نزار عسكر: ليس بعيدا عن مركز مدينة اربيل، في كردستان العراق، تقع بلدة عريقة ، سكانها في غالبيتهم الساحقة من مسيحيي العراق القدامى، تسمى " عنكاوا".يمكنك ان تشعر بإختلافها عن باقي المناطق العراقية ، كأنك في بلد آخر.أنها قصة مدينة نابضة بالحياة، نهضت من وسط خراب الحروب وهجرة أهلها الواسعة. عنوانها الكبير، شبابها الذين يصنعون لها غد أجمل.في العام 2001، كانت المدينة مستسلمة لهجرة أبنائها الى خارج العراق، عندما هبت نخبة من شبابها لكسر روتين حياتهم والقضاء على اليأس الذي الناتج عن الهجرة. من هنا كانت فكرة تأسيس ملتقى او نادي خاص بالشباب يتجاوز نمط التقليدي ليكون مميزا في كل شي، لعله يلم شمل عدة الآف من الشباب المسيحي، ويبعث الأمل فيهم من جديد. وهكذا ولدت الفكرة من رحم هذا الواقع، وأثمرت في أيلول من العام 2002 عن تأسيس " نادي شباب عنكاوا الإجتماعي"، الذي يضم في صفوفه المئات من الشابات والشباب، الذيت اتخذوا من بناية في قلب المدينة مقر لهم يمارسون فيها نشاطاتهم ويلتقون بعضهم البعض بشغف.
لعل كثيرون في العالم العربي يستغربون وجود مسيحيين في مدينة اربيل عاصمة أقليم كردستان العراق، ولايعرفون الوجود التاريخي لهم في أرض أبائهم وأجدادهم القدامى.
تفيد المصادر التاريخية ان "عنكاوا مدينة كلدانية صغيرة تقع شمال غرب مدينة اربيل ( أقدم مدينة مأهولة في العالم) في كردستان العراق. تبعد عن اربيل حوالي اربعة كيلومترات و يقدر سكانها بـ 20000 نسمة الاغلبية العظمى منهم ينتمون الى الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية".
لكن المنطقة التي تعيش اليوم فورة اعمار ونمو وبناء، تحاول الحفاظ على ما تبقى منهم وتشجعهم على البقاء في ارضهم، كي تغدو حديقة كردستان ملونة كما كانت بكل الألوان.
قبل حوالى ثلاث سنوات، كان الشارع الرئيسي الذي يقف خلف كنيسة مار يوسف، يكتض بمئات الشباب كل مساء، في مسيرة راجلة لا تتوقف الا في ساعة متأخرة من الليل. كثيرون كان يشبهون الشارع بـ " مونو" في بيروت، لزحامه والحركة المستمرة فيه على خلاف مدينة اربيل. لكن هذا الشارع اختفى اليوم، وظهر بشكل آخر في بناية نادي شباب عنكاوا الأجتماعي الذين نسخوا تقليد المسيرة المسائية فاصبح قبلة للمئات منهم، وملتقى هام وعنصر لا غنى عنه في حياتهم
مسؤولو النادي قسموا بناية ضخمة نسبيا خاصة بهم الى غرف واقسام منها:الهيئة الادارية، السكرتارية والمحاسبة ، الاستعلامات،المكتبة،صالة التربية البدنية ( رجال) وصالة التربية البدنية ( نساء) ، اضافة الى صالة الكومبيوتر وصف تعليمي شامل ( لغات ودورات متنوعة )،وغرفة الموسيقى ، صالة الالعاب الترفيهية و كافتريا النادي و الساحة الرياضية المفتوحة و حديقة النادي الصيفية.

ولا يكاد يمر اسبوع تقريبا إلا وتقوم لجان متخصصة بإحياء الأماسي الثقافية والإجتماعية والنشاطات المختلفة التي تهم الشباب، ناهيك عن تنظيم أمسيات شعرية وندوات وتنظيم معارض رسوم وعرض الكتب، واستضافة رجال الدين والسياسيين والمثقفين وغيرهم للحديث عن افكارهم وميولهم الفكرية .
ويضم النادي في عضويته شباب من مختلف الأعمار والمهن، منهم الطبيب والمهندس والطالب وما الى ذلك.
وتماشيا مع التطورات الهائلة في مجال الثورة التكنولوجية الحديثة التي اصبح الانترنيت عنوانها الرئيسي، استحدث النادي صالة للكومبيوتر.
وعلى رغم أن مدينة أربيل في غالبتها الساحقة من الكرد، إلا أن تعايشا أخويا قويا قائم بين المسيحيين والكرد منذ مئات السنين، يجد تعبيرا عن نفسه في حجم الرعاية وألإهتمام التي توليها الجهات المعنية، وإحترام الخصوصية القومية والدينية التي يتمتع بها شباب النادي.
واصبحت بيئة النادي مكانا خصبا للتعارف وإيجاد أصدقاء وحتى أحباء.
وحرصا من الهيئة الأدارية للنادي التي يتراسها شاب رياضي طموح هو إيفل أفرام، على ضمان التواصل مع العالم الخارجي والإطلاع على ثقافات الشعوب وحركة الحياة فيها، أقام النادي عدة مرات في الاشهر القليلة الماضية معارض كبرى لدور النشر والكتب لنشر العلم والثقافة وحب الكلمة بين أعضائه.


كما لم ينس النادي تراث الأباء والأجداد فخصوه بمعرض تراثي جميل للصور الفوتوغرافية والأدوات المنزلية القديمة.
وتحتل الرياضة خصوصا كمال الأجسام والرشاقة حيزا واسعا من اهتمام الهيئة الأدارية التي تضم نخبة بارزة من شباب " عنكاوا". فهناك قاعة للتمرينات تقام فيها دورات منتظمة للتدريب.
كما يحرص الشباب أيضا على عرض آخر الافلام التي تثير اهتمام الشباب وتلامس قضاياهم وهمومهم وتفكيرهم.
وتعتبر بلدة عنكاوا من أكبر وأهم المدن المسيحية ليس في كردستان العراق وحدها وانما في العراق أيضا. وقد اصبحت المدينة خصوصا بعد سقوط النظام السابق مركزا لتجمع المسيحيين الهاربين من مناطق وسط وجنوب العراق بسبب الأوضاع الأمنية المتدهورة، والهجمات التي تعرض لها عدد من الكنائس في الموصل وبغداد.
ويعيش عدة آلأف من أهل عنكاوا في الخارج، خاصة في السويد وأستراليا وهولندا وكندا ودول متفرقة في مختلف أرجاء المعمورة، هاجر السواد الأعظم منهم بعد حرب الكويت في العام 1991.
ويتراوح عدد المسيحيين في العراق بين 3 – 5 في المئة من مجموع سكان البلاد. ولهم في برلمان أقليم كردستان ممثلون عنهم مثلما في الجمعية الوطنية العراقية.