هديل عبدالرحمن من الرياض: يوشك دوري كرة القدم السعودي على لفظ آخر أنفاسه، بعد أن دخل في مرحلة الجولات الأخيرة الحاسمة، وبعد انقضاء عدد من المسابقات المهمة، وعلى الرغم من حظر دخول النساء إلى الملاعب في السعودية، وطزاجة حادثة طرد الطفلة ذات الـ 12 عامًا التي حضرت مباراة في ملعب بالأحساء؛ إلا أن بعض الفتيات لا يقل حماسهن عن حماس الشباب، ويكاد أن يتجاوز ولعهن ولعب الصبيان في بعض الحالات الأكثر تعصبًا!
الأسبوع الماضي الذي شهدت نهايته النهائي الكبير بين فريقي العاصمة (الهلال والنصر)؛ أوصل الحماس إلى ذروته، فمنذ أن أعلن عن طرفي المباراة، وطالبات المدارس يشحذن استعدادت كبرى، خصوصًا مشجعات الفريق الأصفر، اللواتي لم يشهدن أي بطولة له منذ وعين الكرة. بلغت ذروة الحماس يوم الأربعاء المشهود، من خلال لبس أربطة بألوان الفريقين، وتحديات كلامية، ولم يكن الأمر حكرًا على طالبات المدارس، بل شهدت الجامعات والكليات تأهبًا أوضح، وأكثر صراحة، بسبب هامش الحرية الأوسع في ارتداء الملابس.
المباراة في شاشة الجوال!

quot;منذ الاعلان عن طرفي اللقاء وهاتفي الجوال لم يهدأ!quot; هكذا تخبرنا هالة، ذات الـ 14 عامًا، تقول: أشجع النصر بحكم بيتي النصراوي، لكني لم أشهد أي بطولة نصراوية، كان وصول فريق النصر إلى النهائي مناسبة سعيدة لي، وللمنزل بأكمله، وفرصة لتحدي صديقاتي الهلاليات بإرسال رسائل نصية، أو حتى رسائل (وسائط).
مها (17 عامًا) التي حولت شريحة هاتفها إلى شركة أخرى، لتتمكن من متابعة أخبار ناديها المفضل (الهلال)؛ كانت في ذروة حماسها يوم المباراة، وتعيد إرسال الأخبار الواردة إليها لجميع صديقاتها غير المشتركات بالخدمة. تقول: quot;كان يومًا استثنائيًا أن يلعب الهلال أمام النصر على النهائيquot;!
جامعيات ومعلمات، في مدرجات التشجيع...
لمى طالبة في المرحلة المتوسطة، لا تميل إلى تشجيع الكرة المحلية، لكنها لم تكن بمنأى عن الهياج الذي عم مدرستها، تقول: من العادي أن أرى زميلاتي وصديقاتي بهذا الحماس، لكن الذي لم أستوعبه أن نسأل طالبة جامعية تتدرب في المدرسة عن اسمها؛ فتجيبنا: quot;سعد الحارثيquot;!!، وأن تلبس معلمة مادة العلوم قميصًا أزرقًا مخططًا بالأبيض، وعندما استفسرنا إن كانت تشجع الهلال، تجيبنا بأنها لبسته مصادفة!
تقول رنا (24 سنة) طالبة دراسات عليا في جامعة الملك عبد العزيز في جدة، في الوقت الذي كنت أرتاد فيه المدارس، كان تشجيع كرة القدم رائجًا بين الفتيات، والإعجاب بلاعبين معينين لم يكن غريبًا، لكنه في كل الأحوال لم يتعدَّ ارتداء شرائط بألوان الفريق، أو كتابة اسم لاعب على أوراق دفتر مخفي، الآن أصبحت الفتيات يشترين القمصان الأصلية للفرق التي يشجعنها، ويعلقن (بوسترات) لصور اللاعبين في غرفهن، وأنا لا أملك إلا أن أقول : أجل تشجعي كان عاقل!!

