هل كان جمال عبد الناصر محقا في الاستعجال بتأميمه الشركة العالمية لقناة السويس ما أثار الحرب البريطانية الفرنسية الإسرائيلية على مصر عام 1956؟
تكشف وثائق بريطانية أن الزعيم المصري الراحل، الذي تعرض لانتقادات بسبب قرار التأميم المبكر، أصاب في توقعه بأنه لم يكن لدى الغرب نية لتسليم القناة كاملة إلى السيادة المصرية.
وحسب الوثائق، فإن الحكومة البريطانية أعدت خطة سرية بالتعاون مع فرنسا تتضمن بدائل لشركة قناة السويس، من بينها تشكيل تحالف "كونسورتيوم" من شركات الشحن الغربية، وإنشاء هيئة يتمتع فيها الأجانب بنفوذ هائل لإدارة القناة.
ووفقا للوثائق، فإن البريطانيين توقعوا أزمة التأميم حتى قبل ثورة 23 يوليو عام 1952 وتولي ناصر السلطة، ومن ثم بدأوا في وضع خطتهم.
وحسب اتفاقية القسطنطينية الموقعة عام 1888، كان من المفترض أن تنتقل السيادة على الممر الملاحي الدولي إلى مصر في شهر نوفمبر/تشرين الثاني عام 1968، الذي هو نهاية الـ 99 عاما، مدة امتياز شركة قناة السويس.
غير أن ناصر فاجأ الغرب بتأميم الشركة في 26 يوليو عام 1956، ما أدى إلى ما بات يعرف تاريخيا بأزمة السويس، التي كانت بداية تقلص نفوذ بريطانيا وفرنسا في الشرق الأوسط.
استثمار "مربح للغاية"
وتكشف الوثائق أن السير فرانسيس فيرنر وايلي، ممثل الحكومة البريطانية في الشركة، نبه حكومته في شهر فبراير/شباط عام 1952، إلى "احتمال تسريع إجراءات تمصير أو تأميم القناة".
وفي واحد من سلسلة تقاريره إلى لجنة قناة السويس في مجلس الوزراء البريطاني، قال وايلي: "احتمالية إقدام الحكومة المصرية في المستقبل القريب على تأميم الشركة أمر لا يمكن استبعاده على الإطلاق، وأقل ما يمكن توقعه، سواء بقيت حامية أجنبية في قناة السويس أم لا، هو المطالب المستمرة من جانب المصريين بزيادة السيطرة على مستوى القمة، مصحوبة بتمصير متزايد لكل كوادر الشركة".
وكانت مصر وبريطانيا، في ذلك الوقت، بصدد بدء مفاوضات بشأن جلاء القوات البريطانية المحتلة عن منطقة القناة.
وفي تقريره عن "قناة السويس والمفاوضات المرتقبة مع مصر"، لفت وايلي انتباه حكومته إلى أنه "لو ذهبت القوات البريطانية ولم تحل محلها قوة دولية، فإن أسوأ المخاوف على الشركة سوف تتحقق".
وأضاف "هناك أسس وفيرة تبرر وجود هذه المخاوف"، مشيرا إلى خطرين: "تدخل مادي محتمل في حركة الشحن، مصحوب بفرض شروط معيشية لا تطاق للعاملين الأوروبيين، ومطالب مصرية، تشمل ربما التأميم، تشكل خطرا على هيكل الشركة كله".
- مصر تعلن تحقيق "أعلى إيراد في تاريخ قناة السويس"
- قصة الهجوم الثلاثي البريطاني الفرنسي الإسرائيلي على مصر
وفضلا عن أهمية الممر المائي للملاحة العالمية، اهتمت بريطانيا بشركة القناة منذ عام 1874، عندما اشترت حكومتها بزعامة بنيامين دزرائيلي 44 في المئة من أسهمها، هي نصيب الخديوي إسماعيل. واعتبرت التقارير البريطانية هذا "استثمارا مربحا للغاية".
