هل أرسلت بريدا إلكترونيا اليوم؟ أو شاهدت مقطعا مصورا على أحد المواقع؟ أو حتى استمعت إلى أغنيتك المفضلة على الإنترنت؟

هذه أمور بسيطة تحدث مليارات المرات يوميا حول العالم؛ لكن عليك وأنت تفعلها أن تدرك أنك تسهم في زيادة الانبعاثات التي تؤدي إلى ما يعيشه كوكب الأرض من تبعات مدمرة للتغير المناخي.

ربما لن تكون الملام الرئيسي وراء استخدامك للتكنولوجيا الذكية التي باتت عنصرا حياتيا، فالخبراء ينحون باللائمة على الشركات التي تطور تلك التكنولوجيا وتصنعها.

ما المزاعم الجديدة لمنكري التغير المناخي؟

إغلاق المدارس والجامعات في دلهي بسبب تلوث الهواء بذرات سامة

ورود اسم قطاع التكنولوجيا وما يرتبط به من تقنيات المعلومات والاتصالات، على قائمة المشتبه بهم في قضية التغير المناخي، قد يكون مفاجئا لكثيرين.. إذ يرتبط اسم هذه التقنيات في أذهان كثيرين بالطاقة النظيفة والحلول المستدامة على عكس قطاعات أخرى مثل النقل والتصنيع الثقيل والتعدين والتدفئة.

التكنولوجيا شريكة في جرائم المناخ

تقدر نسبة الانبعاثات من استخدام التكنولوجيا الرقمية فقط بنحو 4 ٪ من الانبعاثات العالمية سنويا، "وهي نسبة ضخمة، حيث إنها تماثل أو تزيد على الانبعاثات الناتجة عن قطاع الطيران والخطوط الجوية" وفقا للدكتورة شارون جورج أستاذة الاستدامة البيئية والتكنولوجيا الخضراء بجامعة كيل في بريطانيا.

كيف تسهم التكنولوجيا الذكية في زيادة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري؟

تتلخص علاقة التكنولوجيا بالاحتباس الحراري وتغير المناخ من خلال جانبي الاستخدام والتخزين.

من جهة الاستخدام، يمكن القول إن غالبية الأنشطة التي نستخدم فيها أجهزة تكنولوجية، تسهم في زيادة الانبعاثات. وذلك بسبب استهلاك الطاقة لتشغيل الأجهزة والشبكات اللاسلكية التي تعتمد بشكل كبير على الكهرباء المولدة عبر مصادر الوقود التقليدية من غاز ونفط وفحم.

وتضيف د. جورج أن "العديد من الناس يجهلون ما لا يرونه بأعينهم؛ وهذا ما يحدث تماما عند الحديث عن جانب تخزين البيانات الذي قد يكون أعقد قليلا".

فكل ما نقوم به تقريبا على شبكة الإنترنت يتم تخزينه على شكل بيانات في خوادم ومراكز بيانات تتغذى على الطاقة بشكل كبير.

ومع كل بريد إلكتروني ترسله وترفق ملفا أو صورة ما؛ تزداد كمية البيانات المخزنة وبالتالي كمية الطاقة المستهلكة والانبعاثات الناتجة عن استخدامها. وهذا يتكرر في كل مرة يعاد فيها إرسال بريد إلكتروني أو إدراج أشخاص جدد في المحادثة.

التكنولوجيا جزء من الحل

لكن فريقا آخر من الباحثين يرى أن التكنولوجيا الذكية سيف ذو حدين. فالدراسات والأبحاث لا تبخس التكنولوجيا والتقنيات الحديثة حقها ودورها أيضا في إيجاد الحلول للحد من التغير المناخي وخفض الانبعاثات.

وتشير الخبيرة البريطانية في مجال التكنولوجيا والطاقة، مولي ويب، إلى أن إيجابيات قطاع التكنولوجيا على البيئة تفوق السلبيات. وقالت مولي لبي بي سي إن الأمر برمته يعتمد على استخدام البشر للتكنولوجيا وتوظيفهم لها.

التكنولوجيا الذكية؛ شريكة في جرائم البيئة أم طريق للحل؟

بفضل التقنيات الحديثة يمكن لنا اليوم أن نحدد مستويات التلوث في مدينة أو منطقة ما، كما يمكننا قياس نسبة الكربون في الجو. فالأجهزة والتقنيات المتطورة تحدد مستوى الانبعاثات الناتج عن الأنشطة المختلفة؛ وبناء على ذلك نستطيع خفض هذه الانبعاثات".

وتؤكد مولي على أن الإنسان هو المسؤول الأول والأخير عن تحديد مسار وتأثير التكنولوجيا في التغير المناخي حيث إن "أنشطة مثل تعدين العملات الرقمية تستهلك الكثير من الطاقة" بينما في نفس الوقت بفضل التكنولوجيا الذكية اليوم يمكن للإنارة أن تطفأ وحدها في منازلنا عبر أجهزة الاستشعار التي تحدد ما إذا كان هناك حركة في الغرفة أم لا.

كما أن التقنيات الذكية "تستطيع تعديل الحرارة في منازلنا ومكاتبنا تلقائيا" مما يوفر كثيرا من الطاقة ويخفض من نسبة الانبعاثات.

وتضيف مولي أنه لهذا السبب "تتحمل شركات التكنولوجيا اليوم المسؤولية عن الأفراد في التوعية والتحفيز على خفض الانبعاثات التي يسهم بها كل فرد على حدة". فاليوم هنالك "تطبيقات متخصصة تخبرنا عن أفضل الأوقات لتشغيل الأجهزة الكهربائية كالغسالة مثلا، وذلك يعود إلى مستوى الاعتماد على الكربون وكثافته في مختلف الأوقات خلال اليوم" وهكذا لا يبقى هناك حجة للتملص من المسؤولية لدى الأفراد بحسب مولي.

ولكن رغم الإجراءات التي تقوم بها شركات التكنولوجيا للتخفيض من نسبة الانبعاثات وزيادة الوعي لدى الأفراد، إلا أنها ما تزال تحتاج لفعل المزيد بحسب الخبراء. وتشير مولي إلى ضرورة اعتماد شركات التكنولوجيا على مصادر الطاقة الخضراء النظيفة في تشغيل الخوادم الكبيرة التي تستخدم في تخزين البيانات، وتضيف أنه "لن يتم الحد من التغير المناخي في المستقبل بلا مساعدة التكنولوجيا"، وأخيرا ترى مولي أنه يمكن لكل فرد منا أن يسهل ويسرع من عملية خفض الانبعاثات عبر الاستغناء عن بعض العادات المؤذية للبيئة "مثل مشاهدة المقاطع المصورة على الإنترنت بدقة أقل وضوحا، أو حتى إيقاف الصورة إذا كان الغرض هو الاستماع فقط".

في قضايا المناخ، المتهم مدان حتى تثبت براءته؛ ويبدو أن الجزم فيما إذا كانت التكنولوجيا واستخداماتها المختلفة شريكة في جرائم البيئة أم مساهم في حلها، غير واضح كليا حاليا. إلا أن جميع الأطراف تؤكد حقيقة اعتماد ذلك على كيفية توظيف الإنسان لهذه التقنيات الذكية والاستفادة منها في إنقاذ الكوكب.