القاهرة: تحت ظلال شجرة وارفة ينضم عمر الى مزارعين آخرين في قرية صغيرة بغرب القاهرة ليقنعهم بأحقيته في ري أرضه أولًا فيما قلّت المياه التي يصبها نهر النيل في قناة مجاورة لأراضيهم.

يقول عمر البالغ من العمر 65 عامًا إن أرضه "جافة منذ عدة أيام". ويضيف "أنا بحاجة إلى مياه لريها قبل أن يستخدمها الآخرون".

يضيف الرجل الذي يزرع خضرًا، مشيرًا الى اوراق السبانخ والخس في حقله "نحن نعتمد على مياه النيل التي تقل بشكل خاص في الصيف ولا تكفينا". وتعاني مصر منذ سنوات من نقص في المياه يعزى أساسا الى تزايد أعداد السكان، ويحاول المزارعون تدبر أمورهم مع انخفاض حجم الوارد من المياه.

النقص المائي في مصر يرجع كذلك الى التغير المناخي والتلوث بمياه الصرف الصحي والنفايات الصناعية. وتزايد قلق المزارعين على ضفتي النيل في مصر بعدما أعلنت أثيوبيا عزمها انتاج الكهرباء اعتبارا من 2020 من سد النهضة الذي تبنيه على النيل.

خطر وجودي
ترى مصر أن السد، الذي يكتمل تشييده قريبًا، يشكل "خطرًا وجوديًا"، اذ يمكن أن يؤدي الى تقليل حجم المياه الواردة اليها بشكل كبير. ولكن اثيوبيا تؤكد أن نصيب مصر لن يتأثر. ويقول أحمد وهو مزارع شاب في الثالثة والعشرين "سيكون (هذا السد) دمارا لنا ولأرضنا. كيف سنستمر في الزراعة؟" .

بدأت مصر والسودان وأثيوبيا جولة مفاوضات جديدة في القاهرة لمحاولة التوصل الى اتفاق يرضي الأطراف الثلاثة. ويؤكد هاني رسلان الخبير في مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أنه "لا بد من التوصل الى اتفاق، والا فإن مصر ستواجه مشكلات اقتصادية واجتماعية غير محتملة".

وفقا له، فان من بين هذه المشكلات والمخاطر سيكون جفاف الاراضي الزراعية وانخفاض حجم الزراعة وصعوبة توليد الكهرباء من السد العالي. يضيف رسلان "ويمكن أن يؤدي ذلك الى أزمة سياسية وعدم استقرار". ويوفر النيل 95% من احتياجات مصر من المياه وعلى ضفتيه يعيش سكان البلاد البالغ عددهم 100 مليون نسمة، بحسب الأمم المتحدة. والنيل أطول نهر في العالم ويعد شريانا رئيسا في الدول العشر التي يمر بها.

لكن وزير الري السابق محمد نصر الدين يشدد على أن "اعتماد مصر على نهر النيل لا يقارن بدول حوض النيل الاخرى". يتابع "نحن في مستوى أدنى من مستوى الشح المائي". وبحسب المتخصصون، فان شح المياه يبدأ عندما يقل نصيب الفرد سنويا من المياه عن الف متر مكعب.

بلغ نصيب الفرد في مصر 570 مترا مكعبا في العام 2018، وينتظر ان يقل الى 500 متر مكعب بحلول العام 2025، وفق الأرقام الرسمية. وخلال السنوات الأخيرة، اتخذت حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي اجراءات من أجل الحفاظ على موارد البلاد من المياه.

من ضمن هذه الاجراءات، وضع صنابير موفرة للمياه في الأماكن العامة واعادة تدوير المياه المستخدمة، وتقليص زراعة المحاصيل المستهلكة للمياه مثل الأرز. كما أبرمت مصر عقودا قيمتها ملايين عدة من الدولارات مع شركة فلوانس كورب الاميركية لبناء محطات تحلية لمياه البحر، وفق الشركة.

بدأت اثيوبيا في بناء سد النهضة عام 2011، وتأمل في أن تتمكن من توليد الكهرباء منه مع نهاية العام المقبل، قبل أن يعمل السد بكامل طاقته في 2022. ولم تسفر تسع سنين من المفاوضات بين مصر والسودان واثيوبيا عن اتفاق.

البحث عن اتفاق
في الشهر الماضي اتفقت الدول الثلاث في واشنطن على مواصلة المحادثات بشأن النقاط الخلافية وعلى رأسها فترة ملء خزان السد واسلوب تشغيله. وتطلب مصر الحصول على 40 مليار متر مكعب من مياه النيل سنويًا كحد أدني وهو ما لم توافق عليه اثيوبيا.

خلال اجتماع واشنطن، الذي شارك فيه البنك الدولي ومراقبون أميركيون، قررت الدول الثلاث اعطاء نفسها مهلة حتى 15 يناير 202 للتوصل الى اتفاق.

يعتقد وليام ديفيسون من مجموعة الازمات الدولية أن "تسارع وتيرة المحادثات ووجود مراقبين يزيد من فرص التوصل الى تسوية". وتعتبر اثيوبيا أن السد الذي تبلغ كلفة تشييده 4 مليارات دولار أساسي لنموها الاقتصادي. أما بالنسبة الى السودان، فان السد سيوفر لها كهرباء وسينظم منسوب المياه التي تصل اليه.&

يستبعد الخبراء نشوب نزاع مسلح بسبب الخلاف على توزيع مياه النيل "لأن ذلك سيكون بالغ الضرر لكل الاطراف"، بحسب ديفيسون.