيرة جدا في حال فشلها في الانضمام قبل نهاية دورة الدوحة الحالية، على اعتبار أنّ الشوط المقبل سيكون صعبا جدا، ليبرز السؤال الكبير: quot;أي ثمن ستدفعه الجزائر لأجل الدخول إلى بيت المنظمة؟quot;، مع الإشارة أنّه بعد إجابتها على 213 سؤالا وطلبا قدمتها الدول الأعضاء، أعلنت 31 دولة من مجموع 35 دولة، تأييدها انضمام الجزائر بسرعة الى منظمة التجارة العالمية، لكن الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وهما أكبر فضاءين اقتصاديين، بقيا يصران على رفع quot;فيتو مزمنquot; تجاه تفعيل اتفاق نهائي مع الجزائر.
ويبدو واضحا أنّ القوى الكبرى في المنظمة العالمية للتجارة، لن تسمح بانضمام الجزائر إلى الأخيرة، ما لم (يذعن) الطرف الجزائري إلى الضغوط التي يفرضها الأعضاء لا سيما المجموعة الأوروبية بشأن تحرير قطاع الخدمات وإقرار تسعيرة مغايرة للمواد الطاقوية، من خلال إيجاد حلول لعبور سائر المنتجات على الأسواق الأوروبية، ومشكلة الازدواج الضريبي والوحدة السعرية الموظفة في تسويق المحروقات برفع سعر الغاز في الجزائر، وهو تصور شدّد عليه quot;بيتر مندلسونquot; المحافظ الأوروبي للتجارة، عندما صرّح بلهجة لها معناها لدى زيارته الجزائر قبل شهرين، أنّ ''الطريق لا يزال طويلاً أمام الجزائر لبلوغ هذا الهدف''، وتلميحه القوي إلى أنّ انخراط الجزائر في منظمة التجارة قد يتأجل إلى ما بعد العام الحالي، إذا لم تجد الجزائر حلولاً ناجعة وشافية لشركائها الجدد،
وقبيل شهر ونصف على افتتاح الجولة الحادية عشر من المفاوضات بين الطرفين مطلع يونيو/حزيران المقبل، قال وزير التجارة الجزائري quot;الهاشمي جعبوبquot;، أنّ عشرة مسائل تظل عالقة ومتعلقة خاصة حول الشفافية والتخصيص وما يتعلق بحركية المجموعات الاقتصادية والنشاط التجاري العام، إضافة إلى فتح القطاع السمعي البصري والنقطة المرتبطة بازدواجية تطبيق أسعار المحروقات بين السوقين المحلية والدولية، بهذا الصدد، وأبدى جعبوب إلتزام الجزائر بضمان التنافسية وإقرار تسعيرة موحدة للطاقة بالنسبة إلى السوق المحلية والخارجية، مفنّدًا ما تردد عن دعم بلاده لمؤسساتها الإنتاجية عن طريق تحديد سعر للطاقة يقل كثيرًا عن سعر الطاقة المصدرة، كما أوضح أنّ الجزائر لا تعتمد سعرين مختلفين للطاقة على المستويين الداخلي والخارجي.
وبلهجة تطبعها حسرة، أبدى quot;سعيد جلاّبquot; العضو في فريق المفاوضين الجزائريين، أسفه لكون الجزائر أهدرت وقتا طويلا في مسار الانضمام مع أنّ الأمر بحسبه كان يمكن أن يتم العام 1994، وهو طرح أيده خبراء رأوا أنّ الجدل المحتدم في الجزائر حاليا حول الفاتورة الواجب دفعها من أجل إتمام الانضمام، سببه ترددها في مناسبات سابقة، وهو ما كان سيغنيها عن تقديم أي تنازلات.
كما يقول عارفون أنّ أي خطوة جزائرية باتجاه الانخراط في منظمة التجارة لن تتمتع بنصيب أكبر من الفعالية، ما لم quot;تتحكم الجزائر بحيوية في عمليات تطوير اقتصادها، من خلال تجاوز التأخر الكبير الذي تشهده الخطط المعدّة واستبعاد الذهنية الاشتراكية، كمدخل رئيس لاستقطاب رؤوس أموال أجنبية ومضاعفة إجمالي الاستثمارات الخارجية التي تظل محدودة خارج قطاع المحروقات، ويلّح هؤلاء على حساسية تدارك الجزائر للتأخر الكبير الذي تعرفه سياستها الاقتصادية والتجارية، واعتنائها بتنويع مصادر دخلها القومي خارج قطاع الطاقة المستأثر بـ98 في المئة من الحراك المالي في الجزائر، فضلا عن تمكين القطاع الخاص من فرص استثمارية أفضل، ما يعبّد الطريق نحو بناء اقتصاد قادر على المنافسة عالميًا وتنويع مصدر الثروات وخلق مناصب شغل بالانفتاح على المستثمرين الخواص.