معرض الفن العراقي بايندهوفن الهولندية
أقام الفنان العراقي قتيبة عباس معرضة الرابع في هولندا، وعرض فيه اخر اعماله في مجال الرسم، حيث تناول فيه مواضيع مختلفة ركز فيها الفنان على اظهار تقنيات جديدة لم ناولها في معارضه السابقة. بدى قتيبة عباس وهو (الشاعر والموسيقار ايضا ) تائها في تفاصيل اساطير نحتها على اللوحة محاولا ملء الثغرات التاريخية بين حياته اليومية الان والذكريات التي تركها في الوطن، ولاغرو في ذلك فالذكريات هي ايضا صناعة للمتخيل. ولان الفنان شاعر ايضا فقد بدت لوحاته كما لو انها ايقونات لعصور ملاها بالجمل الشعرية، ولقد علق لوحاته كما لو انها افكار القاها على الشارع فجاءت انسيابية غير طارئة على حياته اليومية الرتيبة المليئة بمرارة الغربة والنفي.
يمتاز أسلوب قتيبة بقدرته على التقاط صور جمالية يغلب عليها اللون المتأنق، وكانه يحاول ان يكون واعظا في الجمال اللوني واعني واعظا ان صرخته اللونية عالية يحاول اسماعها للاخرين، وبدت الخطوط ضائعة في زحمة موجات اللون المتدفقة هذه، مما جعل من اللوحات تيارات من اللون المتدفق على حافات الخطوط السوداء.
يفلسف قتيبة عباس ذلك على انه محاول لاستنطاق كلام ميت في غربة حية مليئة بالصمت، وهو بذلك لايتعامل مع اللوحة على انها صفقة لفكرة في الراس يحاول ادراجها على المادة بل ان الفكرة مثلما الجمال صفة للوعي الجميل الذي يبعث الافكار.
يبدو الرسم بالنسبة لقتيبة موقف محايد يقف فيه امام سيرته هنا في الغربة، او طفولة قضاها في الوطن وهي طفولة صارت حقيبة يحملها معه اينما حل. بل انه يمعن في تلك لطفولة الملونة التي صارت قارة قديمة تاه في خرائطها. في هذا المعرض بيدو قتيبة عباس سرياليا تارة وواقعيا تارة اخرى، رغم ان السمة العامة لاسلوبه هو التجريد، ينتبه المتلقي الى ان هناك فكرة فلسفية تسيطر على ذهن الفنان من زمن تتمثل في محاولة الانعتاق من سيطرة الافكار السائدة في حياة يومية رتيبة مليئة بالصور المتشابهة، فجاءت الوانه كنقيض لرتابة الفعل في المكان اليومي الذي حوله الفنان الى مكمن لصيد اللقطة الرتيبة وقتلها باسلوب التحرر من كافة اشكال التقيد التي تكبل الانسان بدءاً من العادات وصولا الي تحرير روح الانسان من كل الشوائب التي تلوث داخله. يزج قتيبة عناصر كثيرة على القماش مليئة بالرموز والدلالات، ويبدو صاخبا جدا في ملعبه اللوني بحيث لايترك زاوية الا ويطعمها برمز ما.
المعرض ضم اكثر من ثلاثين لوحة تشكيلية تعطي بيانا خطيا لتجربتة الفنية والحياتية في هولندا ومراحل تطور هذه التجربة، وقد استطاع ان يعبر عن ذلك بسويريالية ( شرقية ) ان صح التعبير.
وتجسد لوحات قتيبة الملامح الكبيرة والصغيرة للفكرة اليومية، خصوصا في ما يتعلق بالانسان وهي رؤية تشكيلية غنية بالمعاني التي يتواصل فيها الفنان مع عالمه الخاص الذي اضحت فيه الانثى ملاذا وفكرة امام الاغتراب والتغريب.
واحتلت الالوان المتناوبة الفاتحة والحادة حيزا كبيرا من فراغ اللوحات، لاظهار الكتل اللونية في اشكال متميزة، مأخوذة في الاساس من تنوع غربة الفنان، وبالتالي دمجها في ملامح كمنت في ذاته الطفولية.
وما يلفت الانتبا ه في أسلوب قتيبة عباس انه اضحى اشبه بتمرين لاحياء طبيعة رتيبة بتكنيك البعث اللوني، مستخدما رموزا بديلة،تمام مثل تكنيك الرمز التصويري في الشعر، ما يؤكد ماقلته في البدء من ان قتيبة يبدع في التجريد، ويزاوج بينه وبين قناعات بصرية يحاول ان يكسب بها ود عين المشاهد من خلال المزج بين التشخيصي والتجريدي
مولدا متعة لونية خاصة ورغبة متنامية للتجديد ولعل هذا النمط النمط الفني اضحى هو السائد لدى الذائقة العامة حيث تتشكل فيه مستويات من الشكل واللون.
وعلى الرغم من ان مصطلح التجريدي يطلق على الأعمال التي لا تحمل شكلا مباشرا منقولا من الواقع كما نراها في الأعمال التي أبدعها فنانو عصر النهضة أو ما لحق بالفن التشكيلي من تطور نحو الجديد في أنماط التعبير بالخطوط والألوان على اللوحة الا ان ثمة مايؤكد ان قتيبة عباس قد شذ عن ذلك لانه ابدع في اضافة الموضوع والفكرة الواضحة على التجريد الذي بناه في لوحته.
وعلى اية حال يدعونا الفنان قتيبة الى ملء صفحات حياتنا البيضاء باللون، وان نمعن اكثر وبصورة اكثر وعيا في ابتكار قيمة للبصر تقضي على رتابة المنظر الذي نعيش.
التعليقات