quot;الحرف، هو مملكة النساءquot; ماركوريت دوراس

1 ـ الأدب النسائي الفرنسي: محاولة التجلية.

1ـ 1ـ أدب الجذور ـ القرون الوسطى ـ
تكتب (جيني هيريكورت ) مخاطبة معشر الرجال بمن فيهم قراءها وأعداءها وأصدقاءها، في مقال لها بمجلة (لاكلوش) بتاريخ 18 دجنبر 1872 عن شروعها في الكتابة وتحدد معالم هذه الكتابة في كونها فقط quot;امرأةquot; تقول: quot; سادتي لا أستطيع أن أكتب إلا كامرأة، بما أن لي شرف كوني امرأةquot; (1).
وقد كان رد فعلها هذا في مواجهة النقد الموجه لها ككاتبة والذي خلص إلى اعتبار كتابتها ذكورية التعبير.
إن وجود نساء الكلمات بالأدب الفرنسي حتّى حدود سنة 1950، كان مشمولا بالتساؤلات من نوع:
ـ هل يمكن تحديدquot; الأدب النسائيquot; ؟ .
ـ هل يوجد تعبير خاص بالنساء؟.
ـ كيف تتموقع الكاتبة داخل الوعي الجماعي للممارسة الكتابية كحرفة والتي لا تنطاع للمؤنث؟.
إن تعدد الكتابة النسائية خرج عن إطار تحديد أنموذج واحد للمرأة الكاتبة، هذه التحديدات واسعة بشكل كافي لإدماج عدة تطبيقات أدبية، وقد استنتجت camille aubaud في كتابها، أن إشكالية الإبداع للمرأة هو فرادة التسابق نحو التصوُّرات حول النساء تقول: quot; مشكلة الإبداع الأدبي للنساء هو التسابق الرئيسي نحو تسليع صورة النساءquot; (2) .
تبقى الكتابة النسائية منغلقة على ذاتها، حسب استنتاجات الكاتبة، ما دامت لا تحرك الثوابث المهيمنة على النساء، الثوابث المتعلقة بالسياسة والدين والسلطة، ومن خلال هذا المنظور نجد أن أدب نساء القرون الوسطى لا يدخل ضمن هذا الاعتبار لدى الكاتبة من حيث أن موتيفاته وأصوله كانت عبارة عن تنفيس داخلي تأخذ فيه المرأة ريشتها لتعبر كاريكاتوريا عن سلوكيات الزوج والحبيب والإنخراط في المناقشة حول المساواة الجنسية.

*من حيث مبادلات الحب:
نجد الرسائل المطوّلة للكاتبة (هيلويز 1101-1164) الموجّهة للصوفي زوجها السابق (أبيلار)، وقد كانت هذه الرسائل تعتبر ذات خصوصية وفرادة لا لقول الجدل الفكري داخلها ولا لوفرة المعلومات التي تحتويها وإنما جاءت قوتها من خلال شدة الولع العاطفي الذي تعبر عنه داخل الخلية الدينية التي أدخلها إيّاها (أبيلار)، تقول هيلويز في الرسالة الثانية مستشهدة بالمقتطفات الدينية الكنسية من جملتها:quot; وجدت المرأة أكثر ظلما من الموت (..) قلبها مصيدة وأيديها قيودquot; (3)، وقد استخلصت كاميليا أوبود من خلال هاته الرسائل الخصائص الأساسية للكتابة النسائية بالقرون الوسطى والتي تشتمل أساسا على:
ـ الرغبة الجامحة في المعرفة المعبر عنها من خلال ثقافة مغايرة لتلك التي لدى الرجال بالمقارنة مع الكتاب المقدس الذي يُحذر من النساء.
