نسرين عزالدين :تكاد تقسم ان الرجل الذي يقود خلفك يكرهك ، فهو لم يوفر ايا من طرق الازعاج واساليب القيادة المتوحشة من اجل تجاوزك ليعود ويتوقف مباشرة بعد مغامرته الرجولية بسبب اشارة السير الحمراء .هناك على الاشارة تقف فتاة تميز ميولها اليسارية من ملابسها لتعود وتتأكد حين ترى غيفارا الملصق على زجاج سيارتها. هي تتشاجر مع آخر ارتطم بسيارتها الحديثة جدا والغالية جدا .. الشجار مستمر وغيفارا ما زال على زجاج تلك الثروة المتنقلة .

وحتى يصل الخبير لحل معضلتهما هي فرجة لك بانتظار اشارة الانطلاق.

تذكرك هذه الفتاة بأخرى تعرفها جيدا صعقت لرؤيتها مع مجموعة من المجموعات الثورية. فهي كما يقولون quot; لا تميز حرف الألف من كوز الذرةquot; .حالها حال عدد كبير من شبان وفتيات الثورات الحالية .. لا الف ولا كوز ذرة . ففي العام الماضي كان معظهم لا يعرف من هو رئيس الحكومة اما اليوم فهم ارباب الحريات . موضة رائجة لا اكثر.

لا بأس الطقس تخلى عن برودته المزعجة هذه الفترة . الشمس جميلة ومنعشة. والمزاج العام الهادئ مخيف ومقلق للغاية .

اذهب الى البحر قليلا علك تسرق بعضا من الهدوء ، .اشرب القهوة ثم توجه الى عملك.

مهلك ..عليك ان تأخذ معك صورة شمسية كي تتمكن من الحصول على تصريح للمرور في الشارع الذي يقع فيه قصر الحريري.

قد تغضب وقد تشتم وقد تلعن الساعة التي دفعتك مرة تلو الاخرى لسلوك طريق مختلف يتطلب ساعة عوضا عن الخمس دقائق المفترضة للوصول الى مقر عملك .

كنت قد سلمت جدلا بضرورة وجود الحراسة المشددة واقفال الشارع المؤدي الى قصر الحريري بين الحين والاخر.

لكنه في نهاية المطاف شارع عام..وعلى quot;العامquot; سلوكه . وبما انك من quot;العامةquot; عليك ان تحصل على تصريح من حراس الشارع العام لتتمكن من اجتيازه .

ما الهم ، الطقس ما زال جميلا .

تعود في نهاية اليوم لتركن سيارتك في الموقف المجاور لمنزلك .فينبأك جارك بعثورهم على حمامة نافقة واتصالهم بوزارة الصحة التي ابلغتهم انها ماتت بعيار ناري وليس الانفلونزا.

يكاد يخرج من ملابسه وهو يخبرك بإصرار انه لم يكن هناك quot; نقطة دم quot; على ذلك الطائر.. لكن لا بأس لا بد ان مئات الطيور النافقة في لبنان ماتت بأعيرة نارية، وان الحالات المصابة بالانفلونزا - التي يقال انها الانفلونزا الطبيعية - والتي تنقل من مستشفى لاخر حالات عابرة .فهذا بلد لا يصاب بانفلونزا الطيور.

ويمضي اليوم الاول ويأتي الثاني..الطقس ما زال على حاله .

دفء ملائم جدا للحوار الوطني..وللثورة ..وللثورة المضادة .. ولبضع quot;اولادquot; يملكون القدرة على احراق سوليدير..وللتضحية بالارواح من اجل اسقاط رئيس الجمهورية .. ولإصطدام محتمل بين شارعين..ولإضراب عمال شركات الكهرباء ..ولاعتصام عمال الضمان الاجتماعي ..ولخيم الحرية على انواعها .. وللانخفاض المستمر لبورصة بيروت .. ولحادثة اطلاق النار على مواطن لبناني وquot;تطنيشهاquot; اعلاميا لان القوات اللبنانية هي الفاعل .. ولزيارة رايس quot;على عينك يا تاجرquot; لتحديد مصيرنا ..ملائم لكل ما قد يسلبه صفة الجميل.

الشمس منعشة وان كان الهواء يكرر ازعاجه البارد بين حين واخر.

المسلمون ما زالوا على ثورتهم يصبون جام غضبهم على السفارات والاعلام والمنتجات الدانمركية . البريطاني ايرفينغ في سجنه لعله يلعن في سره تشكيكه بالهولوكوست.المسلمون يثورون اكثر..السجن لمن يشكك بالهولوكست وحرية التعبير لمن أهان الرسول محمد . انه النفاق الغربي وعليهم بالثورة اكثر.

حسنا دُمرت السفارات ورحل السفراء والرعايا وحُرقت الاعلام . ووقعت المواجهات مع السلطات وسقط القتلى ..فما هي الخطوة التالية.

..صديقك يطلب منك ارشاده الى موقع يعرض هذه الصور.يريد ان يراها ليعرف حجم الاهانة.يمكنك ان تجد مئات المواقع المهينة للاسلام، ويمكنك حتى العثور على موقع لكتاب اميركي صدر قبل الرسوم الدانماركية بشهر تقريبا يفند ايات القرآن كل على حدى ويبرزها بشكل مهين مصحوبة برسوم تتفوق على الدانماركية بأشواط..وكل هذا لسبب واحد كما يقول الكاتب..هو يريد ان يعلم الاسلام الديموقراطية على اصولها ..اي الاميركية منها.

وباء هذه الديموقراطية.اينما حلت وجد الموت والدمار والقتل والنهب والتعذيب .

..انها العاشرة ليلا .

.يحلو لك في الفترة احيانا مشاهدة برامج او افلام quot;سخيفة quot; تفرغ دماغك من كل الضجيج العالق به .لكنك وفي خضم افراغك لكل هذا الضجيج لا تنفك تتساءل - ودماء المسلمين ما زالت تغلي غضبا من كل ما يتعلق بالدانمارك - عن السبب الذي دفع بالمؤسسة اللبنانية للارسال ، وحدها من دون اي من الوسائل الاعلامية اللبنانية ، لعرض اعلان للخطوط الجوية الدانماركية . مجرد تساؤل قبل النوم على يوم طويل والاستيقاظ على آخر يحمل ما يحمله من مصائب محتملة..

وبما انك لم تصبح يوما على وطن . ستكتفي بالأمنية التقليدية لعلك تصبح على خير.