وفي تقرير آخر إلى وزارة الخارجية، استعرض لورد موريس هانكي، مدير الشؤون التجارية في شركة قناة السويس، ما اعتبره أسبابا تبرر عدم تسليم الشركة والقناة للمصريين حتى بعد انقضاء فترة الامتياز القانونية.
وقال إن معاهدة القسطنطينية تنص على "بقاء القناة متاحة ومفتوحة دائما في وقت الحرب، وكذلك في وقت السلم، لكل سفينة تجارية أو حربية دون تمييز على أساس العلم"، أي علم الدولة الذي ترفعه السفينة.
وترجع أهمية تقرير لورد هانكي إلى أنه كان مقربا من الزعيم البريطاني ونستون تشرشل ومعروفا بدفاعه القوي عن دور شركة قناة السويس والوجود العسكري الإنجليزي في مصر.
ونقل اللورد عمن وصفه بمسؤول فرنسي رفيع المستوى قوله: "كقوة تملك الأرض (التي تقع فيها قناة السويس)، تعتبر مصر نفسها هي السيدة القيمة الوحيدة المنوط بها أن تنظم -وفق اتجاهات سياستها الخاصة- استخدام طريق بحري، وتقرر حسب تصورها وإدراكها للمصلحة العامة، منع هذه السفينة أو تلك، التي تحمل هذه الجنسية أو تلك، وتحمل هذه المنتجات أو تلك، وهي متجهة إلى هذه الجهة أو تلك، وتضعها في قائمة سوداء".
وبناء على هذا خلص اللورد إلى أنه "في هذه الظروف، لا يمكن تسليم قناة السويس إلى مصر الآن. وما لم يعدِّل المصريون أساليبهم، قد يكون التسليم مستحيلا أيضا في عام 1968".
وأضاف "ليس واردا لفترة طويلة قادمة أن تُسلم قناة السويس لهم (المصريين). فرغم حقيقة أنه لُفت مرارا انتباه الوزراء المصريين إلى هذا المبدأ (حرية الملاحة دون تحكم)، فإنه يُنسى".
ونصح هانكي بأنه "ينبغي أن نحصل من المستخدمين الأساسيين الآخرين على التزام بالتدخل الفعال، مثل استخدام السفن الحربية والقوات، لو قضت الضرورة، إذا حاول المصريون تغيير وضع النظام القانوني الأساسي لشركة قناة السويس".
وعبر عن مخاوف قوية بشأن التأثيرات السلبية على قناة السويس في حالة اندلاع اضطرابات نتيجة عدم استقرار الحكم في مصر، الأمر الذي يستدعي الاستعداد لأي تطورات.
كانت الشركة مصرية على الورق، لكنها تحت السيطرة الكاملة للإنجليز والفرنسيين.
وفي لندن، أعد فريق خبراء بريطاني تقريرا عن الشركة للجنة القناة في مجلس الوزراء، قال فيه إن "طيبعتها وملكيتها الأجنبية وأرباحها الكبيرة التي حققتها خلال سنوات، تجعلها هدفا واضحا وجاذبا للسياسيين القوميين (المصريين)".
وأبدى التقرير، الذي حمل عنوان "مستقبل قناة السويس وشركة قناة السويس"، شكوكا في نوايا المصريين في حال انسحاب القوات البريطانية من القناة في إطار تسوية قد تسفر عنها المفاوضات بين القاهرة ولندن. وقال إن الانسحاب "سوف يترك القناة نفسها وشركة القناة أكثر عرضة للاعتداء المصري".
وتوقع أن يواصل المصريون تطبيق معاهدة الامتياز حتى عام 1968، غير أنه رجح أنها "سوف تعاني أكثر من أي وقت مضى من غياب أي دعم دولي لتطبيقها"، مشيرا إلى أنه ليس للشركة ضمان دولي باعتبارها مصرية شكلا.
