الذهب الكذاب حل (بديل) بدأ يزحف لبعض محال الصاغة في الكويت. ولأن من يجمعهما الذهب.. لا يفرقهما هاجس الانفصال، ما زال المعدن النفيس تقليداً عربياً يفرض نفسه عاملاً أساساً في ثقافة الزواج في الكويت. وبعد ارتفاعات قياسية سجلها الذهب في الآونة الأخيرة وكساد عاناه محلياً، خاصة الأشهر الأخيرة، ولكون الحاجة أم الاختراع.. سرعان ما استقدم تجار quot;ذهباً كذاباًquot; من روسيا كبديل اقتصادي، لم يرض البعض. فيما رأى فيه آخرون متنفساً اقتصادياً وجسراً لبلوغ الفرحة الأكبر وإكمال quot;نصف الدينquot;.

الكويت: رغم تأثيرات أزمة المال العالمية، التي طاولت معظم الأسر الكويتية، إضافة إلى الصعود السريع والمستمر لأسعار الذهب العالمية، وإنعكاس هذا الأمر بالضرورة على الأسواق الكويتية، إلا أن حركة شراء الذهب الأصفر لم تتأثر في السوق الكويتية، وبالتالي فإن مشاريع الزواج داخل الأسر الكويتية، التي يعتبر الذهب جزءاً مهماً من ثقافتها، بشأن الزواج لم تتأثر، ما دفع أكثر من جهة داخل الكويت تتساءل عن سر عدم وجود رابط بين الإرتفاع الحاد في أسعار الذهب عالمياً وداخل الكويت، وبين حركة الإقبال عليه منذ أشهر من دون تأثر.

التساؤلات السابقة.. يفك ألغازها أحد التجار الكويتيين، إذ يؤكد أن حلقة ضيقة من التجار دأبت على إستيراد نوعيات خاصة من المجوهرات، لا تنتمي فعلياً إلى معدن الذهب، لكنها مطلية بلون الذهب إلى حد يصعب إكتشافه، إلا من قبل خبراء في الذهب، ومحال الصاغة. ومصدر تلك المجوهرات الجمهورية الروسية التي جنح خيال أحد المصنّعين فيها إلى إبتكار خاص، لمسايرة الإرتفاع الجنوني الحاصل لأسعار الذهب في مختلف أسواق العالم.

بيد أن الحاج عبدالله الأبرش، مالك أحد محال الصاغة في العاصمة الكويتية، يقول لـquot;إيلافquot; إن هذا النوع من المجوهرات يعدّ غشاً تجارياً، وجرى تصنيعه خصيصاً لأسواق الشرق الأوسط، لمعرفتهم الأكيدة برواجه هناك. وترفض محال الحاج الأربش تبيع هذا الصنف من الإكسسوارات، التي يسميها البعض عمداً quot;مجوهراتquot; لتضليل الزبائن، لا أكثر.

بدوره، التاجر خالد الواوان يخبر quot;إيلافquot; أن متجره في السوق القديم داخل العاصمة الكويتية يبيع ما يسمّى بالذهب الروسي، لكن تحت يافطة كبيرة، كتب عليها موظفو متجره عبارة quot; ذهب كذابquot;، في مسعى إلى دفع الزبون إلى التمييز بينه وبين الذهب الحقيقي، الذي تتغير أسعاره تبعاً لسعره العالمي، إلا أن زبائن يؤكدون للواوان أنهم تعرضوا للنصب والإحتيال من قبل محال باعتهم ما يعرف بالذهب الروسي، على أنه ذهب حقيقي، ولم يكتشفوا الأمر إلا عندما ذهبوا لبيعه وإستبداله، فأبلغهم صاغة آخرون بأن ما يحملونه لا يمت إلى الذهب بصلة، وأنه ليس أكثر من إكسسوارات، جرى إتقان تصنيعها، كي تحل بديلاً من الذهب الحقيقي، الذي شهد سوقه في معظم أسواق الشرق الأوسط كساداً هائلاً، مع بدء تفاعلات أزمة المال العالمية، التي إندلعت قبل أكثر من عام، ولا تزال تأثيراتها قائمة.

رمضان والعيد والمدارس.. عناصر سلبية
ووفقاً لتقارير رسمية، وأخرى غير رسمية، فإن الإقبال على شراء الذهب في دولة الكويت شهد تراجعاً ملحوظاً خلال السنة الحالية، خاصة في الأشهر الثلاثة الأخيرة، بسبب الارتفاع الكبير في أسعاره، الذي اعتبر الأعلى منذ 28 سنة. وفي هذا الإطار، عزا مراقبون ارتفاع أسعار الذهب إلى عدد من العوامل السياسية والاقتصادية، حيث تُعتبر الأوضاع الأمنية في المنطقة أحد العوامل المهمة للارتفاع، خاصة في ظل احتمالية مواجهة عسكرية بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران.

وفي سياق متصل، نقلت صحف كويتية عن مدير إدارة المعادن الثمينة في وزارة التجارة والصناعة الكويتية مسلم العنزي قوله إن الأشهر الماضية شهدت

تراجعاً في كمية استيراد الذهب إلى الكويت، إذ أرجع قلة استيراد الذهب من قبل التجار إلى تراجع الطلب على شرائه من قبل الزبائن، بسبب ارتفاع الأسعار، موضحاً أن الارتفاع هو تصاعد مستمر، منذ بداية حرب العراق وسقوط النظام العراقي السابق عام 2003، وحتى الآن.