ـ الخاصية الثانية تتعلق بولوجيات قبول الكاتبات لدى المجتمع القارئ والمحدد أساسا باحتضان الكاتبة من طرف الرجال، أقربائها، وبشكل كامل الحماية التي تجدها في علاقتها مع كاتب تعتقده متفوق عليها كما جاء ذلك بالرسالة الأولى لهلويز مخاطبة أبيلار: quot; إنها تخط التاريخ الحزين لتحوّلاتنا وتجاربكم بدون شكر ولا راحة، يا أملي العظيم quot; نفس المرجع السابق ص: 4.
إن التحديدات الأساسية لكتابة النساء هي طبيعة العلاقة مع التقاليد الشفاهية الممزوجة بالخوارق والأخيلة من جهة، والمسألة الواقعية من جهة أخرى.
ولقد شكلت أسطورة المرأة تاريخ الأدب الفرنسي الذي تناسى وجود نصوص أدبية للنساء، لكن المُلفت للنظر هو استثمار إبداعات النساء من أجل تطعيم الخطاب الأسطوري، الشيء الذي وقع لمؤلف لويس لابي عند شرحه ومناقشته خلال القرن الذي تلا وجوده.

1ـ 2ـ من أغنيات الحب إلى مخالب النساء: عصر النهضة.
يعتبر عصر النهضة من العصور التي عرفت تفتق الكتابة لدى النساء ويعتبر كذلك quot; بمثابة مرحلة مناسبة لتفتح أدب النساء وخاصة بين 1530 1550 quot; (4)، وتعتبر هذه المرحلة عصر ا ذهبيا للشعر النسائي بامتياز ظهرت فيه مارغوريت دي نافار (1492-1549) التي أعطت المثال مثل كريستين دي بيسان، لعبقرية نادرة كمسرحية وكشاعرة أسطورية.
فالنصوص النسائية لعصر النهضة تبين الإرادة الحقيقية للكاتبات في الاتجاه نحو مواجهة الاستراتيجيات الذكورية التي تحرّكهن..متناقضات الحب الإلهي والحب الجسدي، وقد فضحت فيرجينيا وولف هذه الاستراتيجيات وتأتيراتها في quot; شبح الجنس الجميلquot; بينما يحققquot; ملاك البيتquot; لها الجزء الذي تعتبر فيه الأدب النسائي مثل ظاهرة فريدة تنخرط في عدة بحوث وعدة صراعات غير الأدب الرسمي، نحو احتلال مكانة في مجال المعرفة لولوج عالم النور.

1-3ـ quot; الصالون الأدبيquot; أهم قفزة للأدب النسائي.
تبحث نساء الحروف عن طريقهن خارج النظم الأدبية التقليدية الكلاسيكية، فهن لمّا قلدن كنّ يشبعن الرغبة في تجسيد التقابل المزدوج للإبداع الأدبي بأوضاعهن الاجتماعية، أما حضورهن القوي في الأدب الرومنطيقي فسيُحْيي الدونية واحتقار القرن، وقد سيطرت النساء على مجال التعامل بالمراسلة مُتوّجة بذلك مملكة الحروف كمملكة حقيقية للنساء.
ويشكل تاريخ 1690 دلالة خاصة في تاريخ أدب النساء بفرنسا وذلك مع (ماري كاترين أولنوي) 1650-1705. والتي كانت بعد معاناتها الاجتماعية والسياسية وبعد صدور حكم الاعفاء عنها من طرف المحكمة الفرنسية قامت بتنشيط صالون أدبي معاصر ابتداء من سنة 1685.
إن خصائص كتابة أولنوي قد فتحت النص السردي على صدمة الواقع، فهي كانت تدمج الأحداث العمومية بحياتها الشخصية المحددة للأسلوب الشفهي.
وقد مرت الكتابة النسائية بذلك من المغلق إلى المفتوح، من الدير إلى الصالون الأدبي الذي تشكل داخله وعي الكاتبة بالحياة الأدبية والاجتماعية على المستوى التربوي بعد أن كانت علاقة المرأة بالحياة تحكمها الروح الدينية.