وعبر الخبراء عن اعتقادهم بأنه "لا يمكن إنكار أن من مصلحة حكومة جلالة الملكة منع المصريين من أي اعتداء على حرية المرور في القناة والحفاظ على فعالية عملها وهو ما توفره الشركة حاليا".
وخلص إلى أن "الحجج المؤيدة لاتخاذ عمل ما الآن لضمان هذه الأمور، في حالة تسوية مصرية انجليزية جديدة، قوية للغاية".
خمسة بدائل لم تر النور
بحث الخبراء بدائل عدة شملت: إضافة نص يتعلق بقناة السويس وشركتها في أي تسوية بين مصر وبريطانيا، وإنشاء تحالف عسكري في الشرق الأوسط لحماية القناة والشركة، وتدخل حلف شمال الأطلسي "ناتو" لتوفير الحماية، وفصل منطقة القناة عن مصر، ووضع القناة تحت سيطرة الأمم المتحدة.
غير أن الآراء اتفقت على أن هذه الخيارات غير قابلة للتطبيق لأسباب تتعلق برفض المصريين "لأنها تمس كرامتهم وسمعتهم"، وأخرى تتعلق بصعوبة إقناع دول العالم الأخرى بتأييدها.
وطُرح مشروع بديل يقضى بتشكيل "تحالف شركات كونسورتيوم، من القوى البحرية الأساسية المعنية بالقناة، وهي المملكة المتحدة، والولايات المتحدة، وفرنسا وهولندا وإيطاليا والنرويج".
وقال الخبراء إن الكونسرتيوم المقترح سوف "يملأ إلى حد ما الفراغ الناتج عن انسحاب القوات البريطانية، لأنه سوف يتولى رسميا مراقبة حرية القناة" بعيدا عن التحكم المصري.
في الوقت نفسه، قبلت بريطانيا اقتراحا فرنسيا لعقد مؤتمر سري للقوى الست، "لدراسة إجراءات طارئة للحفاظ على القناة مفتوحة في حال حدوث أي انهيار لخدمات قناة السويس نتيجة عمل ما من جانب الحكومة المصرية، أو توقف العمالة المصرية عن العمل".
وكان أمل البريطانيين هو أنه "لو عقد اللقاء المقترح، ربما يمكن تشجيعه على أن يتطور إلى الكونسورتيوم"، البريطاني المأمول.
ووفق الخطة البريطانية، فإنه "في حالة الاتفاق، لن يكون ضروريا أو حتى مرغوبا أن يعلن (المشاركون) خططهم". لكن الخبراء رأوا أنه إذا "عُلم أن المشاركين توصلوا إلى اتفاق بشأن عمل ملائم مناسب، فإن هذا في حد ذاته لا بد أن يكون بمثابة كابح معتبر للحكومة المصرية".
وظلت اتصالات بريطانيا مستمرة مع الدول المعنية، بما فيها الولايات المتحدة، حتى قيام ثورة الضباط الأحرار على النظام الملكي في مصر. وأخذت المفاوضات مع بريطانيا بشأن الجلاء عن منطقة القناة منحى آخر.
وفي شهر يوليو/تموز عام 1953، كثفت لندن وفرنسا الضغوط على الولايات المتحدة لعقد المؤتمر السري في أقرب وقت ممكن.
وتكشف وثائق مجلس الوزراء البريطاني أن واشنطن "أوضحت بجلاء أنها غير مستعدة للمشاركة، بسبب إمكانية إثارة ردود فعل عنيفة من جانب المصريين إذا سمعوا به، وربما يُفاقم هذا المخاطرَ التي يهدف المؤتمر إلى مواجهتها".
- نجيب ساويرس: لماذا أغضب رجل الأعمال المصري كثيرا من المغردين؟
- هل ستنجح خطط الحكومة المصرية في مواجهة الأزمة الاقتصادية؟
- كيف تستطيع الحكومة المصرية تفادي كارثة محققة بعد انهيار الجنيه؟
لم تكتف الولايات المتحدة بالرفض، بل اقترحت بديلا للنهج البريطاني الفرنسي.
