علاينة عارف من لندن: اصدرت المجلة الالكترونية الأدبية quot;كلمات بلا حدودquot;، أنطولوجيا (كشكول من القصص، والشعر، والمسرح والمقال)، ضمت نتاجات لـ28 كاتبا غير معروفين بالانجليزية أو لم تُترجم أعمالهم من قبل، كما ادعت المجلة... وثمة كاتب quot;كبيرquot; يقدم quot;كاتبه المغمورquot; بديباجة لتعريف القارئ به. وعنوان الكتاب: quot;العالم بعيون الكتابquot; والمقصود عالم اليوم المضطرب بسبب سياسة بوش واحداث 11 سبتمبر كيف يراه كتاب لا يكتبون باللغة الانجليزية.
أولا هذا النمط من الأنثولوجيات معروف حد الملل خصوصا في الولايات المتحدة... وغالبا ما تتم ضمن جو التعارف والصداقات والعلاقات العامة، ومحظوظ من يكون له علاقة بشخص قريب من المشرفين. الحقد على أمريكا هو المحرك الأساسي للمشرفين وليس الجهد المعرفي والثقافي اللازم لمعرفة الآخر فعلا. فاحد المشرفين يتهم امريكا بالانعزالية وجهل الآخر.. لكن هو عين الجهل: وإلا كيف سنفهم اختيارهم من اللغة الفرنسية فقط مريام انسيموف التي لها عدة كتب مترجمة الى الانجليزية وايتيل عدنان التي تكتب أصلا بالانجليزية والقارئ الأمريكي ملّ من حضورها الانجليزي في جل المجلات والكتب.. بينما هناك مئات من الكتاب والشعراء الفرنسيين الجديرين حقا بتعريف القارئ الانجليزي على الأقل بجزء من أعمالهم... أما حصة العرب فيالها من كارثة: ربما يفهم القارئ لماذا اختار نجيب محفوظ جمال الغيطاني، وربما أيضا يفهم من باب الخوانجية الفلسطينية لماذا اختار انطون شماس شاعرين فلسطينيين هما خضر حسان وعدنية شبلي.. لكنه سيستغرب، خصوصا إذا كان عراقيا، عندما يرى أن الكاتب الكندي من اصول أرجنتينية البرتو مانغويل المقيم في باريس لم يختر سوى صديقه جبار ياسين!!! على أن الاستغراب هذا يصبح قرفا عندما يعلم القارئ أن أدونيس اختار أخت زوجته سنية صالح (مع احترامي لتجربتها) المتوفية قبل ربع قرن، كنموذج للشعرية العربية الحديثة، وكنظرة معاصرة للعالم... أليس هناك من شاعر واحد، من حاشيته، حي وذي تجربة معاصرة يستحق أن يُعرّف به في لغات أخرى؟ هل اختياره ينم عن خوف من أن ينافسه شاعر آخر أكثر تعبيرا عن عالم اليوم وأحداثه: عباس بيضون، عبدالمنعم رمضان، بول شاؤول، عيسى مخلوف، امجد ناصر، جمانة حداد، عقل العويط، سركون بولص..... باختصار التجارب الأدبية سواء كانتشعرية أو قصصية أو نقدية، غير ممثلة بتاتافي هذه الأنثولوجيا.. فمجمل الكتابة العربية المنطوية على وجهة نظر ملموسة إزاء عالم اليوم والتي فعلا تستطيع أن تولد تأملات لدى القارئ الانجليزي، غائبة كليا... كان من الأفضل أنتعنون الأنثولوجيا بـquot;خُوّانجيات بلا حدودquot;! فعلى يد العربي الإسرائيلي تم تغييب الجانب الأردني وعلى يد السوري المهنمك في بناء متحف له في قرية طائفته (قرداحة)، غاب لبنان الإبداعي من الخارطة... أما الخليج والبلدان الأخرى فغابت نهائيا...
إن ضمير الشاعر يتجلى بالضبط في لحظة الاختيار هذه؛ لحظة تتطلب مسؤولية أخلاقية جد كبيرة... وعندما يعرف شاعرٌ كيف يختار، من دون إجحاف معلوم، اسما أو اسمين من بين مئات الأسماء المعاصرة، يضيء ما لم يُر من ثروته أولا، وثانيا يزيد من ثروات تاريخ أمته الشعري... أما إذا كانت فيه عقدة الصغار الخوف من أن ينافسه شاعر آخر، فإنه، باللجوء إلى مالا يمكن له أنيلعب دورا وميتا منذ عشرات السنين، يوضح حقيقته: ربما هو شاعر كبير لدى العرب، لكنه بالتأكيد إنسان صغير..
ونحن فعلا لسنا سوى عرب عوض أن نساعد مشرفين جهلاء في الاختيار الجاد والمعبر عن تجاربنا الأدبية، فإننا ندفعهم عمدا إلى أن يقدموا الصورة السطحية عنا التيربما هم يسعون الى تثبيتها.
التعليقات