نزار رياني : إن من ينفي وجود إمبريالية عالمية تخطط لابتلاع العالم بأسره والسيطرة عليه بشكل أو بآخر هو كمن يجبر نفسه على التعامي عما يحدث ، لأن عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية هو عالم القطب الواحد الذي يعمل جاهدا ً للاستحواذ على كل ما يمكن استحواذه من دول هذا العالم بشعوبها وثرواتها وتاريخها ومقدراتها .

وبالطبع لا يمكن لأية قوة في العالم أن تسيطر على وطن موحد لأنها ستعاني كثيرا ً وقد تفشل في ذلك ، لذا فإن وصفة تفتيت الأوطان إلى دويلات حققت نتائج مبهرة وسهلت على الامبريالية العالمية بسط نفوذها وسيطرتها ، وهذا ما جرى للوطن العربي ولدول الاتحاد السوفياتي على سبيل المثال .لكن هذه الدول المفتتة والمجتزأة بدأت في الآونة الأخيرة تطلب العون والمساعدة والتحالف مع دول كبرى ليست ذات طابع توسعي ولا تتجاوز مطامعها تحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية مثل فرنسا وروسيا والصين ، الأمر الذي أزعج الغول الأعظم quot; يو اس أي quot; فأخذ يفكر بطريقة أخرى لإضعاف هذه التحالفات أو إلغائها إن استطاع ، فما كان منه إلا أن أشعل الحروب بين هذه الدول ، ولم يكفه هذا فأشعل حروبا ً داخل كل دولة كانت كلها على أساس عرقي ومذهبي وطائفي فورط العالم في حروب تصب كلها في فائدته .

وبعد ذلك أصبح هذا الغول نفسه يشارك في البحث عن حلول لحروب وصراعات تلك الدول ، بحيث يعرقل الحل الذي لا يروق له ويفرض الحل الذي يتفق مع مخططاته التوسعية ، وهكذا حتى تحولت كل دولة من هذه الدول إلى قضية تبحث على طاولات مجلس الأمن quot; الأميركي quot; ثم توضع على الرف ، فصارت دولة فلسطين قضية فلسطين وصارت دولة لبنان قضية لبنان وصارت دولة العراق قضية العراق ودولة أفغانستان قضية أفغانستان والصومال قضية الصومال ويوغوسلافيا قضية يوغوسلافيا ... الخ من الدول التي تحولت إلى ورق مرصوص على الرفوف ينتظر الوقت الذي يتلطف ويتعطف فيه الغول الأكبر فيفرض الحل الذي يريد والذي يحقق مصالحه في السيطرة والتوسع ، وهو لا يبادر إلى ذلك إلا بعد أن تقتل الحروب من تقتل وبعد أن تشرد من تشرد وبعد أن تنزف هذه الدول ثرواتها ومقدراتها فتقبل بأي حل يفرضه الغول طالبة ً الخلاص .هذه الصورة على ما أعتقد لا يمكن وصفها إلا بالبلطجية ، إنها همجية القرن الحادي والعشرين ، ولكن من لهذه الشعوب ومن لتلك الدماء ومن لتلك الدموع ، فهل من مخلص ؟؟؟