عبدالرحمن مصطفى : هل يمكنك ان تتخيل المشهد التالي . تفتح جهاز الكمبيوتر خاصتك لتجد رسالة في بريدك الالكتروني تتداولها الصحف ووكالات الأنباء تحوي بيانا من إحدى الجماعات الإسلامية التي أصدرت حكمها ضدك بالإعدام ذبحا.. وتمهلك فقط ثلاث ليال كي تتوب وتعلن جهارا إنكارك كل ما كتبت من قبل..؟!!
هذا هو حال واحد وثلاثون كاتبا جاءت أسماؤهم في بيان الجماعة الإرهابية التي أطلقت على نفسها quot;جماعة المناصرون لرسول الله صلى الله عليه وسلمquot;، والتي اتهمت هؤلاء الكتاب بالخروج على شريعة الإسلام .
وعند الاطلاع على بيان الجماعة المزعومة ، قد تجد أن بعض الأسماء التي أوردها المقال تعرفها جيدا بل وان مساجلات سلمية قد دارت بينكم من قبل .. واللافت أن أغلب الأسماء المستهدفة نشاطة في مجال الصحافة الالكترونية ، وأن القائمة قد خلطت بين مسلمين ومسيحيين .. بين نشطاء سياسيين ومبشرين دينيين ، ولعل تلك الرسالة قد فتحت مجالا لفتح ملف الصراعات الدينية والعقائدية على شبكة الإنترنت .
قائمة متنوعة
تتسم الصحافة الالكترونية بالتفاعل الكبير بين الكاتب والقراء وعليه فان اي محاولة من الحكومات أو الفقهاء للسيطرة على ما ينتشر فيها من كتابات وآراء محكومة بالفشل .وقد ضم بيان تلك الجماعة طوائف شتى من الكتاب والنشطاء.. فهناك من تـُُعتبر كتاباته مرجعا على الشبكة خصوصا في بعض القضايا الدينية، كالتعامل مع الأحاديث النبوية، وحجاب المرأة، وإمامة المرأة، وغيرها... ككتابات جمال البنا و محمد سعيد العشماوي، وضمت القائمة أيضا كتابا سياسيين كالدكتور شاكر النابلسي الذي يسعى إلى تقديم العلمانية والليبرالية إلى الشعوب العربية، إلى جانب بعض الأسماء التي تتسم كتاباتها بالحدة والثورة على المجتمعات العربية ككتابات الدكتورة وفاء سلطان وغيرها، إضافة إلى بعض الأسماء المسيحية القبطية كالناشط القبطي عدلي ابادير المتهم من قبل بعض الدوائر بإثارة الفتن بين المسلمين والأقباط في مصر، أو كالمتنصرة ناهد متولي التي سبق أن هاجمت الإسلام في مواد صوتية لها موجودة على الشبكة بغرض التبشير ومعها القمص المشلوح زكريا بطرس .
إضافة إلى هؤلاء فقد ضمت قائمة المطلوبين الدكتور أحمد صبحي منصور - الرقم واحد في القائمة ndash; الذي تنتشر كتبه ومقالاته من خلال مواقع عدة يتخذ بعضها النهج العلماني الصريح كموقع الحوار المتمدن معقل الكتابات والدراسات العلمانية العربية على الشبكة، أو كمواقع أخرى تسمح بعرض وجهات النظر المختلفة من خلال خاصية التعليق، وهو ما أوجد في بعض تلك المواقع صدامات بين كتاب إسلاميين وآخرين حول ما يـَكتبه د.منصور من آراء حول الاكتفاء بالقرآن وإنكار السنة النبوية وغيرها من الآراء.
وينضم إلى قائمة الكتاب المهدورة دماءهم، كتاب تعرضوا فقط بالنقاش لقضايا دينية حساسة كحكم الردة في الإسلام، مثل الدكتور عمرو إسماعيل الذي يؤكد دوما على أن أرائه مبعثها حرصه على الإسلام، وانضمت للقائمة الشاعرة العراقية فاتن نور التي تناولت في أعمالها موضوعات جريئة أثارت حفيظة بعض المعلقين في بعض المواقع الالكترونية.
وكما هو واضح أن القائمة قد ضمت أسماء لا يجمعها نشاط واحد، بل نجد أن بعض الأسماء تختلف توجهاتها الفكرية ، ويبدو أن الجماعة صاحبة التهديد لم تكترث كثيرا وصبت اهتمامها فقط على اجتماع بعض تلك الأسماء بعضها في مواقع الكترونية معينة.
الجهاد الإلكتروني
ربما يكمن سر هذا البيان في مصطلح quot;الجهاد الالكترونيquot;.. ورغم أن الجهاد الالكتروني قد بدأ أولا ضد المواقع الإلكترونية الإسرائيلية.. ثم انتقل ليمارس نشاطه ضد المواقع المعادية للإسلام، وبدأ ينتشر بشكل اكبر مع سهولة تعلم مبادئ اختراق المواقع الالكترونية.
لكن المشكلة الاساسية تكمن الان تحديد تعريف quot;المواقع الالكترونية المعادية للإسلامquot;، فمسألة وضع أحد المواقع الالكترونية أو أحد الأشخاص في خانة أعداء الإسلام يختلف تأويلها من فرد إلى فرد طبقا لمرجعيته.
