نسرين عزالدين: ..لقد دخلت الحرب في اسبوعها الثالث . لا اعرف كم الساعة الان ، لعلها الواحدة بعد منتصف الليل.

الطائرات الاسرائيلية ما زالت تحلق ..اصواتها باتت تستفزني حد الجنون .لا يمكنك ان تستمع الى هديرها وانت تعلم انها ستغير على مكان ما في لحظة ما وتقتل عائلة ما .

يتملكك شعور جديد في كل مرة ..حبذا لو تستطيع اسقاطها وتمزيق من في داخلها اربا..فليذق عذابات من يقصفهم .

لكن لا سبيل الى ذلك، فتجلس مستيقظا تستمع اليها تحوم وتحوم لتحدد هدفها في اي لحظة وتقصف.الاخبار ما زالت تصدح في الغرفة ، لا اذكر انني اطفأت التلفاز منذ بدأت الحرب..انام لبضع ساعات لاستيقظ مذعورة اما على اصوات صواريخهم او خوفا من قصف ما في مكان ما،غاب عني متابعته .

اختلف كل شيء في هذه الحرب مع إسرائيل. هي ليست الحرب الاولى التي اشهدها لكن سابقاتها كانت مختلفة، بالنسبة لي على الاقل.حينها لم اكن اسمع سوى اصوات الطائرات والغارات ..كنت هناك، وهناك لا تسمع سوى هذه الاصوات وهي اجمل بكثير من الاصوات المتباكية. هي اصلا لم تكن متحمسة كما هي اليوم ..الحرب كانت محصورة بالجنوب حينها ولم يطالهم منها سوى quot;الشظايا quot;.

سمعت خبر قصف قريتي على التلفزيون، في الامس. امي هناك، اقاربي، وكل من احب وما احب هناك ..واسرائيل تدمره الان ولا حيلة لي سوى الانتظار.ففي لبنان تتعطل خطوط الهاتف عن العمل في مثل تلك اللحظات العصيبة. انهم بخير..غيرهم قتلوا اما هم فما زالوا على قيد الحياة .هل تفرح ام تحزن ام تحاول الحد من اي سعادة مفترضة .. لا اعرف.لقد فرحت لنجاتهم ولم افكر باي امر اخر..
اعتذر.

قبل ايام قليلة وصلت امي الى بيروت..اعتذر مجددا لقد غفوت قليلا.لم اتمكن مقاومة شعور الطمأنية ..فنمت ملءجفوني.هل يحق لي بهذه الطمأنينة ، لا اعرف حقا.

في اليوم الرابع عشر قصفت اسرائيل مجددا قريتي. هذه المرة استهدفت مسجدا يقع قبالة منزلي ، قيل ان الانفجار كان قويا جدا وان منزلي في احسن الاحوال سيكون قد تضرر بشكل كبير.للوهلة الاولى شعرت بالحزن.. كان لحظة انانية بشعة .

ما اهمية منزل واحد ومئات المنازل قد دمرت ..

والاف العائلات قد شردت ومثلهم قتلوا بابشع الاساليب.ما اهمية اي شيء امام صورة طفلة في اشهرها الاولى وقد تمزق جسدها وانشطر الى قسمين.

..في يوميات الحرب هذه يقال باننا شعب متضامن .يكذبون .هناك في مكان ما في لبنان من لا يعنيه هذا كله ، فيقوم بالنزهات والفسحات ويرفه عن نفسه وعندما ينتهي من هذا كله يخرج علينا متباكيا على لبنان وعلى الدمار الذي لحق به .. ولا ينسى ان يبث القليل من الطائفية والكثير من الحقد ، ليختم بدعوتنا الى الوحدة والتضامن .

كل هذا الحقد يا الهي ، كل هذا الكذب .في يوميات الحرب هذه بتنا نناقش من هو العدو .فهناك عدوان لللبنانين .ان قلت ان اسرائيل عدو يرمي اخر معارض سوريا بوجهك ..هي عدوته .منطق غريب ان تناقش ان كانت اسرائيل هي العدو ام لا..اين اصبحنا يا الهي.

كل هذا الكره والحقد.. يريدون التخلص من حزب الله باي ثمن .يصدرون فتاوى بتكفير الشيعة وبعدم جواز الدعاء لحزب الله بالنصر.. ولا اعرف ان حشروا في تلك الفتوى ايضا عدم جواز الترحم على ارواح من قتلوا لانهم شيعة .

بالامس اتت كوندليزا رايس الى لبنان، فاستقبلت بالقبلات .هرعوا اليها والتفوا حول مائدة غداء عوكر.

عرضوا افكارهم كما قالوا.اي افكار عرضت والابتسامات كادت تمزق وجوههم وهم يلتفون حول من كررت مرارا وتكرارا ان بلادها لا تريد وقف اطلاق النار .

اي افكار واميركا ما زالت تنقل الصواريخ الى اسرائيل ..صواريخ قادرة على اختراق الارض ..كي لا تقتلنا فقط .. بل لتدفننا تحت quot;سابع ارضquot; .لم يعد لبنان هو القضية ..ولا اعرف ان كان قضيتهم يوما، القضاء على حزب الله هو القضية ، باي ثمن .

..تقول صديقتي انها تتوقع حربا اهلية حين تنتهي الحرب..لا اعتقد ان حربا اهلية ستندلع .فالهبات الاولية بدأت تصل وغيرها سيصل ، ومن سيفوت فرصة تجيرها الى الجيوب الملآنة اصلا من حروب سابقة.

لقد ضحكت للمرة الاولى في هذه الحرب حين قال رئيس الوزراء فؤاد السنيورة ان اسرائيل دمرت لبنان الذي ما زال يزيل اثار اعتداءاته السابقة..غريب هذا الرجل .فالهبات التي وصلت حينها كانت كافية ليس لازالة اثار العدوان السابق بل لاعادة اعمار لبنان كله .

ساتوقف الان ..غدا سأتابع يوميات حربنا هذه .حربنا نحن من نؤمن بأحقية صراعنا مع اسرائيل واننا قادرون على الانتصار عليها.
اصوات الصواريخ ما زالت تدوي، واصوات المتشدقين بالحقد والطائفية لم اعد اسمعها.
تصرخ ام فقدت اطفالها فلا تسمع سوى عزة نفس وايمانا بالانتصار.تخجل من نفسك.. ايخجلون هم ؟لا يهم ان خجلوا ام لا..هي تتلقى الصاروخ بجسدها وتموت في سبيل ما تؤمن به .تموت فخورة وابكيها اكثر فخرا..بها وبغيرها يمكنني الان القول وبرأس مرفوع انني لبنانية .