إن الصالونات الأدبية تلاقحت فيها مجالات الضوء والظل بالنسبة للحياة الأدبية حيث أثرت بشكل كبير في تفتق عالم الكلمات بالرغم من أن المجتمع قد وقف حائلا أمام نساء مثل كلود تانسان 1682-1749.و آن تيريز دو لامبارت 1647-1733. والتنكر لمكانتهن العلمية والفلسفية التي يتوفرن على كل المؤهلات لحيازتها.
وقد توصلت آن تيريز إلى حقيقة مُرّة كانت المعبرة بصدق عنها حيث انتقدت فيها مساوئ التربية الجنسية التي لا تدفع بالنساء نحو المعرفة وإثباث الذات بل تصنع كائنات مصطنعة بالرغم من quot;الحرية quot; المعطاة لها تقول quot; إننا في جميع الأزمان أهملنا تربية البناتquot; (5)، وقد احتل محور التربية أحد الانشغالات الأساسية لهذا القرن بينما نحت ريشة النساء المنحى الدفاعي ضد مجتمع الذكور لمهاجمة الطابوهات وغابت النصوص الأدبية التي يتحدث فيها النسوي عن نفسه.
بعد الحرب العالمية الثانية استفاذت نساء الكلمة من الانخراط الجماعي للمجتمع لصالح النساء فبرزت كل من ناتالي ساروت، سيمون دي بوفوار وسيمون ويل، حيث تشكلت سنة 1908 حركة احتجاجية لصالح قانون تصويت المرأة والذي رفضته الجمعية الفرنسية، كما خرج الشارع الفرنسي سنة1919 للتنديد بخلق أول باكلوريا نسائية والتي انتظرت سنة1924 كي يتم إلغاؤها بوحدة البرامج بالنسبة للجنسين.


2 ـ نماذج لتحليل النسق


2ـ 1ـ الكتابة النسائية وquot;الجنس الآخرquot;.
في هذا الأنموذج سنعالج ما حمّلته سيمون دي بوفوار كرسالة للعالم و التي لعبت خلال مسيرتها الأدبية دورا رياديا في حركة تحرير المرأة .
فسيمون دي بوفوار(1908-1986)، أديبة فرنسية مثقفة حصلت على دبلوم في الفلسفة سنة1929 بتفوق، رفضت الخضوع لمصيرها المرسوم كأم وزوجة وكان لقاءها مع الكاتب جان بول سارتر حسب قولها:quot; الحدث الرئيسي في وجودهاquot; (الكل مهم فعلا) 1972.
عاشت دي بوفوار هاجسا استحكم جل نشاطها الفكري، وهو هاجس الحرية وعلى الخصوص حرية المرأة ومن خلال ذلك حرية الكائن الإنساني عموما.
ويبقى مؤلفها quot; الجنس الآخرquot; 1949 من أهم وأشهر مؤلفاتها داخل فرنسا وخارجها والذي كان المرجع والمُعبّر عمّا كتب عن المسألة النسوية لفترة معيّنة، عالجت فيه وشخّصت الأوضاع التاريخية والاجتماعية والنفسية والخضوع الثقافي للمرأة لمجمل هاته الطابوهات الصمّاء.
ساهمت دي بوفوار في الحركة الثقافية الفرنسية عبر سيرتها الذاتية التي ركّزت فيها على تجاربها كأنثى وامرأة ابتداءا من كتابها، قوة السن 1960، وقوة الأشياء 1963، الموت السهل 1964، الكل يهم فعلا 1972، احتفال الوداع 1981، وذاكرة فتاة صغبرة 1985.
تحدثت في قوّة الأشياء عن رغبتها في إبراز ومساءلة الوضعية النسوية حيث قالت:quot; رغبة مني في الحديث عن نفسي، أرى أنه ينبغي لي وصف الوضعية النسائيةquot; (6)
وقد انطلقت الكاتبة عند تشخيصها لوضعية النساء من تساؤل مشروع هو quot; من هي المرأة ؟quot; لتحدد هويتها والتي وجدتها هوية مُستلبة، من اختلاق الرجل وحده.
