ماجد بن ناصر العُمري
إن من يتأمل واقع منتدى الرياض الاقتصادي منذ توجيه خادم الحرمين الشريفين للمجلس الاقتصادي الأعلى بالعمل على الاستفادة من توصيات المنتدى والنظر في تنفيذها سيقول إن منتدى الرياض الاقتصادي منتدى كبير من حيث المكانة والأهمية والفعالية، حيث أصبح بهذا التوجيه أحد صناع القرار الرئيسيين.

وما يؤكد ذلك ما اتخذ من قرارات بناء على ما قام به المنتدى من دراسات تحليلية وتشخيصية وما رفعه من توصيات علاجية، كالتوصية بمنح تأشيرات لرجال الأعمال في المطارات، والتوصية بضرورة عكس الهجرة من المدن الصغيرة إلى المدن الرئيسة عبر إعطاء الأولوية لإقامة مشاريع حكومية جديدة خارج المدن الرئيسة، وتوزيعها بشكل عادل على بقية المدن، والتوصية باستصدار التنظيمات اللازمة لإجازة نشاط البنوك والتأمين بشكل يسمح بعملها محليا وعالميا، والتوصية بتحسين بيئة التشريع والقضاء والتي صدر بخصوصها مراسيم تطويرية إضافة إلى رصد سبعة مليارات ريال لمشروع الملك عبد الله لتطوير مرفق القضاء، والتوصية بإصلاح نظام التعليم والذي رصد له تسعة مليارات ريال لمشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم خلال ست سنوات، والتوصية بتوفير فرص عمل للمرأة وصدور القرار 120 بشأن المرأة.

إذا وبعد مرور أكثر من خمس سنوات على تأسيس المنتدى يتبين لنا أنه صانع قرار مهم من خلال خط إنتاج متكامل يبدأ باختيار القضايا ذات الأولوية quot;وذلك بناء على استشارة عدد كبير من المهتمين وسبق لي تجربة حيث وصلني نموذج أشبه باستبيان يطلب تسجيل أهم المواضيع التي تقترح دراستها وتحليلها ثم مناقشتها تشخيصا ومعالجةquot;، وذلك للخروج بالتوصيات ورفعها للمجلس الاقتصادي الأعلى، لكي تصدر على شكل قرارات تحال للجهات المعنية لتطبيقها، ثم متابعة تطبيقها التطبيق السليم على أرض الواقع لكي تتحقق النتيجة النهائية المستهدفة من أنشطة المنتدى في خط الإنتاج هذا، ولاشك أن ما تراكم من قضايا ناقشها المنتدى عبر الدراسات وعبر الرأي العام ومن توصيات أصدرها ومن قرارات صدرت بناء على هذه التوصيات، ومن تطبيق هذه القرارات لدى الجهات المعنية جعل مهمة المنتدى تتعاظم، وهو ما يستوجب إعادة هيكلة إدارية ومالية وتعاونية للمنتدى، خصوصا أنه تجاوز منطقة الرياض ليصبح منتدى اقتصاديا للمملكة بشكل عام نظراً للقضايا الاقتصادية الهيكلية التي يتطرق لها.

قد يقول قائل إنك بالغت في مهمة المنتدى فليس سوى منتدى فكري مهمته مناقشة القضايا وطرح الحلول وإصدار التوصيات وكفى، وأقول هذا غير صحيح، فالمنتديات عبارة عن أنشطة فكرية تشكل مرجعية تحليلية وفكرية للقضايا ذات الأهمية حسب تخصص المنتدى، حيث تثير حوارات صحية على جميع المستويات بما يؤسس لمعارف سليمة مشتركة تؤصل لمواقف إيجابية تتمثل في قرارات وبرامج تنفيذية تسهم في دفع عجلة التنمية الشاملة والمستدامة إلى الأمام وهذا هو الهدف الذي نطمح إليه جميعنا، ولذلك فإن اقتصار مهمة المنتديات عند إصدار التوصيات يعد تقليل من شأنها ومهامها، حيث إن هذه المهام المبتورة لن تفضي إلى نتائج ملموسة على الأرض يستشعرها المواطن سواء كان مستثمرا أو مستهلكا دون أن تعززها مهام متابعة توظيف التوصيات وإصدار وتطبيق القرارات الصادرة بناء عليها كما هو مطلوب.

لإننا نريد لهذا المنتدى، وغيره من المنتديات المتخصصة، أن يكون quot;صانع قرار فعليquot; لا أن يصبح نوعاً من الترف عبارة عن مكان يجتمع فيه بعض الأشخاص للحديث وشرب القهوة ثم تظهر صورهم البهية عبر الإعلام!

وبامكاننا التأمل في حوار صحافي مع رئيس مجلس الأمناء سعد المعجل، حيث يقول quot;منتدى الرياض مرجعية فكرية حيادية يهدف إلى تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة ولا يقف دوره عند تحول التوصيات إلى قرارات بل يتابع تطبيق تلك القرارات من خلال الآليات الاتصالية المباشرة وغير المباشرة المتاحة له لتحقيق الهدف من إصدارها لتحسين البيئة الاستثمارية بما يحقق التنمية الاقتصادية المستدامة المنشودة من إصدار تلك القرارات وتطبيقها التطبيق الأمثلquot;، ولا شك أن ما قاله المعجل هو الهدف الذي نرجوه من هذا المنتدى وغيره.

حتى إنه يضيف في الحوار نفسه أن quot;المنتدى بما لديه من فرق عمل تتكون من مسؤولين حكوميين ورجال أعمال وأكاديميين وباحثين وبما له من مكانة خاصة لدى القيادة والمسؤولين ومجتمع الأعمال سيكون له قدرة كبيرة في حث الجهات ذات الصلة بتطبيق القرارات الصادرة وتفعيلها، ولا شك أن ذلك سيكون بدعم كبير من صناع الرأي والإعلاميين في بلادناquot;.

إذن المهمة واضحة لدى قيادة المنتدى والوسائل واضحة أيضا، ولكن أين التطبيق؟
حيث نرى المنتدى ضعيفاً لضعف الإمكانات المالية والبشرية التي لا تناسب حجم القضايا المطلوب مناقشتها والقضايا التي ناقشها ومتابعة التوصيات التي أصدرها ومتابعة تطبيق القرارات التي صدرت كما هو مطلوب، وأعتقد أن الحل يتمثل في إعادة هيكلة أمانة المنتدى بما يتناسب مع مكانة ومهام المنتدى ودعمه بميزانيات تجعله قادرا على تفعيل جميع المسارات والمتمثلة، حسب اعتقادي في الدراسات التحليلية والتشخيصية من قبل مكاتب دراسات تمتلك المهنية والاحترافية العالية، والحلقات النقاشية والعصف الذهني على نطاق واسع وأكثر احترافية مع عقول محلية مهنية وأكاديمية، وعلاقات عامة فكرية مخططة ومقصودة ومستمرة، ومتابعة حثيثة لتوظيف التوصيات وتطبيق القرارات الصادرة بناء عليها، وعندها سيكون لمنتدى الرياض الاقتصادي المنتدى الكبير الذي له دور مهم في تطوير المنظومة الاقتصادية في بلادنا.

كاتب ورجل أعمال