ووفق محضر اجتماع للجنة القناة بمجلس الوزراء البريطاني في شهر مارس/آذار عام 1954، فإن هذا البديل هو "نهج متعدد الأطراف تجاه مصر من جانب القوى البحرية، على أن يتصل سفير واحد مع الحكومة المصرية التي يجب أن يُطلب منها إصدار إعلان من جانب واحد، ثم يمكن للقوى البحرية الأخرى أن تتعامل مع هذا الإعلان بشكل فردي".
واعتبر البريطانيون أن في الموقف الأمريكي "ممناعة في ممارسة ضغوط على مصر". ولم يقبلوا ولا الفرنسيون اقتراح واشنطن. ومع ذلك، لم يفقد البريطانيون الأمل، وقرروا أنه "لا ينبغي أن نمتنع بالضرورة عن المضي في هذه المشاورات (مع القوى البحرية) إذا رفض الأمريكيون أن يفعلوا ذلك".
وقررت اللجنة، تنفيذا لتوصية وزير الخارجية، أن "بريطانيا ستكون سعيدة بالدعم الأمريكي، لكن لا يجب أن نحجم عن اتباع هذا النهج (الضغط الجماعي على مصر) إذا امتنع الأمريكيون".
وفي الاجتماع التالي للجنة، تقرر أن "خطة تشكيل الكونسورتيوم هي الضمانة الوحيدة لفترة ما بعد انتهاء معاهدة 1888". إلا أنهم رأوا "ضرورة مشاركة الولايات المتحدة كي يشارك الآخرون".
وانتهوا إلى التالي: "لا يمكن الاعتماد على الفرنسيين للمضي في المشروع، رغم أن لهم مصلحة خاصة في القناة، لكنهم مرعوبون للغاية من المشاركة في خصومتنا مع مصر. وربما يفضلون أن نتخذ نحن بعض الإجراءات، ولكن عندما يجد الجد، سوف نجد أنفسنا وحدنا في مواجهة المصريين".
إدارة بديلة
ظل البريطانيون يواصلون مساعي إقناع الأمريكيين بتغيير موقفهم.
في الوقت نفسه، ناقشت وزارات الخارجية والنقل والمالية البريطانية مشروعا متكاملا طرحه وايلي استعدادا لفترة ما بعد انتهاء اتفاق امتياز شركة القناة في موعده القانوني أو إنهاء مصر للاتفاق قبل الموعد.
وكان المشروع "خطة لإنشاء منظمة لخلافة شركة قناة السويس، بهدف محاولة طمأنة حساسيات مصر الوطنية التي هي طبيعية، وأن تضمن كفاءة حركة الشحن العالمية ليس فقط بالتشغيل اليومي الفعال لقناة السويس بأقل تكلفة عملية، ولكن بالتوسع العاجل السريع في المرافق البحرية القائمة لتلبية المتطلبات المتزايدة دائما للتجارة البحرية العالمية".
أسس وايلي خطته اعتمادا على قناعة بأن المصريين "يعلمون أنهم غير قادرين في الوقت الحالي على إدارة قناة السويس وحدهم". قائلا: "إنَّ مصريين مهمين أقروا بذلك، حتى في الآونة الأخيرة، بقدرٍ ما في نقاش خاص".
وعرض المسؤول البريطاني الخطة التالية:
• إنشاء هيئة مصرية لها صفة قانونية، بالتفاوض بين الحكومة المصرية والقوى البحرية "ذات الاهتمام الأساسي"، تتولى إدارة القناة.
• تعين الحكومة المصرية رئيس الهيئة وغالبية أعضائها.
• يجب أن يكون نائب الرئيس دائما فرنسيا ويعينه رئيس الجمهورية الفرنسية.
• لحكومات الدول الأوروبية ذات الاهتمام الأساسي، الحق في تعيين أعضاء ممثلين لها في الشركة حسب حجم استخدام كل دولة للقناة.