وبذلك اخترقت دي بوفوار الصمت لتربط وضعية المرأة الفرنسية في القرن العشرين بالنماذج التحقيرية التني حاك خيوطها مذهب القديس طوماس.
وقد ألقت نظرة مقارنة على عالم النساء الامريكيات لتستشعر وإيّاهن نفس موقف التحدّي الذي ينتابهن خاصة ما يثبت شعور الأنثى بنفسها الذي يطغى على حضورهن الجسدي والنفسي تقول معربة عن هذا التحدي quot; إذا كانت الأنوثة وحدها لاتكفي لتعريف المرأة ورفضنا أن نفسّرها بمفهوم quot;المرأة الخالدةquot; وبالتالي إذا كنا، نسلم ولو يصورة مؤقتة، أن هناك نساء على الأرض، فعلينا حينئد أن نتساءل ما هي المرأة ؟quot;(7).
عاشت المرأة الفرنسية عند دي بوفوار اضطهادا نظريا رغم أنها عمليا كانت متفتحة على فضاءات الضوء ومحلات تسويق الأنثى للبحث عن الآلهة بمنظار الحب..حب الرجل، تقول:quot; يشاهد لدى كثير من الورعات هذا الخلط بين الرجل والإلهquot; (8)، وبذلك فالمرأة حسب دي بوفوار تخلق علاقة غير واقعية على المستوى الانتربولوجي مع كائن واقعي.
فهل حقّا أن الرجل الديمقراطي يستطيع الابتعاد عن الذاتية في طرح المسألة النسائية بصورة موضوعية ؟، وأين حدود الموضوعية هاته حينما نعلم أن القيود التي تلُفُّ أرجل النساء مصنوعة من معدن السلطة السياسية التي تُسخِّر اللاهوت والفلسفة والقانون لخدمة مصالحها؟.
إن معالجة موضوع المرأة ليس جديدا، وبالرغم من ذلك فقد ترددت سيمون طويلا في القدوم على تأليف كتاب حول المرأة حيث قالت:quot; ترددت طويلا قبل أن أقدم على تأليف كتاب حول المرأةquot;(9).
ويمكن طرح تساؤلات مشروعة حول هذا التردد وبنائه من الناحية النفسية لألتقي بالطرح الذي رسمته الدكتورة نادية العشيري حول التطرق لموضوع المرأة والخوف من ردود أفعال الآخرين أفرادا وجماعات (10).
ـ هل يحدد سبب تردد دي بوفوار قوّة المجتمع الذكوري الذي لا يستسيغ صوت المرأة المرفوع، على اعتبار ما يثيره استخدام اسم المرأة من حساسية للتقليدين ؟(11).
ـ هل تشكل كتابة المرأة نشازا يحرك لدى الذكر دوائر خوفه على مكانته وقيمه من الاقتحام؟.
ـ هل تكتب المرأة خصوصية علاقتها بالرجل فقط وبذلك فهي تكتب صمت النساء...جهل النساء... بكاء النساء... وبالتالي أميتهن؟.
ـ هل فن الكتابة سابق على الحرية أم أنه يليها؟.
ـ هل تردد سيمون يعني أن حريتها لم تنضج بعد لتصبح حرية دائمة؟
إن هذه التساؤلات وإذ تؤكد الحضور القوي لردود الأفعال لدى الآخرين تجعل سيمون تلخص عبره مشكلة الإنسان الفرنسي مع الحرية ..الحرية التي تجعل الرجل حسب دي بوفوار مادة ثورية وبذلك تصبح الأديبة بإبداعاتها الثورية حرّة أمام بنية الحياة الاجتماعية الموروثة، وقد جعل ريمبو (شاعر فرنسي) الحرية شرطا من بين الشروط الأساسية لممارسة الإبداع الشعري حيث قال :quot; عندما تتكسر عبودية المرأة الدائمة، ويمنحها الرجل البغيض حتّى ذلك الحين حريتها، آنذاك ستغدو شاعرة هي الأخرىquot; (12).
