تتجه الجزائر إلى توسيع رقعة المناولة الصناعية من خلال برنامج عملي للتطوير يكفل تحقيق الانسجام في عملية تصنيع السلع التجهيزية والسلع التحويلية، ما يشكّل تحولاً لمساري التنمية والاندماج الاقتصادي في البلاد.
الجزائر: يعرّف متخصصون المناولة الصناعية (sous-traitance) بكونها تعاقداً من الباطن تخصّ كل الالتزامات في مجالات الإنتاج والخدمات الصناعية من مكونات ومنتجات وإكسسوارات وخدمات، التي تنشأ بين مؤسستين أو أكثر طبقاً لعقد متفق عليه وملزم للطرفين، بما يضمن استمرار العلاقة وخدمة المنافع المشتركة.
وبحسب الخبير منير بوعكوك فإنّ المناولة في ماهيتها، آلية إنتاجية، فهي بالمنظور الاقتصادي نموذج إستراتيجي يمكّن من تحسين مردودية وإنتاجية المؤسسات وما يترتب عن ذلك من إنشاء متزايد للثروة (القيمة المضافة) وفرص العمل، وكل ذلك مع التخصص في نشاطها الأساسي.
وبعد أعوام من بقاء المناولة الصناعية في الجزائر رهينة لعدم الاهتمام، أقرّت الحكومة الجزائرية سلسلة تدابير لتشجيع التحاق المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بالتيار العالمي للمناولة، وترقية عمليات الشراكة مع كبار أرباب العمل، سواء كانوا محليين أو أجانب، إلى جانب تنسيق نشاطات بورصات المناولة والشراكة في الجزائر.
وتعدّ الخطوة مفصلية، خصوصاً وأنّ المؤسسات الاقتصادية المحلية واظبت في معظم الأحيان على اللجوء إلى استيراد قطع الغيار وعموم المنتجات النصف مصنعة من الأسواق الخارجية، على حساب منتجات المتعاملين الاقتصاديين الوطنيين بزعم افتقاد هؤلاء للاحترافية والصرامة والتحكم في النوعية أو نقص المعلومات.
ويبدي الاختصاصي أنيس نواري في مقابلة مع quot;إيلافquot; تفاؤلاً بأفق المرحلة المقبلة، بحكم شروع الجزائر في إعادة هيكلة مؤسساتها بالتزامن مع ميلاد الآلاف من المؤسسات الصغرى والمتوسطة، بشكل سيسمح بظهور العديد من الشركات المتخصصة بالمناولة الصناعية، لا سيما غداة تبنّي إستراتيجية محلية لتنظيم وترقية المناولة، تجسدت في إنشاء مجلس محلي للمناولة، وكذلك إنشاء شبكة بورصات المناولة.
كما يثمّن أحمد رزيق في تصريح لـquot;إيلافquot;، وهو مسؤول أحد المؤسسات الصناعية الصغرى، الآليات التي وضعتها الجزائر، حتى وإن يعتبرها غير كافية، في وقت يطالب محدثنا بإعداد ميثاق خاص بالمناولة، وكذا إعداد عقد نموذجي خاص بالمناولة يحدّد العلاقة بين الآمر بالأعمال والمناول من خلال بيان واجبات وحقوق كل طرف، لاسيما مع تموقع منظومة المناولة في الجزائر كنموذج استراتيجي بات يمكن المؤسسات الكبرى من الإسراع في وتيرة نموها وتحسين المردودية والإنتاجية، وبالتالي إنشاء متزايد للثروة (القيمة المضافة) وإيجاد فرص عمل.
من جهته أوضح عزيوز العايب مدير بورصة الجزائر للمناولة والشراكة أن شركات المناولة متعددة، وتخص أساساً الصناعة الميكانيكية، والبلاستيك، والمطاط، والخشب، والورق وكذا الخدمات المتعلقة بالصيانة والتكوين والهندسة، مبرزاً تجسيد مائة عقد مناولة في مجالات متنوعة كنتيجة لحاجة المتعاملين المحليين إلى التكامل لضمان الاندماج الصناعي.
