تراجع سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الجنيه المصري، ليصل إلى حوالي 16 جنيه خلال الأيام القليلة الماضية للمرة الأولى منذ قرار تحرير الصرف الذي اتخذته الحكومة المصرية في الثالث من نوفمبر/ تشرين الأول الماضي. وبدأت العملة المصرية منذ بداية الأسبوع الماضي في إظهار قدر من التماسك مقارنة بمستوياتها السابقة. ومنذ تحرير سعر الصرف، قفزت العملة الأمريكية قفزات واسعة مقابل الجنيه المصري حتى تجاوزت قيمتها عشرين جنيها في بعض الأحيان. وتزداد حاجة مصر إلى الدولار الأمريكي نظرا لاستيرادها أغلب الاحتياجات الضرورية من الخارج، مما أدى إلى ارتفاع حاد في أسعار السلع والخدمات في مصر نتيجة للارتفاع الحاد للعملة الأمريكية مقابل الجنيه على مدار الأشهر الثلاثة الماضية، ومن ثَمَ ارتفاع معدل التضخم لمستويات أعلى من 30.00 في المئة. وهناك عدة أسباب وراء تراجع سعر الصرف من بينها إجراءات اتخذتها الحكومة المصرية تتمثل في وزارة المالية والبنك المركزي، علاوة على عوامل تتعلق بالمستهلك وأخرى تتعلق بتداول العملة الأجنبية في مصر. واتخذت وزارة المالية قرارا بتثبيت سعر الدولار الجمركي، وحدة المحاسبة الجمركية التي يسددها المستوردون على الواردات التي تدخل إلى مصر، عند مستوى 16.00 مقابل 18.5 جنيه مصري. ويقول عمرو الجارحي، وزير المالية المصري لبي بي سي إن "مجموعة من العوامل أسهمت في تراجع الدولار مقابل الجنيه في مقدمتها إطلاق برنامج الإصلاح الاقتصادي والإجراءات النقدية، وأبرزها قرار تحرير سعر الصرف الصادر عن البنك المركزي في نوفمبر/ تشرين الأول الماضي". كما أرجع ذلك إلى "إصدار السندات السيادية من الدولار في أسواق المال العالمية، والتي حققت مبيعات بحوالي أربعة مليارات دولار، وارتفاع حجم الثقة في إجراءات الإصلاح الاقتصادي، وإقبال المستثمرين الأجانب على شراء أذون الخزانة المصرية." وارتفع حجم مشتريات الأجانب من أذون الخزانة المصرية إلى 10.2 مليار جنيه بنهاية ديسمبر/ كانون الأول 2016 مقابل 220 مليون جنيه في فبراير/ شباط من العام السابق، وفقا للبنك المركزي المصري. وتواصل مبيعات أذون الخزانة للأجانب الارتفاع، إذ سجلت المزايدة الأخيرة في 14 فبراير/ شباط الجاري تجاوز مشتريات الأجانب من أذون الخزانة المصرية 15 مليار جنيه. وتشير هذه القفزة الواسعة إلى إمكانية عودة الاستثمار الأجنبي في أذون الخزانة إلى أحجام ما قبل ثورة يناير/ كانون الثاني 2011 عندما سجلت استثمارات الأجانب في هذا النوع من الأوراق المالية حوالي 11 مليار دولار. ويقول مدحت نافع، أستاذ الاستثمار والتمويل، لبي بي سي إن أسباب تراجع الدولار مقابل الجنيه المصري "عرضية، لكن يمكن تحويلها إلى أسباب مستدامة إذا اتخذت بعض الإجراءات." وأضاف أن "تثبيت الدولار الجمركي من قبل وزارة المالية جاء استجابة لعدد من خبراء الاقتصاد، وتراجع الواردات الناتج عن تأثر حركة التجارة العالمية بموسم العطلات الصينية الطويلة، وتوقف البنك المركزي المصري عن عمليات الشراء المباشر للدولار من الأسواق كانت من أهم أسباب تراجع سعر صرف الدولار." وأرجع نافع هبوط سعر الصرف إلى الدور الذي لعبه المستهلك المصري في البحث عن بدائل محلية لكل ما هو مستورد، مما أدى إلى تراجع الطلب على الدولار الأمريكي من قبل المستوردين إلى حدٍ ما. ويعاني المستهلك المصري من ارتفاعات حادة في الأسعار على كافة المستويات، إذ بلغ معدل التضخم في يناير/ كانون الثاني الماضي 30.86 في المئة، وفقا للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء. ورفعت وزارة التموين المصرية أسعار السلع الأساسية التي يتلقاها المستهلكون المصريون من مستحقي الدعم إلى مستويات بلغت أضعاف الأسعار السابقة، مما زاد من معاناة المصريين على مدار الفترة منذ قرار تحرير سعر الصرف وحتى الآن. ولا يُتوقع أن ينعكس هبوط الدولار مقابل العملة المحلية إيجابا على المواطن المصري، وفقا لنافع الذي أكد أن هناك معوقات تحول دون تمرير هبوط الأسعار إلى المستهلكين كما تُمرر ارتفاعاتها. وأضاف نافع أن "غياب الرقابة يجعل التسعير في مصر في اتجاه واحد فقط، إذ ترتفع الأسعار لعوامل بعينها، لكنها لا تنخفض بزوال تلك العوامل نظرا للقصور في أنشطة ضبط الأسعار في الأسواق." وأشار إلى أن "غياب آليات وقواعد صارمة للمنافسة للحيلولة دون تعرض المستهلك لممارسات الاحتكار غائبة أيضا."