إن الدور الحقيقي للمرأة الساردة هي الثورة على النسق القيمي المهيمن ونسف الأصنام التي يستدعيها الرجل باستمرار لتغدو مقاييسه التي يمتلك بها الجنس الآخر، باهتة، وقد طالبت دي بوفوار بتحريك أزمة القيم الأنثوية التي تعتبر ممارسات قائمة عمليا وغائبة على الصعيد النظري تقول في كتابها quot;الجنس الآخرquot;، quot; المرأة هي أيضا تعرف القيم التي يقوم الذكر بتحقيقها بصورة فعلية، والحقيقة أن النساء لم يجابهن قيم الرجال بقيم أنثوية quot; (13).
إلا أن سيمون لم تكن تقصد أن الكتابة هي السبيل الوحيد الذي يضع الخريطة النفسية والاجتماعية لذاتية المرأة ولم تكن تعني أن الكتابة الشعرية والفكرية ستجعل المرأة، حقيقة فاعلة في تموُّج العالم حيث تقول: quot; ليست الأفكار والأشعار هي التي تُؤدي إلى تحرير المرأةquot; (14)، فبينما يهيمن الرجل عن طريق الكتابة الوظيفية التي تجعله يسيطر على مجالات السلطة والمعرفة وبالتالي القوة، حيث تعتبر اللغة هي فضاءه المثالي لتسكيك القيم وفرض سيكولوجية السلطة الذكورية على الواقع، إلى أن جاء القرن الثامن عشر بالحل حيث quot; أخذ بعض الرجال المشبعين حقّا بالديموقراطية يواجهون المسألة بصورة موضوعية quot; (15).
وترى كاتبتنا هنا أن وضعية التوازن التي تبحث عنها ما زالت غير مكتملة العناصر بسبب:
ـ شموخ التقاليد وصعوبة تصريف المرأة لحياتها الجنسية بدون تدخل مسألة التبعية التي تربطها بمصيرها التقليدي.
ـ تسهيل المجتمع لاستسلام المرأة لمصيرها التقليدي الذي يؤثر على مردوديتها وانطلاقتها في تفعيل تحررها لتحقيق توازنها الداخلي.
ـ احتدام الصراع بينها والرجل لاسترجاع ذاتها عبر تحطيم الأصنام التي تخندقت فيها وجعلتها تابعا ومُلحقا وذلك عبر تحطيم تفوق الرجل والتنكر لحقيقته وقيمه.
ـ المرأة ذاتها وفي سعيها الدائم للقضاء على أسطورة أنوثتها وتحررها من عبوديتها تكتشف أن أسطورة الذكر مُنْغرسة عميقا في كيانها ذاته تقول دي بوفوارquot; إن سحر الرجولة لا يزال محافظا على تأثيره الكبير لدى النساء وما انفك يستند على قواعد وأسس اقتصادية واجتماعية راسخةquot; (16).
إن تحرر المرأة رهين بمدى استطاعتها تغيير الصورة التي ينظر بها الرجل لها ولخصائصها الجسدية والنفسية، ومدى تحررها من الموروث الثقافي الذي يشكل سلبا حيواتها اللاواعية، وهذا الدور منوط بالمرأة الكاتبة التي تملك ناصية اللغة لتبليغ المشاعر والأحاسيسquot; للآخر quot; الذي تمثل المرأة في عُرفه الجنسquot; الآخرquot;، فالأنثى تحوّل إلى امرأة ضمن واقع ذكوري متسلّط تشكّلت شخصيته انطلاقا من مفهوم السلطة التي وضعت ملامحها وحدودها السلطة الاقتصادية عبر العصور وبذلك صرخت سيمون دي بوفوار quot; إن الشخص لا يولد امرأة، بل يصبح امرأة quot;، ومن ثم أصبح النضال الاجتماعي من أهم ركائز التغيير في وضعية المرأة، هذا التحول في مسار المرأة الكاتبة وكل امرأة كاتبة هو أساس الانخراط الصعب للتحسيس بوضعية المرأة وبالتالي تغيير أوضاعها نحو الأفضل.
