خلف خلف من رام الله: لا يدرك الإنسان حجم أي قضية مهما كانت إلا إذا تلمس خيوطها واقترب منها، وعلى مدار سنوات مضت عانت العديد من الدول العربية ولا سيما فلسطين من هجرة شبابها وكوادرها العلمية للخارج. ويبدو أنه في ظل انعدام الفرص وتدهور الأوضاع الأمنية وشلل الاقتصاد باتت الهجرة هي الحل الأمثل لدى الكثير من شباب فلسطين، ولم أدرك حجم هذه المشكلة سوى بعد توجهي للدائرة المركزية لإصدار الجوازات في وزارة الداخلية في مدينة رام الله.
في غرفة صغيرة تتسع لثلاثة موظفين بمكاتبهم يقف أمامها أربعة شبان مغمورين بالفرح لحصولهم على quot;فيزاquot; (تأشيرة) للهجرة لكندا وأميركا واستراليا. اقتربت منهم بعد وضعت أوراقي أمام الموظف وأوضحت له مطلبي بتجديد جواز سفري، ودار بيننا نقاشاً لم يتعدى الخمس دقائق، سألتهم عن أسباب الهجرة من الوطن، فرد الأول والذي أكشفت لاحقاً أنه يعمل بحقل الصحافة قائلاً: quot;هنا لا حياة..تخرجت من الجامعة منذ ثلاثة سنوات، ولم اترك باب مؤسسة إلا وقفت أمامه دون جدوى، عملت طوال السنة الماضية عدة ايام فقط، ولذلك فكرت بالهجرة لأنها باعتقادي الحل الوحيدة في مثل هذه الظروف..quot;. ورمى الكرة في ملعبي قائلاً: quot;أم لديك حل آخرquot;، لم أجب..ولكني كنت أود القول: quot;حاول..حاول أن تبقى هناquot;.
أما زميله والذي كانت الابتسامة تحاول بتر شفتيه، فقد اعلمني أنه يريد السفر للولايات المتحدة بعد أن حصل على تأشيرة للدراسة هناك، سألته عن أسم الجامعة التي يريد التوجه إليها، فضحك قائلاً: quot;حقيقة لا اعرف أسمهاquot;، وعن السبب شرح قائلاً: quot;لقد أمن لي مكتب سياحة هنا قبول في هذه الجامعة لكي أحصل على الفيزا فقط، فأنا أريد السفر للعمل وليس هدفي الدراسة، وعن حيثيات هذه القضية، تابع: quot;الحصول على فيزا لأميركا ليس سهلاً، فلا بد من التحايل قليلاً، واختلاق قصة إكمال الدراسة، ولكن رغم ذلك فالموضوع مكلف مالياً، فيجب أن توفر ما يقارب 3 الآف دولار لكي تستطيع ترك هذه البلاد متجهاً لأميركاquot;.
انتهي اللقاء معهم على عجل كما بدأ، بعد أن أخبروني عن نيتهم الذهاب لتجديد هوية أحدهم كون الجيش الإسرائيلي قد أخذها على أحد الحواجز التي تشطر المدن والقرى الفلسطينية.
كان في رأسي عشرات الأسئلة تحوم بقوة باحثة عن إجابات لها، سألت الموظف الذي تبعثرت كومة الأوراق على مكتبه، عن حجم الشباب الذين يأتون إليه للحصول أو تجديد جوازاتهم بغرض الهجرة، قال بعد أن طلب مني عدم ذكر أسمه: quot;كثير...لا يكاد يمر شهر دون رؤية ما يزيد من 70 إلى 90 شاباً يريدون الهجرةquot;، قلت في عقلي: quot;هذا فقط في مركز واحد لإصدار الجوازات..فكيف في باقي المحافظات والمراكزquot;.
حسب معطيات وزارة الخارجية الفلسطينية تم التقدم ب 45 ألف طلب للهجرة منذ أواسط 2006 للممثليات الدبلوماسية الأجنبية في الأراضي الفلسطينية، وذكرت مدير عام الإحصاءات السكانية والاجتماعية في جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني السيدة عناية زيدان أن بيانات المسح للأعوام 2003 و2004 قد أشارت إلى أن 20% من الشباب يرغبون بالهجرة وأن هذه النسبة وزعت بنسبة 22% في الضفة الغربية و16% في قطاع غزة وان الشباب في الفئة العمرية بين 20 الى 24 سنة هم أعلى نسبة إذ مثلوا 27% ممن يرغبون في الهجرة. لكن دراسات وأرقام أخرى تعود إلى شهر أيلول 2006 أوضحت أن نسبة من يفكرون بالهجرة قد ارتفعت الى 44%.
وقد أصدرت رابطة علماء فلسطينمنذ أيام فتوى شرعية اعتبرت فيها هجرة الوطن حرام شرعا، وأشار الشيخ حامد البيتاوي رئيس الرابطة ومصدر الفتوى إلى ازدياد أعداد هجرة الشباب إلى دول غربية، وأضاف أن الحكم الشرعي في هذه الحالةهو عدم جوازهجرة الشاب أرضه إلى دولة أجنبية لأنه بمثابة quot;التولي يوم الزحفquot; إلا لمبرر شرعي كالتعليم والعلاج وغيره وبنية العودة للوطن والأهل، ودعا إلى الصبر على الأوضاع الداخلية والالتزام بالمقاومة والوحدة.
التعليقات