وفى السياق عينه، أكد مدير إحدى شركات الذهب أحمد شبيب أن سوق الذهب في الكويت لم يشهد انخفاضاً في الطلب عليه مثل الوقت الحالي، منذ سنوات طويلة، بسبب ارتفاع أسعار الذهب عالمياً. وأوضح أن أحد العوامل، التي أثّرت على شراء الذهب في السوق المحلي هو تزامن موسم عودة المواطنين من السفر مع عودة المدارس، إضافة إلى حلول شهر رمضان وعيد الفطر في الفترة الزمنية الضيقة نفسها، ما قلل السيولة المالية لدى المواطنين والمقيمين.

الذهب الروسي حلّ أم غش؟
بسمة رمال.. وافدة تعيش في الكويت وتعمل فيها، وتقول إنها تعرف quot;حكايةquot; الذهب الروسي، ولا يمكن للمسألة أن تنطلي عليها، لأنها مهتمة جداً بأسعار الذهب، وتتابع أسعاره على الدوام، إلا أنها صدمت تماماً بالأسعار التي يزودها بها الصاغة لأسعار القطع المصنعة، فهي تحمل مبالغات كثيرة ولا تحتمل، حتى أضنتها عملية البحث عن مصاغات ذهبية بأسعار معقولة، كي تتم خطوبة ابنها الوحيد الأسبوع المقبل، إلا أنها فشلت في المهمة، لأنها تعتبر أن النصب الحقيقي الذي يمارسه الصاغة، ليس في بيع الذهب الروسي وحسب، بل في وضع قيمة مرتفعة جداً لثمن تصنيع المشغولات الذهبية، في مسعى إلى التحايل بطريقة أو بأخرى على أسعار الذهب.

لكنها مستعدة، كما تقول، بعد جولة مرهقة جداً، أن تشتري الذهب الروسي لخطيبة ابنها. وترى أنه ليس سيئاً، كما إن قيمته توازي نحو 30% من قيمة الذهب الحقيقي. وquot;المدعوون للخطوبة لن يتفحصوا بأيديهم مصاغ خطيبة ابني، لذلك سأشتريهquot;، متمنية أن تنخفض أسعار الذهب في الصيف المقبل، حين يحين موعد quot;الفرحة الكبرىquot;.

أما سعد السعدون، أحد الصاغة في سوق الذهب الكويتي، يعتقد أن أسعار الذهب إنطلقت نحو الأعلى، ولن تهبط أبداً في السنوات المقبلة، معتبراً أن مبيعات quot;الذهب الكذابquot; في أوجها الآن، فكثير من النساء اللواتي يتلقين هدايا هذه الأيام تكون عبارة عن إكسسوارات مطلية بلون ذهبي سميك، وتعتبر ذات قيمة نوعاً ما، أي إنها ليست كتلك الإكسسوارات الرخيصة جداً، التي تنكشف بعد استخدام واحد.

بيد أن الصائغ السعدون يعتبر ما يحدث للصاغة اليوم بأنه لا سابق له أبداً، وأن العشرات من الصاغة يفكرون بإغلاق محالهم، والبحث عن نوع آخر من التجارة، على اعتبار أن مهنة بيع الذهب لم تعد قادرة على سد تكاليف الموظفين والمشاغل والإيجارات، بعدما تدنى بشدة مستوى الزبائن، الذين أصبحون يقبلون بشدة على المشغولات المطلية بماء الذهب، وليس الذهب الحقيقي.

تقليد عربي بامتياز
وللإضاءة أكثر على الجانب الاجتماعي المتعلق بارتباط الأفراح الشرقية بابتياع الذهب، تشير الاختصاصية الإجتماعية والنفسية نورا الخضر إلى أن تلك

مسألة لها علاقة وثيقة الصلة مع الجانب النفسي للمستهلك، فعادة شراء الذهب للفتاة عند زواجها هي عادة عربية في المقام الأول، ويصعب الإستغناء نهائياً عن هذه الثقافة في المجتمعات العربية. لذلك فقد انتشر الذهب المزيّف، وكذلك أنواع ذهب أقل جودة، فقط لإشباع نهم الأسر العربية في مسألة الذهب.

وأكدت الخضر أنها تدخلت شخصياً لعلاج حالات أوشكت الوصول إلى حد الانفصال وفسخ الخطوبة، بسبب العناد المتبادل في مسألة الذهب، ففي وقت يؤكد فيه المخطوب أن ميزانيته المالية تسمح بشراء هذا القدر فقط من الذهب، تصر المخطيبة على أنها ليست أقل شأناً من quot;أختها أو صديقتها اللتين اشترتا ذهباً لزفافهما بمبلغ كبير من المالquot;، ومعروف أن الأهالي يتمسكون بقيمة الذهب كأحد الشكليات التي تسبب مشاكل كبرى.

وتشتشهد الخضر موضحة quot;فمثلاً.. الخطيبان جابر وهند إتفقا على أن لا يشتريا الذهب بمناسبة زفافهما الشهر المقبل، بسبب غلاء أسعاره، وعدم مقدرته على شراء كمية كبيرة منه، لذلك فقررا أن يمنحها المبلغ المخصص لشراء الذهب، لتودعه في البنك، إلى حين انخفاض أسعاره مجدداً، ثم تشتري ما تشاءquot;.