2ـ2ـ نقد الكتابة النسائية بين فيرجينيا وولف وجوليا كريستيفا.
في أحد محاضراتها حول quot; مهنة النساءquot; تطرقت فرجينيا وولف إلى الصعوبات التي تعترض المرأة عندما تريد أن تكون كاتبة، فعند كتابتها لهذه المقالة لاحظت أنه عند الشروع في النقد الأدبي كان عليها مواجهة المقدّس...مواجهة الأشباح...مواجهة الجنس الجميل، ولما تمكنت من معرفته جيّدا فقد حدّدت تسميته في quot; ملاك البيتquot; تيمُّنا بأشهر الأشعار التي تقف حائلا بينها وبين الورقة، تقولquot; إنكم لا تعرفون quot;ملاك البيتquot; أنتم الذين تنتمون للأجيال الصغيرة والسعيدة ، لذلك سأصفه لكمquot;.مهنة النساء.
فالمرأة عندها وبتلك التحديدات الربانية التي وُصفت بها جعلتها داخل المقدس كملاك وديع ـ جميلة إيجابيا ـ كاملة معطاءة ، تضحي وتتقدّم داخل الفن الصعب، فن الحياة، فن العيش داخل العائلة، ففوق المائدة إذا كانت الأكلة دجاجة فهي تكتفي بقطعتها المهمّشة، إذا كان هناك تيار هواء فهو مكانها الذي تجلس فيه ، وفي الأخير فهي تُحرم من التفكير ومن اللذة الخالصة فهي تفضل مشاركة الآخرين أفكارهم ومشاعرهم.
فملاك البيت عند وولف هو الصفاء الخالص، فصفاء المرأة واحمرار وجهها يلخصان جمالها وكل جمالياتها.
وتتابع الكاتبة وصفها لملاك البيت بأواخر العصر الفيكتوري لتقول بأن هذه الصورة هي التي كانت من وراء خوض غمار الكتابة تقول quot; لقد رأيت ظل جناحيها يغطّي صفحاتي، وأستمع إلى حفيف ملابسها بغرفتيquot;.
لقد قتلت فرجينيا وولف المرأة داخلها كي تتحرر كتابتها وتُناقض التصوُّرات الكتابية لعصرها والتي كانت تطبع عصرها والتي تجعل الكاتبة هي : المتفهمة، المرتخية، المستخدمة لأنوثتها، المستخدمة لخصائصها الجنسية في التعبير والمبتعدة عن رأيها الخاص.
وقد اعتبر خروج فرجينيا وولف عن النسق الكتابي لعصرها دفاعا عن النفس قافزة على كل الخصائص الكتابية السابقة من حيث أنها اعتبرت تلك المميزات قد تُفرغ كتابتها من كل خاصية وخصوصية وتجدر، وقد تحدثت الناقدة Showalter Elaine عن خصائص الكتابة النقدية لفيرجينيا وولف تقول: quot;الكتابة عند وولف تهرب باستمرار من النقد الوصفي، دائما ترفض الخضوع له وتوحيد وجهات النظر حوله quot; (17).
فالكتابة لدى وولف حدث ثوري تقيم بها: علاقة مملوءة بالرعب مع الأشياء المحيطة بها والتي تحدد وجودها المادي وتضغط عليه عبرعلاقة تجاذب تحيل ها مِشيَّتَها إلى مركز داخل المركزي والفاعل وبذلك يصبح همّ المجتمع من خصوصيات همّها كامرأة.
