سامية المصري : عندما يتشبع الإنسان من رائحة الأرض التي يسكنها وتستقر تفاصيلها في تفاصيل روحه، ويطغى عليه تأثيرها من ثقافة وطريقة تفكير ولهجة ولباس ومعاملة، تجد نفسك تلقائيا تدرك بفراستك بيان جنسيته، وفي الغالب لن تكون مخطئاً. فهذا هو الإنسان المحلي.

أما أخوه في الإنسانية الذي لم ترضَ روحه الانحباس في قيود المحلية، ويتصدر مجالات الأدب والفكر الحر، وترى أتباعه بالملايين، فهو من يقدر على تغيير وجه الزمان.

يبدأ تشكل الوعي لدى الإنسان بانتمائه الوطني منذ سنين الطفولة، وعند سنالبلوغ يشعر البعض بالخوف من تمييع هويته وضياعها، ويشعر باختلافه وتمايزه عن الآخرين من أبناء البلدان الأخرى، وخطأً يعتقد أنه - وأبناء بلده - أفضل وأحسن وأجمل وأذكى وأنقى وأتقى. فيسعون لتكريس محليتهم وتثبيت أقدامهم في الأرض وبناء حواجز بينهم وبين من يخالفونهم - حتى وإن كان هذا الاختلاف قد يفيدهم - ولكن التعصب أعمى. عندما أتحدث عن أمة العرب وأعود إلى تاريخها، أجد الصفة المتأصلة في أبنائها تتجلى في العصبيات القبلية والحمية الجاهلية والتفرقة الظالمة. وما يؤسف له تسرب هذه الظاهرة إلينا،بين الشباب والشيوخ، بين النساء والرجال، بين الأغنياء والفقراء، وكأننا لم نتعلم من الماضي وكأن الدروس ينبغي أن تتكرر مراراً وتكراراً كي يتعلم (الشطار). ومع اتساع أرجاء مجتمعنا العربي وتنوع أجناسه وأعراقه، يبدو التعصب القبلي القديم تشعّب وأنجب أنواعاً متعددة من التعصب.. ديني وإقليمي ورياضي وفني.. إنها قائمة لا تنتهي.

ليست شعرة تلك التي تفصل بين اعتزاز المرء بنفسه وما يحمله من موروثات، وبين تعصبه لانتمائه. إنما يمر الأمربمراحل من تضخيم الذات، يصاحبها الإقلال من شأن الآخر واحتقاره حتى يصل إلى ذروته في تقديس الذات واعتبار عِرقه أفضل عِرق وإقليمه أفضل إقليم وعشيرته أفضل عشيرة وكل ما ينتسب إليه هو الأفضل، وبالتالي فإن ما ينتسب إليه الآخرون هو الأدنى - حسب وجهة نظره.

ألا يستطيع الإنسان العربي أن يتعالى على مرحلة الاعتزاز بقوميته (محليته) ليتجاوزها إلى مرحلة الاعتراف بقومية الآخر واحترامها؟ هل نحتاج إلى مزيد من الدروس في الحاضر لأن دروس الماضي لم تكفي؟ هل يعمد أبناء أمة حضارية إلى خدش كرامة إخوانهم ولصق الصفات المعيبة بأبناء شعبٍ كامل؟ الجواب: لا، السؤال: هل نحن أمة حضارية؟ هل نسعى لأن نكون؟ الجواب عندكم.

الإنسان كائن عالمي، لكن تضخيمه لنفسه واحتقاره للآخر يحجمه ويقلل من شأنه ويكرس محليته ضد حسه الإنساني.