فاطمة عثمان البكر
شهد منتصف هذا العصر وحتى الوقت الحاضر تطورات كبيرة، اختزلت في احداثها احداث عصور متعاقبة، طالت هذه التطورات شتى المجالات السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والاعلامية، وصولا الى عالم الرياضة، هذا العالم الجميل المتعالي الذي مثل السمو والتجرد من كل تلك المثالب التي عانت منها الشعوب على مر السنين، وكان من يوصف بسمو الاخلاق والمرونة كانه يتحلى laquo;بروح رياضيةraquo; والعكس صحيح.
ونظرا إلى التطورات السريعة والمتسارعة في شتى المجالات اختلطت الامور وتداخلت بشكل كبير ومذهل، واصبح كل مجال يؤثر ويتأثر بشكل مباشر أو غير مباشر، فالسياسة تؤثر في الاقتصاد، والاقتصاد يؤثر في البنية الاجتماعية، والتربوية والاعلامية الذي ساد تلك المجالات جميعها، بل واصبح الكاشف والناطق الرسمي لها بلا منازع، وانكفأت فلسفة الانوار وتراجعت الحياة الثقافية الى حد كبير، انكفأت الثقافة مجترة ذكرى ايام مضت، تراجع الكتاب الى حد كبير وانطفأ الى حد اكبر صوت وصورة المبادئ وعالم القيم وغدت شعارات جوفاء خالية من مضامينها وتطبيقاتها على ارض الواقع.
وحتى الدين لم يسلم من هذا التخبط، فطاله ما طاله من تجاوزات ومن تشويه ومن اساءة لتعاليمه ومبادئه السامية، التي هي، وهي وحدها، كفيلة باسعاد البشرية جمعاء، والتي بنت بالتمسك بها حضارة انسانية راقية، واصبح مشوها بتصرفات غير مسؤولة حتى اصبح مطاردا مدانا في كل مكان.
نظرا إلى كل تلك التداعيات المؤسفة اصبحت هناك حالة من الفوضى العارمة غير خلاقة وغير اخلاقية تسود العالم، فالاقتصاد اثر في السياسة والسياسة اثرت في الحياة الاجتماعية، وتداخلت الامور بعضها ببعض حتى وصلنا إلى حال لم يعد احد يعرف بداية خيوطها المتشابكة من نهايتها، اضطراب عارم وهناء مفقود منقوص، موتور.
فلجأت الشعوب في كل مكان تغلق مشاكلها وهمومها وتخبطاتها على نفسها، رغم هذا الانفتاح الهائل الذي كما يقال جعل من العالم laquo;قرية صغيرةraquo; الا ان ردة الفعل كانت اقوى laquo;بالانغلاقraquo; والتقوقع بحثا عن الهوية، بحثا عن الهناء المفقود، بحثا عن الامن الاجتماعي، بحثا عن الخلاص، فكان الخلاص بالتوجه الى عالم الفن، وعالم الرياضة، الذي مثل النقاء ومحاكاة الواقع باسلوب ترفيهي، بحثا عن laquo;فوزraquo; بعد الخسارة، وعن صورة تمثل واقعه وتحاكيه.
وكانت laquo;فرحة منقوصةraquo; فسرعان ما صدم بالواقع الجميل الذي تأمل منه وتوجه اليه بحثا وسعيا عن الفرح المفقود والتنفيس الموعود، وهروبا جميلا من واقعة الأليم.. ها هو اليوم يصدم مرة اخرى بهذا الواقع الذي ساده الغلو في المنافسة الشريفة، وتنقيته من شوائب ما كان يتوقع يوما ما ان تلصق به، ساد عالم الرياضة على وجه التحديد كثير من المشاكل والتنافس، والمنافسة، والصراع حتى غلب في كثير من الاحيان ما يجري من تصارع بين الفريقين في عالم السياسة، حتى غدت الساحة في عالم الرياضة، والملاعب في كل مكان كساحة نزال مفتوحة وصلت الى حد القتال واسالة الدماء في بعض الاحيان.. تلك الساحة التي هربت الشعوب من همومها ومشاكلها، وما يعصف بها، هروبا مشرفا من اجل استشعار laquo;لذة فوزraquo; وقتية في مواجهة احباطات قاسية، فأين المفر؟ وأين أنت ايها الفرح المفقود؟ وأين أنت ايها الخلاص في الساحات والملاعب المضطربة، وتلك الكرة التي اصبحت كرة من لهب تتدحرج على ايقاع الاصوات التي تقطعت حناجرها، تنشد تلك الفرحة المفقودة، وتترجى ذلك الفوز مجرد فوز ولو وقتيا!

فاطمة عثمان البكر