• بصرف النظر عن هذا الشرط، يجب أن تُدعى حكومات أستراليا والهند وباكستان إلى تعيين ممثلين لها في الهيئة.
• إنشاء هيئة خبراء استشارية تضم مهندسين مصريين ذوي خبرة بحرية، إضافة إلى مندوب عن كل واحدة من الدول ذات الاهتمام الأساسي.
• تتولى الحكومة المصرية مراجعة القانون الأساسي للهيئة وعملها، بما في ذلك رسوم العبور، كل خمس سنوات، بالتشاور مع حكومات الدول ذات الاهتمام الأساسي.
• يتمتع كل الأعضاء غير المصريين في الهيئة بالحصانات والامتيازات الدبلوماسية الطبيعية بما فيها الحق في التواصل مع حكوماتهم دون رقابة، وكذلك الحق في استخدام الشيفرات في هذا التواصل.
- وثائق استخباراتية تكشف أسرارا جديدة عن حرب أكتوبر 73
- قصة الهجوم الثلاثي البريطاني الفرنسي الإسرائيلي على مصر
وتتضمن الخطة ما وصفه وايلي بضمانات ضرورية منها:
• تحصل الحكومة المصرية على 25 في المئة فقط على الأكثر من إجمالي حصيلة الهيئة سنويا كعوائد مقابل الملكية.
• لا تُغير رسوم العبور إلا بتصويت أعضاء الهيئة بالإجماع.
• لا تنفذ أعمال التطوير المهمة إلا بعد موافقة هيئة الخبراء الاستشارية.
• توفير تكلفة هذه الأعمال عن طريق قروض تُدبر برسوم إضافية مؤقتة تفرض على سعر رسوم العبور وقتها.
• تعفى الهيئة من دفع رسوم جمركية على المواد والمخازن من كل الأنواع اللازمة للتشغيل.
• تظل رسوم العبور دائما عند أقل مستوى ممكن مع ضمان الإدارة الفعالة.
• يكون نصف الربابنة والمرشدين على الأقل، الذين توظفهم الهيئة، دائما غير مصريين، ومن الدول ذات الاهتمام الأساسي، وبتوصية من منظمات الشحن الوطنية في تلك الدول.
• يُعين رؤساء الإدارات الرئيسية في قطاعات الخدمات في الهيئة فقط بموافقة كل أعضاء الهيئة بالإجماع، على أن يشغل 50 في المئة من هذه المناصب دائما مواطنون من الدول ذات الاهتمام الأساسي.
المُلكية والتشغيل: هناك فرق
وبعد سبعة شهور، صَدم عبد الناصر رئيس وزراء مصر في ذلك الوقت، بريطانيا والدول الغربية، بإعلانه يوم 17 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1954 أن مصر تستعد بالفعل للسيطرة على القناة عندما ينتهي اتفاق الامتياز عام 1968. وأكد أنه "يريد تجنب أخطاء الماضي"، وقال كلمته الشهيرة "في الماضي كانت مصر تنتمي إلى القناة، لكنه من الآن فصاعدا، سوف تنتمي القناة إلى مصر".
وتوقعت الحكومة البريطانية أن تتصل الحكومة المصرية بشركة قناة السويس أوائل عام 1955 "لتقديم مطالب مختلفة تهدف إلى تمكين المصريين من اكتساب بعض الخبرة في إدارتها".
وقررت لندن السعي إلى الترويج "لأهمية عدم غض الطرف عن التمييز بين الملكية المصرية للقناة وتشغيلها".
وقالت الحكومة البريطانية، في اجتماع بعد خطاب ناصر: "حتى لو لم يُعترض الادعاء المصري بشأن الملكية، فإنه من الضروري الاحتفاظ بالصفة الدولية لتشغيلها (القناة)، وهو ما يتحقق حاليا، ومنذ أيام القناة الأولى، عبر مشاركة ملاك شركات الشحن في مجلس إدارة الشركة، وعبر هيئة من الخبراء الدوليين، الذين يقدمون النصح للشركة بشأن المشروعات الهندسية الكبرى".