وعلى خلفية ضعف اهتمام المتعاملين الجزائريين بقطاع المناولة، واتجاههم إلى الاستثمار في قطاعات اقتصادية أخرى تعرف حالياً quot;اكتظاظاً كبيراًquot; مثل الصناعات الغذائية، يدعو عموري براهيتي إلى تعريف المتعاملين الجزائريين بفضائل المناولة الصناعية، على درب تطويرها، ومن ثمّ التخفيف من العبء المالي الذي يفرضه استيراد هذه القطع، الذي يُنتظر أن يعرف خلال السنوات القليلة المقبلة انخفاضاً، خصوصاً مع تميّز الظرف الاقتصادي الحالي للجزائر بمؤشرات إيجابية عدة ومشجعة على الاستثمار، خصوصاً بعدما أعادت شركة تأمين القروض quot;كوفاسquot; أخيراً تصنيف الجزائر في المرتبة quot;أ 4quot; في ترتيب صحة الاقتصاديات العالمية.
ويلاحظ عبد الله غجاتي رئيس البورصة الجزائرية للمناولة والشراكة، أنّ المؤسسات الجزائرية باتت مجبرة في الوقت الحالي على تكييف كفاءاتها ونظمها، لمواكبة التطور الذي يعرفه العالم على المستويات كافة حتى تتمكن من دخول السوق المتوسطية، ويحصي خبراء عدد المؤسسات المصغّرة والمتوسطة التي يمكنها أن تنشط في مجال المناولة يقدر بألف مؤسسة، سواء مع شركات محلية أو أجنبية، حيث تتوافر في الجزائر فرص كثيرة غير مستغلة في مجال المناولة، لاسيما في تحويل المعادن وصناعة المطاط والبلاستيك التي تهم حالياً المستثمرين الأجانب.
وأشار في هذا السياق إلى عدد من ميادين المناولة على غرار صناعة الزجاج والخزف، التي تهم حالياً بعض المؤسسات الفرنسية للقيام بمناولة مع مؤسسة جزائرية مختصة في صناعة الزجاج الموجه للمخابر.
وتستورد الجزائر سنوياً ما قيمته 3 مليارات دولار من قطع المناولة الموجهة خصيصاً لصيانة وإصلاح آلات ومعدات الإنتاج الصناعي، والمقتناة من 8 ممونين رئيسين، وتحتل فرنسا المرتبـة الأولى بـ 422 مليون دولار متبوعة بإيطاليا (189 مليوناً) والصين (165 مليوناً) وألمانيا (136 مليوناً) وأسبانيا (122 مليوناً) والولايات المتحدة الأميركية (115 مليوناً) واليابان (89 مليوناً) وتركيا بـ 85 مليون دولار.
ويرجع براهيتي، هذه الفاتورة الثقيلة إلى ضعف اهتمام المتعاملين الجزائريين بقطاع المناولة، واتجاههم إلى الاستثمار في قطاعات اقتصادية أخرى تشهد حالياً quot;اكتظاظاً كبيراً، مثل قطاع الصناعات الغذائيةquot;، وذلك رغم الأهمية البالغة لقطاع المناولة الصناعية الذي يعد بحسبه quot;موجّهاً للتنمية والاندماج الاقتصادي في الجزائرquot;.
في ظل هذه الآفاق فإن بورصات المناولة والشراكة تعد من الأدوات الضرورية التي يستوجب ترقيتها نظراً إلى الخدمات المنتظرة منها، وبالخصوص في مجالات الإعلام والتنشيط والتشاور.
وبقي وضع المناولة الصناعية في الجزائر مراوحاً لمكانه خلال السنوات الماضية، رغم إنشاء البورصة الجزائرية للمناولة والشراكة سنة 1991، وهي جمعية ذات غرض غير مربح، وتتكون من مؤسسات عمومية وخاصة، تتمثل مهامها أساساً في إحصاء الطاقة الحقيقية الجزائرية للمناولة وإجراء العلاقات بين عرض وطلب المناولة والاشتراك على المستوى الوطني والدولي، حيث تنشط ما يربو عن ثلاثمائة مؤسسة من دول الضفة الجنوبية للمتوسط، وهي المغرب وتونس وليبيا وتركيا والأردن وسوريا ومصر ولبنان.
ويشرح بوعكوك أنّ بورصات المناولة تعدّ أداة ربط تشاركية بين المؤسسات الآمرة (donneurs drsquo;ordre) والمؤسسات المناولة (sous-traitante) والمكونة أساساً من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، التي تلعب دوراً أساسيا في مجال التنشيط وترقية وتطوير المناولة والشراكة، وأيضاً المرافقة في ربط علاقات أعمال.
التعليقات