تذكر وكالات الأنباء الأجنبية قصصاً عن الوضع الصحي والاجتماعي للناجين من سيول جدة محزنة ولا تُصدق، تتحدث هذه التقارير عن جوع واحتياج ينتشران بين الناجين ممن كانوا مستورين في منازلهم وحوّلهم الفساد إلى محتاجين وجائعين وغير مستورين. ويرى البعض أن أهل جدة يعانون من السلبية لأنهم ينتظرون المساعدة وينتظرون من الآخرين أن يغيروا من حالهم ولا يغيرون حالهم بأنفسهم فيسكتون على بحيرة quot;المسكquot; كل هذه السنوات بل ويقبلون بهذه التسمية المستفزة والمتحايلة والمستخفة بأهل جدة. لكن الصورة ليست كاملة.

صحيح أن هناك تسيبا كبيرا وسلبية من الكثيرين لاسيما الرجال، ولكن هناك أيضاً الكثيرون ممن يعملون بصمت ويقاومون بصمت وينجحون بصمت دون أن ينتظروا مقابلاً، هناك شابات وشباب شبوا عن الطوق وليسوا بانتظار أن ينفذ لهم الآخرون ما يرونه واجباً وحقاً، وهناك سيدات مؤمنات أنه لابد أن يكن مبادرات في إغاثة المجتمع ولا اتكال على الحكومة. على الفور واستجابة لمأساة جدة تكونت لجان تطوعية شعبية من الشابات والشباب توسمن القيادة في نساء لهن باع في العمل التطوعي والعمل مع الشباب. ومنها لجنة، تضم فيها جمعية quot;مواطنةquot; التي أسستها ثلاث سيدات وثلاث رجال برئاسة السيدة فاتن بندقجي عضو مجلس إدارة غرفة جدة (وهن: د.نائلة عطار، المستشارة الإدارية، رشا حفظي، لؤي مشيخ، علاء يماني وخالد دهلوي) وقد ساعد أن هذه الجمعية تأسست منذ عامين وتعمل على تعزيز مفهوم المواطنة في المجتمع من خلال المحافظة ومعرفة القوانين، وكان لهم جهد مذكور في متابعة تلوث كورنيش جدة. ولذلك فإن لديهم خلال هذه الفترة قاعدة من المتطوعات والمتطوعين الذين انضموا مباشرة للجهد الإغاثي. كما تتعاون معهم الأستاذة ريم أسعد، المحاضرة في كلية دار الحكمة والكاتبة في الاقتصادية.

ومن المهم تسليط الضوء على ما تقوم به اللجان الشعبية من المواطنات والمواطنين لدعم الجهد الحكومي الذي لا يمكن أن يصفق وحده.

وقد كانت لهم المبادرة في أول يومين وتعاونت معهم كل من جمعية البر والغرفة التجارية (نظراً لأن رئيس جمعية البر أحد أعضاء مجلس إدارة الغرفة المنتخبين، أ. مازن بترجي) فاتخذ من موقع الغرفة مركزا للتجمع والعمل ثم تحول إلى أرض المعارض التابع للغرفة، والندوة العالمية للشباب الإسلامي ثم أخذوا يجمعون تبرعات أهالي جدة الذين لم يتأخروا في التبرع بكل ما يمكنهم منه عينيا وماديا، فكانت الجمعية تجمع الإعانات وشباب مواطنة يقومون بإيصالها وتوزيعها.

وبدأ العمل يُنظم أكثر عندما وصل الدفاع المدني الذي دعا إلى اجتماع كبير الثلاثاء الماضي لتنظيم عمل الجمعيات والمتطوعين. والملاحظ أن ثلاثة أرباع القاعة كانت من النساء ثم الشابات والشباب دون الثلاثين، في غياب غالبية رجال جدة فقسّم الدفاع المدني الأحياء إلى أحد عشر حياً متضرراً وقسمها على الجمعيات فكان نصيب مواطنة ثلاثة أحياء هي: القويزة، المساعد والصاعد، بالتعاون مع جمعية البر والندوة العالمية. وحسب مواطنة فهذا نظم الأمور لوصول المساعدات إلى الجميع دون ازدواجية في العمل. وتحدد أن التبرعات العينية تصل إلى أرض المعارض بجدة (يُفضل التبرعات العينية الجافة) والمادية على حسابات الجمعيات.

العمل كان صامتاً حتى بدأ إعلامنا بتناوله، وغطت الإم بي سي المركز يوم الجمعة وما زال الأمر بحاجة إلى المزيد من التعاون الإعلامي. لابد أيضاً من الإشارة إلى التبرعات الجميلة التي يقدمها أهالي جدة مثل ما قدمه السيد سليم الحربي، عشر عمارات وفرشها لصالح الضحايا.

العمل رائع لكن لابد من الإشارة إلى الصعوبات والسلبيات التي رافقته:

لا يبدو أن هناك خطة كوارث عامة على الرغم من المؤتمرات التي عقدت حولها مؤخراً بالتحديد. ولا يوجد مختصون ظهروا على الساحة لتنظيم العمل على الأرض.

الحاجة إلى تأسيس صندوق طوارئ يكون بعيداً عن البيروقراطية الحكومية في توزيع الإعانات وذلك نظراً لأن هناك احتياجات طارئة في الميدان لا تستطيع الانتظار حتى يصلها الدور في الطابور مثل الاحتياج الطارئ إلى أنبوبة أوكسجين أو حفاظات أطفال أو ملابس للعمر الصحيح أو غيرها مما قد لا تكون أصلاً موجودة ضمن المتبرع به.

الحاجة إلى إعادة تأهيل موظفي الحكومة على مبادئ الإنسانية بعيداً عن العنصرية والتمييز الجنسي، فهناك قصص سلبية عن اجتهادات فردية في إنقاذ النساء الذي طُلب فيه محرم، وتقديم السعوديين على المقيمين في توزيع الإغاثة.

ما زال هناك الكثير ليقدم فوفق الله شاباتنا وشبابنا وسيداتنا والرجال المخلصين ووفقهم لما فيه الخير ورضا الخالق.

د. هتون أجواد الفاسي