علي فواز: حرفان... وخمسون سنة، هي الفرق بين المرشحيْن إلى المقعد النيابي الشاغر بوفاة النائب اللبناني السابق إدمون نعيم في دائرة بعبدا- عاليه. حرفان قد يغيران المستقبل والمصير على حد قول أولهما... بيار الحشاش في مواجهة بيار دكاش.بدأت قصة الشاب الظريف كتعبير كاريكاتوري سلمي عن واقع ميؤوس. لم يكن يخطرفي بال بيار الحشاش أن ينجح لدى ترشّحه للانتخابات النيابية عن المقعد الماروني في منطقته البترون عام 2000. كان يعترض على طريقته فاتحاً باب الخيارات على مصراعيه. الترشح والانتخاب ليسا حكراً على جماعات طائفية أو حزبية.


بيار الحشاش، الشاب اللبناني المستقل، غير المتحزب، اللاطائفي، هو مرشح غير الواثقين بكل المرشحين الآخرين والرافضين لهم. كلام فاضي. سقط الحشاش في أول تجربة انتخابية له، ولم ينل سوى الفتات من الأصوات. اختار الشعب اللبناني، كثير الاعتراض على الحكومة والنواب وإدارة الدولة، أن يصوّت للتيارات السياسية التي تشكل نسيج الواقع السياسي داخل المؤسسات الدستورية وخارجها. سقط الحشاش ولم يهتم لأمره سوى قلة من أصدقائه ربما، أو ممن أعجبتهم هذه quot;السلبةquot; على حد التعبير اللبناني. في البداية كنا نظن أن ترشح الحشاش هو مجرد نكتة أو دعابة لا تخلوان من التعبير السياسي. اعتقد البعض أن شباب منطقة البترون يستغلون الموسم الانتخابي للتسلية، أو لخلق أجواءهم الخاصة، لكن الحشاش عاد وترشّح في عمليتين انتخابيتين ليصبح عدد المرات التي ترشح فيها ثلاثاً. في المرة الأولى رفع الحشاش شعار quot;لخللّي الزفت للركبquot; في إشارة واضحة إلى استغلال المرشحين السياسيين موسم الانتخابات النيابية لعرض خدماتهم على الناخبين، ومن أشهر تلك الخدمات سفلتة الطرقات، العامة منها والخاصة.


السنة الماضية ترشّح الحشاش تحت شعار quot;خارق اللوائحquot;، وكان يظهر في الصور الكبيرة التي ألصقها على اللوحات الإعلانية حاملاً quot;المقدحquot; الكهربائي، في دلالة رمزية لا تخلو من الطرافة على أن quot;المقدحquot; هو الأداة التي سوف يخرق بواسطتها اللوائح. وفي ملصقات أخرى ظهر الحشاش تحت شعار quot;نايب الأخضر واليابسquot;، وهو تعبير لا يخلو من تورية جنسية ذكورية.


يكمل الحشاش اليوم مسيرته الاعتراضية فيترشح عن المقعد الماروني في الدائرة الانتخابية الأصعب والأكثر التباساً في لبنان، وهو مقعد بعبدا- عاليه حيث تتكون المنطقة من خليط من الطوائف. لكن هذه المرّة يتعرض الحشاش إلى سيل من الضغوط والحملات بشكل مستغرب، كان آخرها ما صرّح به النائب السابق أوغست باخوس الذي طالب بتوقيف الحشاش استناداً إلى مخالفة الأخير مواداً محددة في قانون العقوبات!. فبحسب التصريح المنشور في الصحف اللبنانية تلا باخوس المواد التي يدّعي أن الحشاش خالفها، من دون أن يوضح كيف فعل الحشاش ذلك ومن خلال أي تصرّف أو تصريح. يوضح باخوس أن المادة 331 تنص على التالي:quot;من حاول التأثير في اقتراع أحد اللبنانيين بقصد إفساد نتيجة الانتخاب العام، إما بإخافته من ضرر يلحق بشخصه، أو عائلته، أو مركزه، أو ماله، أو بالعروض أو العطايا، أو الوعود، أو بوعد شخص معنوي، أو جماعة من الناس بمنح إدارية، يعاقب بالحبس من شهر الى سنة، وبالغرامة من مئة الف ليرة إلى مليون ليرة، ويستحق العقوبة نفسها من قبل مثل هذه العطايا أو الوعود أو التمسهاquot;. وتابع quot;كما أن المادة 332 تقول:quot;كل موظف عام أو عامل، أو مستخدم في الدولة استخدم سلطته للتأثير في اقتراع أحد اللبنانيين عوقب بالتجريد المدنيquot;. والمادة 333 تقول:quot;كل شخص غير، أو حاول أن يغير بالغش نتيجة انتخاب عوقب بالحبس من شهرين إلى سنتين، إذا كان المجرم مكلفاً جمع الأصوات أو أوراق الاقتراع، أو حفظها، أو فرزها، أو القيام بأي عمل آخر متعلق بانتخاب عام عوقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنواتquot;.


ضلوع النائب السابق باخوس في القانون لا يحتاج إلى شهادة من أحد، لكن كان من الأجدى أن يوضّح لنا السيد باخوس أين وكيف تتطابق هذه المواد مع ما قام ويقوم به الحشاش، وإلا فمن حقّنا أن نعتبر تصريحه في حق الحشاش هو تهويل لغايات معينة أو لصالح المرشح الآخر، ومن الطبيعي أن يداخلنا الشك في دوافع السيد باخوس، الذي نطالبه بالحماسة نفسها التي يطالب فيها بتوقيف الحشاش، أن يوفر حماسته هذه لفضح مخالفات أكثر جدية وخطورةً يرتكبها زملاؤه السياسيين، بدلاً من الاستقواء على موظف لبناني بسيط يعمل في شركة أدوية، ورغب بكل بساطة بالترشح إلى الانتخابات.
مع العلم أنه ليست هذه المرة الأولى التي يتعرض فيها الحشاش إلى ضغوطات، إذ اتهم سابقاً، أنه ومن خلال خرقه التوافق وإجباره وزارة الداخلية على تنظيم الانتخابات، سوف يكبّد خزينة الدولة حوالي نصف مليون دولار لدعوة أكثر من 250 ألف ناخب إلى صناديق الاقتراع، فضلاً عن نقل آلاف الموظفين والعسكريين إلى المنطقة لإدارة الانتخابات وحمايتها. ورد الحشاش على ذلك بالقول:quot; لو ترشح أحد من (القوات اللبنانية) وآخر من (التيار الوطني الحر) فهل كان في إمكان جهة أو طرف الوقوف في طريقه؟quot;، مضيفاً:quot;أنا مسرور جداً لذلك، فلتدفع الدولة 400 ألف ليرة لكل واحد من هؤلاء الموظفين... في كل الأحوال الخزينة تتعرض للسرقة... فليستفد منها الفقراءquot;.يستحق الحشاش التحية مرتين، مرة على صموده في وجه الضغوط والمغريات التي يتعرض لها لثنيه عن الترشح، ومرة أخرى على هذه الروح المثابرة والإيجابية والمصصمة على ممارسة حقها الديموقراطي إلى آخر لحظة.