أمّا المحللة النفسانية والروائية جوليا كريستيفا(18)، فعند استقرارها بفرنسا سنة 1966 شاركت في تتشيط التنظير الأدبي واللساني مع مجموعة تيل كيل ومشاهير النقد الحديث كرولان بارت وزوجها فيليب سوليرس، من كتبها quot;أبحاث سيميولوجية quot; 1969 quot; النص الروائيquot;1970، quot; ثورة اللغة الشعريةquot; 1974و quot;معبر العلاماتquot; 1975.
إن النص الأدبي عند كريستيفا يعتبر كنسيج لإنتاج مادة اللاشعور التي تعكس شبكة للدلالات المبنية على إرثها الأيديولوجي المشبع بالتقاليد والعادات ل quot;أناquot; الكاتبة التي تعكسها الحقول الدلالية للنص، فهي كما قال عنها بارت quot; تغير أماكن الأفكارquot; (19)
إن فيلسوفة النساء الفرنسيات قد تعرضت بالنقد للشعرية الحديثة لملارميه ولوتريامون من تحقيقها للثورة على صعيد الكتابة وهي تعتبر أن قطيعة هذه الكتابة مع المنطق تحقق نوعية الكتابة المعتمدة على إيقاع الجسد.
أمّا مناقشاتها quot; الجندريةquot; فقد ناقشت فيها البديهيات التي لا تجعل أي أحد يملك جنسه البيولوجي، من ثم كانت وجهة نظرها حول الأدب النسائي ترتكز على:
أولا : رفضها للتحديدات البيولوجية التي تعتبر أساسية في التمايز الجنسي، فالمرأة تطلب الانخراط المتساوي واقعيا ورمزيا للتحرر النسائي.
ثانيا: النساء من وجهة نظرها يرفضن التراتب الرمزي الذكوري باسم التمايز.
هذه هي الوضعية الخاصة التي تحدد معالم النقد الأدبي النسائي لجوليا كريستيفا، من حيث أن النساء ترفضن التقسيم الحاصل بين الذكورة والأنوثة على المستوى الجسدي.
أن هذه الخاصية الثالثة هي التي تسيطر على كتابات كريستيفا وتحدد هويتها كناقدة وهي بذلك تفهم الثنائية رجل/ إمرأة انطلاقا من رصدها للمنظار الميتافيزيقي عليها.

هوامش الدراسة
1- Camille Aubaud, lire les femmes de lettres, paris : dunod, 1993
أخذا عن المقدمة
2- Ibid, introduction,
الترجمة منّي
3- Ibid p :4
أخذا عن
4-Ibid p :15.
5-Ibid p :71.
6- lire les femmes de lettres p :219.
7- سيمون دي بوفوارquot; الجنس الآخرquot; ترجمة محمد علي شرف الدين، المكتبة الحديثة للطباعة والنشر، بيروت 1979، ص: 6.
8 - نفس المرجع السابق ص: 207.
9- المرجع السابق ص:5.
10- أنظر(ي) الصفحة من هذا الكتاب رقم 5، الهامش رقم 3.
11- أنظر(ي) الدكتورة ماجدة حمودquot; الخطاب القصصي النسوي quot;نماذج من سوريا دار الفكر المعاصر بيروت الطبعة الأولى يناير 2002.ص:8.
12- أخذا عن مجلة عيون المقالات العدد 9/10لسنة 1987 ص:79.
13- الجنس الآخر ص: 28.
14 - المرجع السابق ص: 37.
15- نفس المرجع السابق ص:7.
16 - نفسه ص: 51.
17 -TORIL MOI, sexual /textual politics : Feminist Literary Theory,Methuen and Co.Ltd in ,1985 , introduction الترجمة منّي.
18 - من أصل بلغاري (صوفيا) متخصصة في نقد الأدب النسائي، محركة التحول بالسيميائيات الفرنسية، عضوة مجموعة (تيل كبل) تدرس منذ 1972 بالجامعة الفرنسية باريز 7.
-19-TORIL MOI, Ibid, p: 150.

كاتب المقال قاص وباحث من المغرب/ عضو اتحاد كتاب الأنترنت العرب