وإلى جانب الجهاد الإلكتروني هناك الدعوة الإلكترونية.. التي تمارس الدعوة للإسلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خلال شبكة الإنترنت، وتختلف الدعوة الالكترونية عن الجهاد الإلكتروني، حيث أن الأخير يهدف إلى تدمير المواقع وتهديد أصحابها، بينما تبدأ الدعوة الإلكترونية بتبادل المراسلات الدعوية، انتهاء بمقارعة الآخرين بالحجج الداعمة لموقف الإسلام، وقد تكون على هيئة مناظرات.
وتظل أكثر التجمعات سخونة هي غرف البالتوك تليها المنتديات الالكترونية، حيث غالبية الأعضاء يشاركون بآرائهم تحت أسماء رمزية قد تحمل خلفها اتجاهات إسلامية أو علمانية أو حتى تبشيرية أو غير ذلك..وتدور في رحى هذه المنتديات صراعات عديدة يرى فيها كل طرف أنه يدافع عن الحق من منظوره الخاص، ما قد يولد الاحتقان والغضب في نفوس البعض خصوصا.. مع وجود مواد على الشبكة يستخدمها البعض في تأييد وجهة نظره أو لإغاظة الطرف الآخر.
علامات استفهام
أغلب الكتاب الذين تم تهديدهم هم من نشطاء الإنترنت، إلى جانب أن بعض الأسماء لها مواد سمعية أو مكتوبة على الشبكة، وأشار بعض هؤلاء الكتاب كالدكتورة وفاء سلطان والدكتور شاكر النابلسي إلى أنهما قد تلقيا من قبل رسائل مشابهة، و هناك من هؤلاء الكتاب من كان يشارك بالتعليق والنقاش مع زوار المواقع التي يرتادها كالكاتب عمر أبو رصاع الذي تم وضع اسمه ضمن قائمة منكري السنة والمطلوبين للقتل، بسبب مناقشاته وتعليقاته حول بعض الكتابات الدينية .
والسؤال الآن حول هوية هذه الجماعة المزعومة صاحبة البيان رقم (1).. فكما هو واضح أن معد البيان هو شخص صاحب صولات وجولات بين مواقع الانترنت المختلفة، بحيث أنه قد أضاف إلى قائمة المطلوبين بعض الأسماء التي اقتصر نشاطها على المواقع والصحف الالكترونية، ومن قراءة نص البيان يتضح كيف أن كاتب البيان قد ابتعد عن الصيغ التقليدية للجماعات الجهادية التي غالبا ما تشير إلى أحداث سابقة أو إلى مرجعيتها، مما يعطي انطباعا عن أنه عمل مجموعة من الهواة يطمحون لإرهاب تلك الشخصيات بغرض تحجيم نشاطهم على الانترنت بعد أن ضجوا بكتاباتهم.. وهذا الرأي لا يقلل من خطورة البيان، فالعديد من الحوادث الأخيرة قد تم تنفيذها بواسطة مجموعة من quot;الهواةquot; ليس لهم أي صلة بالتنظيمات الإرهابية العالمية.
ورغم تذييل البيان بإمضاء شخص يدعى quot;أبوذر المقديشىquot; أمير الإعلام بالجماعة، إلا أن البيان يتضح فيه الأسلوب المصري في الكتابة في عدم استخدام التاء المربوطة و استخدام الياء غير المنقطة، وقد رجح الدكتور أحمد صبحي منصور المستهدف رقم واحد في القائمة فكرة أن يكون البيان مصدره مصري، ومن الملحوظ أن أغلب المستهدفين في البيان من المصريين.
ويبقى رأي أخير ذهب إليه بعض الكتاب المناهضين للأسماء المذكورة، والذين نشروا رأيهم هذا على الصحف الالكترونية كصحيفة شباب مصر الالكترونية التي شهدت صراعا بين بعض الكتاب والمعلقين الإسلاميين وبعض من ذكر اسمهم في بيان الجماعة.. حيث ذهب هؤلاء إلى أن هذا البيان من تأليف أحد أفراد القائمة السابقة سعيا وراء استعطاف الجماهير والشهرة..!
الانترنت.. عالم غامض
مازالت الإنترنت تحمل لنا كل يوم المزيد من المفاجآت، خصوصا عندما تنتقل الصراعات السياسية أو الدينية إلى داخل عالم الإنترنت، فهذا العالم ذو الطابع الكوني يتعامل معه البسطاء والهواة جنبا إلى جنب مع أصحاب الدعاوى الدينية والسياسية.. تجتمع فيه بيانات القتل والذبح مع دعاوى الإصلاح والتغيير، ولعل أهم ميزة في عالم الإنترنت هي نفسها أهم مصادر خطورتها، ألا وهي الحرية الكبيرة لزائر هذا العالم في أن يطلع على كل ما هو متاح أمامه، وأن يسجل رأيه الذي قد لا يستطيع تسجيله في عالمه الواقعي.. وهنا تبدأ الصراعات حول من يستطع فرض سطوته على الشبكة .وعلى ما يبدو أن عالم الإنترنت.. ذلك الفضاء المعلوماتي الفسيح في حاجة إلى دعاوى سلام تفض الاشتباك بين العديد من زواره.
التعليقات