توافقها لمياء (23 سنة)، وتضيف: على الرغم من أن الكثير يعتقدون أن تشجيع الفتاة للكرة حالة موقتة مرتبطة بالمراهقة غالبًا، إلا أني ما زلت أتابع الكرة بحماس لا يقل عن حماسي أيام المراهقة، والآن وقد أصبحتُ مستقلة ماديًا بفضل وظيفتي؛ أصبح بإمكاني الاشتراك بمجلات متخصصة بالكرة، بل واشتريت شاشة تلفزيونية واسعة لمتابعة مباريات البطولات العالمية المفضلة لدي.

المنتديات الرياضية الإلكترونية هي الأخرى لا تخلو من مشجعات، وبعضهن ينافسن الشباب في الحصول على المعلومات المؤكدة عن فريق ما، أو لاعب معين. إحداهن أدرجت صورة لغرفة نومها المصبوغة بألوان فريقها المفضل، الذي وصلت ألوانه لكل تفاصيل غرفتها، حتى كمبيوترها زينته بملصقات لشعار الفريق، وألوانه.
أخرى انتشر مقطع صوتي لها في المواقع الإلكترونية، وعبر البلوتوث وهي تداخل على برنامج رياضي في قناة عربية بلهجتها المحلية البحتة اعتراضًا على نتائج فريقها غير الجيدة، وبحماس كادت أن تبكي معه.
من المدرج إلى الملعب...

على الرغم منكل المنع والتحفظ الذي يرافق ممارسة الفتيات للرياضة في المدارس والجامعات السعودية، إلا أن ثمة مباراة كرة قدم نسائية لها أن تذكر، أقيمت بين فريقي كلية اليمامة من الرياض، وكلية الأمير محمد بن فهد من الخبر، في وقت سابق من هذا العام، وانتهت بفوز فريق كلية اليمامة بركلات الترجيح، مسببة هرجًا شديدًا بين أوساط العامة، وفي المواقع الإلكترونية، والصحافة التقليدية، دون أن تنتهي إلى منع صريح أو موافقة مباركة.

هذا الاهتمام الكبير، يقابله لا مبالاة لا تقل شأنًا، وفي أحيان كثيرة يصل لحد الاستنكار والاستهجان، وربما التحريم بحجة ظهور عورات اللاعبين، أو من باب وجوب غض البصر. ريم (22 سنة)، تقول اللعبة غير مقبولة لدى كثير من نساء العالم، ونحن لسنا بمعزل عنهن: كم نسبة المشجعات إلى المشجعين؟ كما تستطرد: أعتقد أن حتى الرجال لا يريدوننا أن نزاحمهم الاهتمام بهذه اللعبة، فقد قرأت عن رفض الإنكليز وهم أهل هذه اللعبة لامرأة تعلق على مباريات الدوري لديهم!

بدور(19 سنة) طالبة في جامعة الملك فيصل في الدمام، تستنكر هذا الاهتمام، وتقول ضاحكة: اللعبة رجالية بحتة، ولا يمكنني تصور أي متعة في مشاهدة 22 لاعبًا يطاردون كرة واحدة، ربما لو أعطوا لكل لاعب كرة، لانحلت المسألة!

سارة أيضًا طالبة في كلية البنات في القصيم، تذكر أنها كانت تشجع الكرة في المرحلة الثانوية مسايرة لزميلاتها، إلا أنها توقفت لسبب وجيه كما تذكر: لم أستطع فهم (التسلل) قط!

وبين هذا الاهتمام، وتلك اللامبالاة، تظل بوابات الملاعب مغلقة في وجوه الفتيات، والفضاءحكرًا على القادرات منهن، ولا تجمعهن سوىصحف ومجلات، ومواقع إلكترونية.. تسرب إليهن ألوان فرقهن المفضلة، وفتات أخبارهم!