من تبعية "الريس" إلى عدم إكتراث "الإنتقاليين":
الشباب العراقي بين الشوارع و الجهل والأحزاب
لا يخفى علىالجميع التغيير الهائل الذي حصل وسوف يحصل نتيجة "للتعديل "الكبير الذي طرأ على خارطة العراق السياسية .وتكمن أهمية هذا التغيير في الإنعكاسات الملحوظة عراقيا على مختلف الأصعدة الإجتماعية والثقافية والإقتصادية والأمنية بالطبع.
هذه المرحلة الحالية المسبوقة بتاريخ طويل من تسطيح الوعي و"تجهيل" الجماهير وصرف الأنظار إلى مفاهيم تلمع عن بعد .
عاش العراق بطولات القومية وشعاراتها ولافتات البعث ومثالياته التي أتخمت آذان الشباب العراقي صباح كلّ يوم في أيّ مركز تعليمي أو دائرة من دوائر الدولة لا وبل على جدران المدينة ولافتات الطرق .
تلك التراكمات الطويلة ألقت بثقلها على هذه المرحلة ،حتى أصبح الشباب الذي يمثل 60% من تركيبة المجتمع العراقي نتيجة مباشرة لإفرازات الماضي. حينها كان الهم الأول والأخير هو الأجهزة الامنية وبالتالي لم يجد الشباب أمامهم سوى خيار واحد محصور بين الفدائيين وجيش القدس ، إلى التردد على إجتماعات حزب البعث وفعالياته أو الخدمة العسكرية الإجبارية . ولا ينتهي الأمر عند هذا الحد ، فاحتمال عودته إلى الخدمة وارد في اي لحظة يقرر فيها العراق أن يخوض حربا ..وما أكثرها . وفي حال تمردت "نفسه " عليه وساوره "التردد" فالحديد والنار أهون الشرين في نهاية المطاف.
الإعلام بكل الوانه كان مختزلا في مفردات القائد ، إنجازات البعث وأبطال
القومية العربية ، ميلاد الريس و.. و .. و القائمة طويلة جدا.
تلك الاجواء ،أضف اليها مخلفات الحالة الاقتصادية خلقت جيلا كاملا غير متعلم أو تمكن من الظفر " بالقلة القليلة " من العلم المشبع بمفاهيم مغلوطة ما أدى إلى تشوهات
كبيرة في منظومة "الشبيبة العراقية" الثقافية والتعليمية وبالتالي تشوهات في
الثقافة العراقية بشكل عام .
فالواقع العراقي قدم شبابا يحمل في جعبته سكينا مصحوبة بعلبة "السكاير" وقاموسا هائلا من الشتم والسباب. وإن كان الشتم صفة شبابية بشكل عام فما يميز هؤلاء عن سواهم هو العدائية الكبيرة التي تختزنها " اشويك شوي ، أدمرك ، اقلب الأمة ،
أجيب عشيرتك ، أقطعك ". هؤلاء الذين كانوا يصحبون القلم ولا يفارقون الكتاب فيما مضى لا يعرفون اليوم من هو السياب أو جواد سليم أومظفر النواب. لا يعرفون استخدام الانترنت ولا يحبون قراءة الصحف مكتفين بنظرة إمعان على ما أبدته الحسناوات من أجسام بيضاء أخذت حيزها على صفحات الجرائد والمجلات بكل جدارة.
هذا الواقع المرّ الذي يعيشه الشاب العراقي تتوزع مسؤوليته على ثلاثة أطراف ، الطرف الأول يتمثل بالجهات المعنية والثاني بالعائلة والثالث بالشاب نفسه الذي ساهم أيضا في إهمال نفسه. وهذا يضع المسؤوليات على عاتق الجميع ولا يبرر "موقف" أي طرف إذا قصر الاخر في أداء المطلوب.
تلك الظروف الصعبة والأجواء الضبابية أشبه بسجن كبير لا تنقصه سوى الأعمال الشاقة .. هذا التشاؤم "المشروع "لا يمكن أن يثير الإستغراب ..فأبسط الأمور غير موجودة .فلا حدائق عامة أو وسائل ترفيه او مجمعات رياضية التي من شأنها أن تشتت اهتمامهم عن "الحلقات الشبابية" على جوانب الطرق وفي الأسواق وهم يتوسدون الأرض والتراب همهم تصنيف المارة والإستهزاء بهم أو فرض أنفسهم على الحسناوات بكل تطفل ولا تسمع لهم سوى قهقه تثير الشفقة.
هذا الواقع المر يستدعي اهتماما استثنائيا من الجهات المختصة وخصوصا وزراة
الرياضة والشباب فهي الطرف المعني إضافته الى وزارة التربية ، فالواقع يشير الى خطر كبير يصعب السيطرة عليه .لا نريد تبريرات وشعارات ، فالشباب العراقي بات لقمة سائغة لصيحات هذا الطرف أو ذاك ،طعمة رخيصة للعديد من التيارات والتشكيلات التي اساءت إستخدام وتوجيه إندفاع الشباب وسذاجتهم حتى تحولوا الى ورقة إضافية في الملفات الامنية المعقدة .
وختاما
كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.
التعليقات