هونغ كونغ: ازداد التفاوت الاقتصادي في هونغ كونغ وتقلصت حرياتها وتلاشى بريقها بعد خمسة أعوام على تولي المسؤولة التنفيذية للمدينة كاري لام مهامها، على ما يرى محللون، مع اقتراب فترة حكمها المضطربة من نهايتها.

تولت كاري لام، أول أمرأة تتبوأ مسؤولية المدينة، منصبها على وعود بالتغلب على الانقسامات ومعالجة المشكلات المعيشية وخصوصا أزمة الإسكان.

لكن هيمنت على ولايتها تظاهرات عارمة مطالبة بالديموقراطية وما تلاها من تدابير قمعية فرضتها بكين، إضافة إلى استراتيجية "صفر كوفيد" عزلت المدينة فيما فتح منافسوها.

شعبية ضئيلة

وتستعد لام لمغادرة منصبها في نهاية حزيران/يونيو مع نسبة شعبية هي الأدنى مقارنة بأي زعيم آخر منذ أن أعادت بريطانيا مستعمرتها السابقة إلى الصين.

وفي خطابها الأخير حول السياسات في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وصفت لام هونغ كونغ بأنها "أقوى بكثير من أي وقت مضى"، بعد أن تدخلت الصين لضمان الاستقرار.

ونجت حكومتها من الحركة الاحتجاجية الواسعة لكن كثيرين يقولون إنها فشلت في تحقيق وعودها بتحسين المعيشة، والتي هي حتى برأي القيادة الصينية جوهر "النزاعات الاجتماعية المتجذرة".

العام الماضي، كان 1,65 مليون شخص من هونغ كونغ، أو قرابة شخص من كل أربعة، يعيشون تحت خط الفقر الحكومي، والذي يعني 4400 دولار هونغ كونغي (560 دولارًا أميركيًا) شهريا.

وهذا أعلى مستوى منذ بدء تسجيل البيانات قبل 12 عاما.

وتقول نائبة مدير جمعية تنظيم المجتمع، تجي لاي-شان إن "عامة الناس أُهملوا كثيرا. ... أحيانا يبدو وكأن (الحكومة) تعيش على كوكب آخر".

بدوره قال المستشار في بكين لاو سيو-كاي لفرانس برس "قد يُقال أن (لام) بذلت مساعي حثيثة، لكن القليل أُنجر في حل القضايا المعيشية المتدهورة والنزاعات المتجذرة في هونغ كونغ".

في تموز/يوليو الماضي، أدلى كبير المسؤولين الصينيين المكلفين شؤون هونغ كونغ، شيا باولونغ، خطابا اعتبر على نطاق واسع انعكاسًا لنفاد صبر بكين المتزايد إزاء أزمة الإسكان، والتي فشل كل مسؤول تنفيذي للمدينة في حلها منذ إعادة هونغ كونغ للصين في 1997.

وقال شيا إن على المدينة أن "تقول وداعا" للمنازل الشبيهة بالأقفاص وتشارك الغرف السكنية الصغيرة حيث يقيم قرابة 220 ألف شخص في هونغ كونغ.

تربعت هونغ كونغ لفترة طويلة على رأس أسواق الإسكان الأكثر تكلفة في العالم، حيث أظهرت دراسة أن معدل سعر العقار يفوق ب23 مرة متوسط دخل الأسرة السنوي.

الإسكان

زادت لام عدد وحدات الإسكان العامة المعروضة أكثر مقارنة بأسلافها، لكن الطلب لا يزال يتخطى العرض مع وصول فترة الانتظار إلى ست سنوات.

وقال الباحث في مجال استخدام الأراضي لدى جمعية ليبر للأبحاث، تشان كيم-تشينغ، إن لام بالغت في إعطاء الأولوية لبناء شقق للبيع.

وأوضح لفرانس برس أنه "بوضعها ملكية المنازل هدفا، فاقمت تفاوت الثروة في المجتمع".

أضاف بأن "سياسات (لام) لا تطال من هم بأمسّ الحاجة. هناك تعارض".

شهدت السنتان الأخيرتان من عهد لام أيضا هروبا غير مسبوق للناس إما بسبب القمع السياسي أو على خلفية تدابير للحد من كورونا، هي من الأكثر صرامة في العالم.

وتزايدت وتيرة المغادرة بدرجة أكبر هذا العام مع انهيار استراتيجية "صفر كوفيد" وسط تفشي نسخة أكثر عدوى للمتحورة أوميكرون أودت بما يزيد عن تسعة آلاف شخص غالبيتهم من كبار السن غير الملقحين.

غادر ما مجموعه 160 ألف شخص هونغ كونغ في الأشهر الثلاثة الأولى من العام.

أقرت لام مؤخرا بأن القيود تسببت في هجرة شركات أجنبية وهي "حقيقة لا يمكن إنكارها" على ما قالت.

في تلك الأثناء اثارت مساعي بكين المتواصلة لإعادة رسم المشهد السياسي في هونغ كونغ بموجة هجرة أخرى بين الأهالي.

احتجاجات

بعد سحق احتجاجات 2019 فرضت الصين قانونا واسعا للأمن القومي، جرّم المعارضة وغير وجه المدينة المعروفة بحرية التعبير.

اعتقلت الشرطة 182 شخصا بموجب قانون الأمن. وغالبية نشطاء الديموقراطية في المدينة إما في السجن أو فروا إلى الخارج.

وفي التقرير السنوي الذي يرصد حرية الإعلام في العالم، قالت منظمة مراسلون بلا حدود أن هونغ كونغ تراجعت من المرتبة 80 إلى المرتبة 148.

ووصف الناشط الذي مُنح اللجوء في الولايات المتحدة، فرانسيس هوي، لام بأنها "مطبّقة مطيعة" لأجندة الزعيم الصيني شي جينبينغ.

وقال هوي لفرانس برس إن لام "سرّعت وتيرة قمع الحريات".

وتتزايد أعداد أهالي هونغ كونغ الموجودين في الخارج مثل بريطانيا وكندا والولايات المتحدة.

وقال هوي "لم أتوقع أن يؤدي بي تحركي كناشط إلى طلب اللجوء. هذا انعكاس لمدى تراجع هونغ كونغ".