، مشددا على أهمية فتح الدول المجال أمام المزيد من المنافسين في كافة قطاعات الاقتصاد من خلال تخفيف القيود المفروضة على منح التراخيص الصناعية لتوسيع دائرة المنافسة. مستقبل سعر الصرف تراجع الدولار خلال الأسبوع الماضي مقابل أغلب العملات الرئيسية متأثرا بحالة الشك تجاه سياسات الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة دونالد ترامب والتصريحات الأخيرة لجانيت يلين، رئيسة بنك الاحتياطي الفيدرالي، الخاصة برفع الفائدة، والتي أشارت من خلالها إلى أنه من الضروري أن يرفع البنك المركزي الفائدة في وقت قريب، دون أن تحدد وقتا لذلك. وكان هبوط الدولار في سوق العملات العالمية من أهم العوامل التي ساعدت الجنيه المصري على اكتساب المزيد من القوة، إضافة إلى العوامل التي تناولناها من قبل. وقال محمد زيدان، كبير استراتيجيي أسواق المال في ThinkMarkets، لبي بي سي إن "تراجع الدولار الأمريكي مقابل العملات الرئيسية بسبب حالة الشك تجاه سياسات ترامب وعدم وضوح المسار الحالي للسياسة النقدية للفيدرالي هو ما انعكس إيجابا على الجنيه المصري وخفض سعر الصرف الدولار مقابل العملة المحلية في مصر." وأضاف أن "هناك زخم شرائي على الجنيه المصري في شكل مشتريات للأجانب من سندات وأذون الخزينة المصرية التي يشهد الطلب عليها ارتفاعا ملحوظا في الفترة الأخيرة." وجاء بيان لجنة السياسة النقدية للبنك المركزي المصري يوم الخميس الماضي إيجابيا، إذ أكد إحراز تقدم على صعيد الإصلاحات الاقتصادية، علاوة على عدم توقع البنك المركزي لأي تغيير في معدلات الفائدة في وقت قريب. وأدت حالة الارتياح التي نشرها بيان اللجنة إلى ارتفاع العائد على أذون الخزانة المصرية بآجالها المختلفة. وارتفع العائد على أذون الخزانة المصرية لأجل 182 يوما إلى 18. في المئة مقابل المستويات السابقة التي سجلت 17.7 في المئة، مع ارتفاع إلى مستويات مماثلة لأذون الخزانة لأجل 364 يوما. وقال زيدان إن "ارتفاع الطلب على أذون الخزانة المصرية قد يؤدي إلى تراجع العائد يقربها من معدل الفائدة الأساسي المطبق من قبل البنك المركزي، 14.75 على الإيداعات و15.75 على الإقراض، وهو ما قد يؤدي إلى فقد هذه الفئة من الأوراق المالية ميزتها التنافسية بين الأصول الاسثمارية." ويرى أن سعر صرف الدولار دخل في حركة عرضية، مما يشير إلى انحساره بين نطاق سعري بين 16.50 جنيه و14.80. وأضاف أنه حال اختراق المقاومة والارتفاع فوق مستوى 16.50 جنيه، يُتوقع أن يصل إلى مستويات أعلى، لكن في المقابل، إذا كسر الدعم بالهبوط تحت مستوى 14.80 جنيه، يُتوقع أن يشهد المزيد من التراجع. حذر زيدان أيضا من أن اقتراب العائد على سندات الخزانة من معدل الفائدة الأساسي قد يقلل من الإقبال عليها، ويؤدي بالتبعية إلى تراجع الجنيه مقابل الدولار، ما يمكن تفاديه من خلال إجراء من البنك المركزي المصري للحفاظ على ارتفاع عائدات السندات في الخزانة المصرية مثل خفض معدل الفائدة الأساسي. وتوقع وزير المالية المصري استمرار تراجع الدولار مقابل الجنيه المصري بشرط تحقيق تقدم على صعيد الاقتصاد الحقيقي وتحسن معدل النمو، ما يحدث استقرارا في سوق الصرف. وأضاف: "أعدنا سوق الصرف إلى القطاع المصرفي، والإصلاحات الاقتصادية كانت سببا رئيسيا في هبوط الدولار، لكن الأمر قد يستغرق بعض الوقت حتى تحقيق التوازن في سعر الصرف"، مرجحا أن الدولار سيصل إلى رقم منطقي مقابل الجنيه المصري يعكس الأداء الاقتصادي وما تحققه مصر من نمو. وقال وليد أبو الذهب، خبير تداولات سوق العملات والسلع، لبي بي سي إن "تحويلات العاملين بالخارج من المصريين ارتفعت إلى مستويات أعلى في الفترة الأخيرة، وهو ما اتضح من خلال جمع البنوك في مصر لحوالي 13 مليار دولار من سوق الصرف المصري في منذ اتخاذ قرار تحرير سعر الصرف." رغم ذلك، توقع وليد أبو الذهب، خبير تداولات العملات العالمية والسلع، ارتفاع معدل الإنفاق الاستهلاكي باقتراب شهر رمضان الذي يستهلك فيه المصريون أضعاف الكميات التي يحتاجون إليها في باقي أشهر السنة. وحذر مدحت نافع من التأثير السلبي المحتمل الذي من الممكن أن يقع على الجنيه المصري بسبب موسم العمرة، التي يزداد الإقبال عليها في شهر رمضان أيضا، إذ يبيع المصريون كميات كبيرة من الجنيه المصري مقابل الريال السعودي للتوجه إلى السعودية لأداء مناسك العمرة. ويرى نافع أن بيع الجنيه المصري في هذا الموسم لن يؤثر فقط على سعر الصرف مقابل الريال السعودي، بل يمتد إلى سعر الصرف مقابل الدولار الأمريكي أيضا.المستهلك المصري
مخاوف محتملة
- آخر تحديث :
التعليقات