- كيف غيرت ستة أيام الشرق الأوسط للأبد؟
- وثائق تكشف مخاوف بريطانيا من عواقب فوز مصر في أزمة مضيق تيران التي فجرت حرب 67
ورأت لندن: "بينما قد يكون معظم العاملين في الشركة بعد عام 1968، مصريين، فإنه من المرجح تماما أنه ستكون هناك حاجة إلى المساعدة الأجنبية في شغل بعض المناصب الإدارية والفنية لو أريد الحفاظ على مستوى الكفاءة".
وحددت الحكومة البريطانية مبادىء تعاملها مع المشكلة استنادا "لأهمية القناة كوسيلة اتصال دولية تتزايد مع الزيادة السريعة في حركة المرور، خاصة نقل الصادرات النفطية، من الشرق الأوسط".
وبناء على هذا، تقرر أن تُوجه السياسة البريطانية نحو "تأكيد الضمان سواء الآن أو ما بعد 1968: حرية الملاحة في القناة، والكفاءة في إدارتها، وتشغيلها بأقل مستوى ممكن من رسوم المرور".
وفي هذا السياق انتهت الحكومة إلى أن" افتراض أن مصر سوف تتخلى عن أي من حقوقها القانونية ليس واقعيا"، في ضوء إعلان ناصر عن النوايا المصرية.
كان هذا جزءا من مشروع وايلي الأساسي بشأن الهيئة القانونية التي اقترحها.
وفي أواخر شهر فبراير/شباط 1955، سعى المسؤول البريطاني إلى إقناع المصريين بها.
وفي لقاء مع محمد بهجت بدوي، أحد المديرين المصريين الخمسة في شركة القناة، سُئل عما تفكر فيه مصر بشأن صيغة إدارة القناة بعد انتهاء فترة الامتياز.
ورد عليه بدوي بأن دراسة المسألة لا تزال جارية غير أن "النتيجة القاطعة التي انتهوا إليها هي أنه لا نقاش بشأن الإدارة الحكومية (المصرية) المباشرة".
وهنا، نبه وايلي إلى أن "تشغيل القناة ليس فقط مجرد مسألة المعرفة الهندسية". ونصح المصريين قائلا: "الشغل الشاغل لأي من يتولى المسؤولية عنها (إدارة القناة)، ينبغي أن يكون عدم الاصطدام برأي (شركات) الشحن الدولي".
ومضى خطوة في النقاش، بالتنبيه إلى التالي: "لو أن لدى (المسؤول عن الإدارة) هيئة قانونية، فإنه يمكن أن يحمي نفسه من أي خطر بوجود ممثلين لملاك شركات الشحن في مجلس الإدارة".
وعن رد فعل بدوي على الاقتراح، قال وايلي إنه "استمع دون تعليق".
وفي 18يونيو/حزيران عام 1956 خرج آخر جندي بريطاني من القاعدة البريطانية في قناة السويس، تطبيقا لاتفاقية الجلاء الموقعة في 19 أكتوبر/تشرين الأول عام 1954، التي نصت على احترام حرية الملاحة في القناة وفقا لاتفاقية القسطنطينية، وإقرار بريطانيا بأن القناة جزء لا يتجزأ من مصر.
غير أن لندن واصلت الحشد لدعم مشروع مشاركة المصريين في التحكم في القناة. وظلت على اتصال مع واشنطن وممثلي شركات الشحن الغربية الكبرى. ونجحت بالفعل في تنظيم مؤتمرات لبلورة صيغة نهائية للخطة.
إلا أن ناصر أمم، بعد توليه الرئاسة، شركة قناة السويس عام 1956 في سياق خلافات مصرية غربية بشأن تمويل السد العالي، لتبدأ أزمة السويس الشهيرة.
التعليقات