كامل الشيرازي من الجزائر: بعدما ظلت الجزائر تواجه انتقادات حادة تبعا لعزوفها غير المفهوم في الفترة الماضية عن توظيف 66 بالمئة من ناتجها الخام، تعتزم الحكومة هناك إطلاق خطة ترنو إلى استثمار ما يربو عن 126 مليار دولار في توظيفات خارجية، وبحسب محافظ بنك الجزائر المركزي quot;محمد لكساسيquot; فإنّ الأمر سيتعلق باندراج بلاده في مشاريع اقتصادية دولية لا تنطوي على مخاطرات، حتى لا تقع الجزائر في مطبات غير مأمونة العواقب.

ويقوم التصور الجديد على تنويع عمليات التوظيف المالي لمدخرات تعدّ قياسية منذ استقلال الجزائر قبل 46 سنة، إحياء الأموال (النائمة)، وتوظيفها في خطة تكفل رسكلة الموارد البشرية والاستثمار في مؤسسات صغيرة ومتوسطة قادرة على تطوير الاقتصاد وخلق مناصب شغل، وتريد دوائر القرار ضمان مرونة أكبر لحركة الأموال، حتى لا تظل ما تملكه مكدّس بلا طائل، وينادي خبراء بتبني إستراتيجية واضحة تتلافى الاعتماد المفرط على الجباية البترولية، ويمر ذلك بحسب الخبير الاقتصادي quot;عبد الحق العميريquot; عن طريق خلق هيئة تضم نخبة كوادر الجزائر، لوضع إستراتيجية تنموية فعالة، وبناء اقتصاد قوي لا يتأثر بتقلبات السوق النفطية.

واستنادا إلى تقييمات خبراء وأرقام جهات غير رسمية، ظلت الاستثمارات العامة في الجزائر لا تقضي على البطالة ولا تساهم في رفع نسبة النمو، لأنّ هناك 280 ألف بطال جديد كل سنة، لا يتحصل منهم سوى 58 ألف على منصب شغل، كون تلك الاستثمارات ظلت مقصورة على رهان النهوض بالبنية التحتية للاقتصاد المحلي، ولم تهتم بالاستثمار في قطاعات منتجة للثروة مثل الزراعة والصناعات التقليدية والمنزلية، خصوصا مع العراقيل البيروقراطية وجمود المنظومة المصرفية، وعدم نسج الجزائر على منوال ألمانيا واليابان وماليزيا، من حيث استخلاصها الدروس من تجارب الدول الثلاثة وطرائق خلقها للثروات.

وكان رئيس الوزراء الجزائري الأسبق quot;أحمد بن بيتورquot;، كشف بأنّ 53 مليار دولار من الفائض التجاري لبلاده، غير موظّفة، معتبرا المسألة حساسة، طالما إنّ الأمر يتعلق بحجم مالي مغيّب، يمثل نسبة 66 بالمئة من الناتج الداخلي الخام للجزائر.

وقال أحمد بن بيتور الذي قاد أول حكومة في عهد الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة، إنّ بلاده حققت فائضا تجاريا هاما خلال الست سنوات المنقضية، بلغ بحسبه 92.6 مليار دولار، بيد إنّ معضلة الأموال غير الموظفة، ألقت بظلالها ولم تمكّن الآليات الاقتصادية المتاحة من استعمال هذا الرافد المالي الهام، مشيرا إلى أنّ الفائض المسجّل أعان فقط على مضاعفة تراكم احتياطي النقد الأجنبي.

وقد اعترف مسؤول حكومي بأنّ الجزائر تواجه انتقادات، لم يحدد طبيعتها ومصدرها، لاعتمادها quot;سياسة حذرة في التوظيف الاستثماري الخارجي لاحتياطات الصرفquot; وهي السياسة التي قال أن الحكومة ستواصل العمل بها، وقال محافظ بنك الجزائر في مداخلة له أمام مجلس الشيوخ أنّ الجزائر رفعت بشكل أكبر حجم التوظيفات في الأصول عديمة المخاطرة، حتى وإن كان عائد بعض هذه الأدوات يوجد ظرفيا في حالة انخفاضquot; وركّز على أنّ الزيادة المستمرة في الاحتياطيات الرسمية للصرف في هذه السنوات الأخيرة، تزامنت مع تنويع عمليات التوظيف من أجل تسيير أفضل لخطر الصرف بين العملات الرئيسية، مع الاستمرار في تسيير حذر للاحتياطات فيما يتعلق بمستويات المخاطر المرتبطة بأدوات التوظيف، وسمح ذلك بحسبه، بمواجهة الاضطرابات في الأسواق المالية الدولية.

وقارب احتياطي الصرف 126 مليار دولار في نهاية أبريل/نيسان الماضي، بحسب التقرير الذي رفعه محافظ بنك الجزائر quot;محمد لكساسيquot;، وأوضح الأخير أنّ ارتفاع هذا الاحتياطي تم تسجيله مع احتساب أثر تقييم اليورو والجنيه الإسترليني، بينما بلغ معدل التضخم في الجزائر نسبة 5.63 بالمئة في الربع الأول من العام الجاري على أساس انزلاق سنوي، وجرى إرجاع هذه الزيادة في نسبة التضخم إلى ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية المستوردة، ولمواجهة هذا النوع الجديد من التضخم يواصل بنك الجزائر تثبيت معدل الصرف الفعلي مع إدارة صارمة لتدخلات السياسة النقدية.

في الشق المتعلق بالتجارة الخارجية الجزائرية، ارتفع معدل الصادرات ارتفعت في الفترة ذاتها ارتفاعا قويا حيث وصلت إلى 20.83 مليار دولار مقابل 13.77 مليار دولار في نفس الفترة من العام الماضي، وبالمقابل سجلت واردات السلع والخدمات ارتفاعا هاما ( 34.1 بالمئة إجمالا) منتقلة من 7.71 مليار دولار في الثلاثي الأول من سنة 2007 إلى 10.34 مليار دولار في نفس الفترة خلال العام الجاري، وتخص هذه الزيادة، على وجه الخصوص، كل من المنتجات الغذائية (68 بالمئة) وسلع التجهيز (47 بالمئة) كما ارتفعت القروض للاقتصاد، من جهتها، بنسبة 4.1 بالمئة مقابل 1 بالمئة فقط العام الماضي، وارتفعت الكتلة النقدية بنسبة 4.7 بالمئة، حيث لا تزال ودائع مؤسسات المحروقات مستقرة نسبيا.